انتخابات البرلمان الأردني: عقدة القوائم و"شراء" المرشحين وسلطة العشيرة

انتخابات البرلمان الأردني: عقدة القوائم و"شراء" المرشحين وسلطة العشيرة

03 اغسطس 2016
الأحزاب الأردنية مربكة في تشكيل قوائمها الانتخابية(خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
تعج مواقع التواصل الاجتماعي يومياً بمرشحين مفترضين للانتخابات النيابية التي سيشهدها الأردن في العشرين من شهر سبتمبر/أيلول المقبل. يقدم هؤلاء أنفسهم للناخبين بعدما حسموا أمرهم بالمنافسة. بعضهم من يتحصن بإجماع عشائري على ترشيحهم. وهناك من يكتفي بإرسال إشارات يُفهم منها أن هذا المرشح أو ذاك، يمثل شريحة رجال الأعمال والأثرياء. أما البعض الآخر، فهم من أعضاء البرلمان السابقين، الطامحين للعودة إلى مقاعد النيابة، يروجون لخبرتهم المتراكمة، ويحاولون إقناع الناخبين عبر التسويق لأنفسهم بواسطة مقاطع مصورة لأدائهم البرلماني. مع كل إعلان عن الترشح تبرز العبارة المفعمة بالأنا: "قررت الترشح". يتبعها مبررات لا تبدأ بالنزول عند رغبة العشيرة والأهل أو القواعد الانتخابية، ولا تنتهي عند الحرص على خدمة الوطن وتحقيق المصلحة العامة.

أنماط الترشح التي تلتزم السلوك التقليدي، الذي حكم المشهد الانتخابي بعد عودة الحياة النيابية في البلاد عام 1989، لا تنسجم وقواعد اللعبة الجديدة التي فرضها قانون الانتخابات لمجلس النواب لسنة 2016. هذا القانون "طلّق" الترشح الفردي واستعاض عنه بالترشح على القوائم تعتمد نظام النسبية المفتوحة. يتعلق الأمر بتجربة أولى من نوعها في الأردن، مما يثير حالة من الارتباك في صفوف المرشحين المفترضين من المستقلين والحزبيين. فهؤلاء يجدون صعوبة في بناء قوائم انتخابية، والأسباب متعددة: منها ما يتصل بغياب الوعي بالقانون، وبانعدام أو تراجع القاعدة الجماهيرية بعدما تم توسيع الدوائر الانتخابية، ناهيك عن ضعف الحالة الحزبية وتشظيها.

شراء المرشحين
وينص القانون على أن الترشح للانتخابات محصور بالقوائم النسبية المفتوحة التي ستتشكل بحد أدنى من ثلاثة مرشحين وبحد أقصى لا يتجاوز عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية. ويمنح الناخب صوتاً للقائمة، ويكون التصويت عندئذٍ شاملاً لكل مرشحي القائمة. كما يمنح الناخب الحق في اختيار مرشح أو أكثر من داخل القائمة نفسها، على أن يجري الفرز باحتساب الأصوات التي حصلت عليها القائمة، ومن ثم احتساب الأصوات التي حصل عليها كل مرشح داخلها، على حدة. هكذا يتم تحديد الفائزين بعضوية مجلس النواب. وتشير التقديرات إلى احتمال فوز مرشح واحد من كل قائمة أو مرشحَيْن في أفضل الظروف، دون الأخذ بالاعتبار الفائزين عن مقاعد "الكوتا" المخصصة للمسيحيين والشركس والشيشان وللنساء.

أمام حالة الاستعصاء في تشكيل القوائم الانتخابية التي سيفتح أمامها باب الترشح رسمياً في 16 أغسطس/آب الحالي، طوّر المال السياسي من دوره في المشهد الانتخابي بما يتناسب والتطور الذي طرأ على آلية الترشح. فبعدما كان المال السياسي فاعلاً خلال الانتخابات الماضية في شراء أصوات الناخبين، بات ينشط الآن في شراء مرشحين لتسميتهم على القوائم الانتخابية لصالح مرشح قوي. كما واصلت العشيرة دورها في تسمية مرشحيها للانتخابات. وأصبحت تتبلور فكرة قائمة العشيرة بديلاً عن مرشح العشيرة، لا سيما في الدوائر التي تمتلك فيها عشيرة واحدة قاعدة انتخابية وازنة. هكذا تم الإعلان عن قوائم أولية تضم مرشحين من أبناء عشيرة واحدة.


ظاهرة "شراء المرشحين" برزت عندما ناقش مجلس النواب المنحل في فبراير/شباط الماضي، مشروع قانون الانتخاب، الذي شدّد العقوبات على المال السياسي. يومها عبّر نواب عن مخاوفهم من أن يتحول استخدام المال السياسي من شراء أصوات الناخبين إلى شراء المرشحين في القوائم الانتخابية. لكن المخاوف لم تنجح بجعل القانون يتضمن عقوبات على من يثبت تورطهم، وهي الظاهرة التي أصبحت حديث الشارع في الأردن.

الاستعصاء يطاول الأحزاب
حالة الاستعصاء ليست حكراً على المرشحين المفترضين من المستقلين، بل طاولت الأحزاب التي يفترض أنها أكثر تنظيماً واستعداداً لخوص الاستحقاق النيابي. أمين عام الحزب الوطني الدستوري، أحمد الشناق، الذي انضوى حزبه في تحالف من عشرة أحزاب وسطية لخوض المعركة، يصف المشهد الانتخابي بـ"المرتبك". ويقول إنه حتى "الآن لم يغادر المرشحون للانتخابات (الأنا) التي رسخها قانون الصوت الواحد المعمول فيه منذ العام 1993"، مضيفاً أنه "ليس هناك إدراك للتغيرات التي أدخلها القانون الجديد".

ولا يزال تحالف الأحزاب الوسطية في طور إعداد قوائمه الانتخابية، في وقت أصبح موعد الترشح الرسمي على الأبواب. ويرى الشناق أن المهمة ليست يسيرة في ظل تعامل المرشحين مع القائمة النسبية ضمن قواعد الترشح الفردي. ويوضح في هذا الإطار، أن "القوائم تتشكل على قاعدة المرشح القوي ويتم استكمال المرشحين في القائمة بما يخدم مصلحة المرشح القوي"، مشيراً إلى أنه حتى الحزبيون عمدوا لتشكيل قوائم على أسس عشائرية ومنفعية تحت قاعدة الوصول إلى البرلمان بأي ثمن.

ويواجه ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية، المؤلف من ستة أحزاب، ظروفاً مشابهة. فلم تتضح، حتى الآن، ملامح القوائم الأولية التي سيخوض من خلالها الانتخابات. وفي تطور من شأنه أن يضعفه، ظهرت أسماء مرشحين مفترضين من أحزاب منضوية في هذا الائتلاف، على قوائم انتخابية غير حزبية، ومن بينهم أمين عام أحد الأحزاب، الذي فضل الترشح على قائمة حصلت على دعم عشائري ويتصدرها رجل أعمال ثري. هذا الأمر قد يؤدي إلى فرط الائتلاف على مستوى التحالف الانتخابي.

في ظل هذا الواقع المرتبك، يبدو الإسلاميون أفضل حالاً. وبات من المنتظر إعلانهم عن قوائمهم الانتخابية خلال الأيام القليلة المقبلة، وفق قول عضو الهيئة العليا للانتخابات في حزب جبهة العمل الإسلامي، نعم الخصاونة، الذي قال "انتهينا من المراجعة الأولى والثانية للقوائم الأولية، وبقيت مراجعة أخيرة". ويخوض الحزب، المعروف بأنه الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين التي صنفتها الحكومة باعتبارها جماعة غير قانونية، من خلال عقد تحالف وطني واسع مع قوى سياسية وعشائرية. ويقر الخصاونة بصعوبات رافقت تشكيل القوائم، لكنه يؤكد أنه تم تجاوزها. وتضم القوائم أعضاء من الحزب وشخصيات عشائرية ووطنية، كما تضم مسيحيين وشركساً وشيشاناً ونساء يتنافسون على مقاعد "الكوتا".

طبيعة هذا التحالف فرضت على حزب جبهة العمل الإسلامي التخلي عن شعاره الشهير: "الإسلام هو الحل"، الذي ميّزه في الاستحقاقات الانتخابية السابقة. ويسعى حالياً لاعتماد اسم وشعار لقوائمه، بشكل يتناسب وطبيعة التحالفات الانتخابية التي أبرمها. في هذا الصدد، يؤكد الخصاونة أنه "سيتم اعتماد اسم وشعار يستوعب جميع مكونات القوائم"، لأن "العمل الإسلامي" ليس "المكون الوحيد في القوائم"، على حد قوله.

في غضون ذلك، كشفت مصادر عن تشكيل الحزب مع المتحالفين معه قوائم انتخابية تفوق عدد الدوائر الانتخابية البالغ عددها 23 دائرة. وشكل الحزب وحلفاؤه أكثر من قائمة في بعض الدوائر، التي يمتلك فيها نفوذاً كبيراً، وتضم قاعدة انتخابية وقوة تجييرية كبيرة لضمان أكبر قدر من المقاعد تحت قبة البرلمان.

أمام هذا المشهد الانتخابي المرتبك، والاستعصاء في تشكيل القوائم، بدأت تظهر أصوات تدعو إلى تأجيل الانتخابات، والتي تعني دستورياً عودة المجلس السابق، الذي حله الملك في 29 مايو/أيار الماضي. سيناريو كهذا يفتح الباب أمام احتمال تعديل قانون الانتخاب "المعقد". لكن كل الدعوات ستبقى، على ما يبدو، حبراً على ورق، لأن الهيئة المستقلة للانتخابات أنهت استعداداتها لإدارة العملية الانتخابية. ويقول الناطق باسمها، جهاد المومني إنهم يعملون "في الهيئة على أساس أن الانتخابات في موعدها".