جدل بريطاني صاخب حول إجراءات "الطلاق" من الاتحاد الأوروبي

جدل بريطاني صاخب حول إجراءات "الطلاق" من الاتحاد الأوروبي

05 يوليو 2016
مطالبة بانتخاب برلمان جديد لإدارة الانفصال عن أوروبا(غيل أورينشتاين/Getty)
+ الخط -
ما كاد الجدل العام حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ينتهي بتصويت 52 في المائة من البريطانيين لصالح خروج المملكة المتحدة من الاتحاد، حتى انفجر جدل دستوري وقانوني حول "إلزامية الاستفتاء"، وما إذا كان من صلاحيات مجلس العموم تجاوز نتيجة استفتاء 23 يونيو/حزيران 2016، واعتبارها "استشارة شعبية" غير ملزمة. كذلك، يسود جدل حول كيفية الشروع في إجراءات الخروج من الاتحاد، وما إذا كان من صلاحيات خليفة رئيس الوزراء المُستقيل، ديفيد كاميرون، التوقيع على المادة 50 من ميثاق لشبونة، الخاصة بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، أم أن هناك ضرورة لانتخابات عامة مبكرة، تفرز برلماناً وحكومة على أساس نتيجة الاستفتاء، قبل الشروع في إجراءات الانفصال الرسمي عن أوروبا؟
ويقول المراقبون إن الاستفتاء ولّد من الأسئلة، وأثار من الجدل القانوني، أكثر مما قدم من إجابات أو حتى أنصاف إجابات. عمدة لندن السابق، زعيم حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بوريس جونسون، دعا الحكومة إلى إنهاء حالة "الهستيريا" وإعادة الهدوء والاستقرار من خلال الشروع مباشرة في إجراءات الانفصال، دون حاجة إلى الانتظار حتى انتخاب زعيم جديد لحزب المحافظين، ورئيس حكومة جديد في سبتمبر/أيلول المقبل.

أول المواجهات القانونية أطلقتها شركة محاماة لندنية تمثل مجموعة من رجال الأعمال والأكاديميين، بذريعة أن رئيس الوزراء ليس من حقه تفعيل المادة 50 دون نقاش مستفيض وتصويت في البرلمان، الذي ينبغي أن يكون له "دور" في إيجاد "الطريقة الأمثل للمضي قدماً" بهذا الشأن. وتقول شركة "ميشكون دي ريا"، إن الأعراف الدستورية في بريطانيا تنص على أن تفعيل المادة 50 من صلاحيات البرلمان، وأن أي رئيس وزراء يستعمل صلاحياته التنفيذية لبدء الإجراءات سيكون قد انتهك القانون، لأنه يخالف قانون 1972 الذي نص على دخول بريطانيا الاتحاد الأوروبي، ذلك أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع آخر، وفق الأعراف الدستورية، وعليه فإن موافقة البرلمان مطلوبة لمنح رئيس الوزراء سلطة بدء إجراءات "الخروج". ونقلت "بي بي سي" عن المحامي، كسرى نوروزي، من شركة "ميشكون دي ريا": "علينا أن نتأكد من أن الحكومة تتبع الإجراءات الصحيحة، احتراماً للقانون وحماية للأعراف الدستورية البريطانية، وسيادة البرلمان، في هذه الظروف غير المسبوقة"، مضيفاً أن تفعيل المادة 50 من رئيس الوزراء الحالي أو المقبل، دون موافقة البرلمان، سيكون مخالفاً للقانون.

بالمقابل، يقول أستاذ القانون الأوروبي في جامعة كامبردج البريطانية، كينيث أرمسترونغ، لـ"سي إن إن": "الاستفتاء وحده لا يُفعّل إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. إذ لا تزال هناك حاجة لاتخاذ الحكومة قراراً رسمياً بشأن ذلك". وعلى وجه التحديد، يتطلب خروج بريطانيا من الاتحاد تفعيل الحكومة للمادة 50 من معاهدة لشبونة، الخاصة بإعادة هيكلة الاتحاد، والتي تحكم عملية خروج أي عضو من الكتلة المكونة من 28 عضواً.


وما أثار مثل هذا الجدل، قول كاميرون، خلال حملة الاستفتاء، إن فوز حملة "الخروج" سيؤدي تلقائياً إلى تفعيل المادة 50، ولكن عقب فوز أنصار "الخروج"، أعلن كاميرون استقالته تاركاً لخلفه مهمة تفعيل إجراءات الخروج رسمياً وفقاً للمادة 50 من معاهدة لشبونة. وانتقل الجدل حول دور الحكومة في تفعيل المادة 50 إلى ساحات المتنافسين على زعامة حزب المحافظين، في حين تقول النائبة، أندريا ليدسوم، وهي واحدة من خمسة مرشحين لخلافة كاميرون في رئاسة الوزراء، والمؤيدة لـ"بريكست"، إنها ستسرع البدء في عملية التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، واستبعدت وزيرة الداخلية، تيريزا ماي، المُرشحة الأقوى لخلافة كاميرون، والمعارضة لـ"بريكست"، تفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة قبل نهاية العام الجاري. وقالت ماي إنها، وفي حال فوزها برئاسة الحكومة، سوف تخصص حقيبة وزارية جديدة تتولى مفاوضات انفصال بريطانيا عن المجموعة الأوروبية.

وأثار الزعيم السابق لحزب الأحرار الديمقراطي، نيك كليغ، نقاشاً آخر حول صلاحيات الحكومة الحالية، أو حكومة المحافظين التي ستتشكل بعد انتخاب زعيم جديد للحزب، في تفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة، دون أن تحصل الحكومة الحالية أو المقبلة على تفويض شعبي، في انتخابات عامة مُبكرة، للشروع في إجراءات الانفصال عن الاتحاد. ويرى كليغ أن برلماناً جديداً قادراً على إدارة "الطلاق" التاريخي عن الاتحاد الأوروبي بمسؤولية، هو السبيل الوحيد للخروج من الفوضى الحالية. ورفض وزير العدل، المُرشح في الانتخابات لخلافة كاميرون، مايكل غوف، مثل هذه الآراء، قائلاً: "لا حاجة لانتخابات مبكرة للحصول على تفويض لتفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة". في هذا الإطار، استبعدت ماي تنظيم انتخابات مُبكرة أو تنظيم استفتاء ثان حول عضوية بريطانيا في أوروبا.

وتثير انتخابات زعامة المحافظين، وبالتالي خلافة كاميرون في منصب رئاسة الحكومة، خلافاً آخر، إذ يعارض أنصار "الخروج" تعيين أو انتخاب أي رئيس وزراء ممن أيدوا بقاء بريطانيا في الاتحاد، لأن في ذلك تحدياً لإرادة من صوتوا لصالح "الخروج"، كما يضفي شكوكاً على مصداقية الحكومة في مفاوضات الانفصال مع الاتحاد. وقد بلغ الأمر بالنائب المحافظ، بيل كاش، المُؤيد لـ"بريكست" إلى التهديد بمقاضاة الحكومة إذا تم تعيين المرشحة ماي، التي لم تُؤيد "البريكست"، لأن في ذلك "احتيالاً على خيار الشعب البريطاني"، حسب كاش.

المساهمون