بغداد تحت حكم المليشيات... وأزمة الحكومة تدخل نفقاً مظلماً

بغداد تحت حكم المليشيات... وأزمة الحكومة تدخل نفقاً مظلماً

09 مايو 2016
احتكاكات بين المليشيات المنتشرة في بغداد (سكوت بيترسون/Getty)
+ الخط -
برلمان معطل وحكومة ناقصة وفوضى سلاح تعصف بالعاصمة العراقية بغداد منذ أيام، وسط معارك محتدمة منذ ما يزيد عن أسبوع شمال وغرب البلاد لا تتوقف سوى مع دقائق الصمت احتراماً لعشرات النعوش، وسط مخاوف حقيقية لدى سكان بغداد لما سيؤول إليه الوضع الحالي، ترجمتها طوابير الانتظار عند مكاتب السفر براً وجواً، وحمى بيع الممتلكات والتهيؤ لما هو أسوء.
خلال ذلك بدا الانتشار المسلح لمليشيات وفصائل "الحشد الشعبي" واضحاً في مناطق بغداد، وخصوصاً تلك الحيوية والقريبة من المنطقة الخضراء، وهي اصطدمت في ما بينها ثلاث مرات خلال الأيام الخمسة الماضية، كان دور الشرطة والجيش الوحيد فيها هو الوساطة والتهدئة بين تلك الفصائل التي تتبارى على تقاسم النفوذ في أحياء ومناطق بغداد.
وحتى ساعات ما بعد ظهر أمس الأحد، كان الانتشار الأبرز في بغداد لمليشيات "حزب الله العراق" و"سرايا السلام" و"بدر" و"جيش المختار" و"الخراساني" و"لواء أبو الفضل العباس" و"عصائب أهل الحق"، وهي توزعت في انتشارها على مناطق الكرادة والجادرية والحارثية وبغداد الجديدة والصدر والشعلة والكاظمية وأجزاء من منطقة المنصور وطريق مطار بغداد الدولي ومنطقة زيونة وشارع فلسطين. وشهدت هذه المناطق عمليات احتكاك بين تلك المليشيات انتهت أغلبها بسلام باستثناء اشتباك أوقع ثلاثة جرحى من مليشيا "الخراساني" التي أسسها العميد في الحرس الثوري حميد تقوي قبل مقتله قرب تكريت مطلع العام 2015، و"سرايا السلام" التي يتزعمها مقتدى الصدر.
وتسعى وزارتا الداخلية والدفاع العراقيتان إلى تدارك الموقف، إذ دخلت بمفاوضات مع تلك المليشيات للانسحاب من شوارع العاصمة، خصوصاً المناطق الحيوية التي تشهد حركة واسعة للبعثات الدولية والمنظمات الأممية وغيرها. إلا أن أياً من تلك الجهود لم تسفر عن حل لسحب تلك المليشيات من الشوارع بعد انتشارها بعد يوم واحد من حادثة اقتحام البرلمان.
وكشف مسؤول عراقي رفيع المستوى لـ"العربي الجديد"، أن رئيس الحكومة حيدر العبادي "يسعى من خلال وسطاء وشخصيات سياسية ودينية لإقناع تلك المليشيات بالانسحاب من شوارع العاصمة والتوجّه بدلاً عن ذلك إلى ساحات القتال لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)"، مضيفاً أن "بعض فصائل المليشيات رهنت انسحابها بموافقة إيران على ذلك وهو ما اعتُبر إشارة من طهران لواشنطن والأحزاب السياسية العراقية المعارضة لها بمقدار قوتها على تحريك الوضع في البلاد".
خلال ذلك كله أخفق العبادي للمرة الثالثة على التوالي في عقد جلسة رسمية لمجلس الوزراء بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني. وكان من المقرر عقد جلسة للحكومة أمس بحضور خمسة وزراء جدد صوّت عليهم البرلمان في جلسته الثلاثاء قبل الماضي، وفقاً للمتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي، إلا أن اقتحام البرلمان حال دون تأديتهم القسَم الدستوري وهو ما أثار اعتراضات من الكتل السياسية المختلفة حتى تلك المؤيدة لإصلاحات العبادي.
وقال مصدر حكومي عراقي، لـ"العربي الجديد"، إن "سبب تعذر عقد الجلسة هو عدم اكتمال النصاب القانوني"، موضحاً أن "عدم حضور الوزراء المقالين والمستقيلين فضلاً عن الوزراء الأكراد أخلّ بنصاب الجلسة للمرة الثالثة على التوالي".


من جهته، أكد المستشار القانوني في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، محمد عدنان الشمري، لـ"العربي الجديد"، أن "النظام الداخلي لمجلس الوزراء يفرض النصف زائداً واحداً كنصاب قانوني لأية جلسة، لكن بعد التصويت على إقالة ستة وزراء في جلسة البرلمان وهم وزراء التعليم العالي والخارجية والموارد المائية والعمل والشؤون الاجتماعية والصحة والكهرباء، وبغياب وزراء النفط والمالية والثقافة بعد تقديم استقالاتهم، وانسحاب وزيري الصناعة والإعمار من الحكومة إثر قرار زعيم التيار مقتدى الصدر وعدم ترديد الوزراء الجدد الخمسة الذين تم المصادقة عليهم للقسم الدستوري، جعل مجلس الوزراء ناقصاً بلا نصاب".
ولم يكن البرلمان أفضل حالاً من الحكومة، إذ تستمر محاولات رئيسه سليم الجبوري لجمع الكتل السياسية وإقناعها بالعودة إلى المنطقة الخضراء والالتئام تحت قبة البرلمان مرة أخرى. وعقد الجبوري سلسلة اجتماعات في بغداد قبل انتقاله إلى كردستان محاولاً إقناع التحالف الكردستاني بالعودة إلى بغداد والمشاركة في جلسة البرلمان التي يسعى لعقدها الأسبوع المقبل.
ووفقاً لبيان أصدره مكتب الجبوري، فإن "رئيس البرلمان سيواصل اللقاءات مع الأطراف السياسية لعقد جلسة شاملة للبرلمان في أقرب وقت ممكن". وأكد البيان الذي صدر أمس الأحد "الحرص على بناء رؤية موحّدة قائمة على أساس التفاهم المشترك"، متابعاً بالقول: "نريد لأية جلسة للمجلس أن تكون شاملة لا تستثني أحداً، ولا يمكن تغييب أي طرف عنها وسنواصل لقاءاتنا مع مختلف الأطراف لأجل تحقيق تلك الغاية".
وفيما يستمر توعّد رئيس الوزراء لمقتحمي البرلمان بالقضاء والقصاص منهم، حذر المعاون الجهادي لزعيم التيار الصدري الحاج أبو دعاء العيساوي، في بيان له، من المساس بالمتظاهرين أو أنصار الصدر، مؤكداً في بيان أمس أن التيار سيواجه ذلك بالطرق المشروعة.
من جهته، قال القيادي في التحالف الكردستاني حمة أمين لـ"العربي الجديد" إن "الوضع في بغداد منفلت سياسياً وأمنياً". وأوضح أمين أن "عودة الأكراد للبرلمان مرهون بتوفر الأمن والاعتذار من الصدر على ضرب اتباعه لنوابنا الأكراد"، معتبراً أن "المليشيات هي من تحكم بغداد اليوم وليس الجيش أو الشرطة"، واصفاً إياهم بـ"غير مؤثرين أمام سلطة المليشيات المدعومة من إيران".
فيما قال النائب علي البديري إن "التحركات التي يجريها رئيس البرلمان مع الكتل السياسية، مدعومة من رئيسي الجمهورية فؤاد معصوم والوزراء حيدر العبادي من أجل تحقيق جلسة برلمانية صحيحة"، مستبعداً حدوث ذلك في الوقت الراهن.
على الصعيد ذاته، أكدت مصادر في تحالف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، أن الأخير سيُقدّم صباح اليوم الاثنين طعناً للمحكمة الاتحادية بصحة الجلسة المنعقدة الثلاثاء قبل الماضي والتي جرى فيها التصويت على خمسة وزراء من وزراء التشكيلة الحكومية الجديدة. ووفقاً للمصادر، فإن وصول الطعن للمحكمة يعني استمرار شلل مجلس الوزراء وهي خطوة موجهة ضد العبادي شخصياً من غريمه نوري المالكي.
وخلال ذلك يستمر وجود زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في إيران وتعليق عمل كتلته، وسط أنباء متضاربة عن وجود ضغوط إيرانية لإجبار الصدر على الانصياع لخارطة طريق تضمن عدم انهيار الحكومة والبرلمان وقبل كل شيء التحالف الوطني الحاكم في البلاد.