حريق دمشق... النظام الإيراني متهم بنكبة سوق العصرونية

حريق دمشق... النظام الإيراني متهم بنكبة سوق العصرونية

25 ابريل 2016
يرفض التجار بيع محلاتهم في السوق(جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
أثار الحريق الذي التهم، أمس الأول السبت، نصف مساحة سوق العصرونية، أحد أبرز أسواق دمشق القديمة، ردود فعل مختلطة لدى الشارع السوري، بين متحسّر على وصول الخراب إلى قلب دمشق التاريخي، وشامت بتجار الشام الذين يُتهم بعضهم بمواصلة موالاة النظام السوري. وسادت تحذيرات عديدة من أنّ هذا الحريق ربما يكون متعمّداً، وتقف خلفه إيران، في إطار الضغط على أصحاب المحلات لشراء أماكنهم، بغية توسيع ما يسمى بـ"مقام السيدة رقية" الذي ترعاه طهران.

وأفادت وسائل إعلام النظام بتجدد اندلاع الحرائق في بعض محلات منطقة العصرونية بدمشق القديمة، وذلك عقب إخمادها، قبل ظهر السبت، مشيرة إلى أن الحريق الجديد اندلع في منطقة المسكية، وعملت وحدات الإطفاء والدفاع المدني على إخماده حتى ساعات فجر أمس، الأحد، فيما بدأت بعض المحلات التجارية في العصرونية بالانهيار نتيجة تآكلها بسبب الحرائق.

وكانت دمشق، صباح أول أمس السبت، على موعد مع واحد من أكبر الحرائق التي تصيب أسواقها، إذ التهم الحريق عدداً كبيراً من المحلات قُدّرت بثمانين من أصل نحو 200 محل موجودة في سوق العصرونية المتخصص ببيع المنتجات البلاستيكية والألعاب وغيرها من المواد السريعة الاشتعال. كما أدى الحريق إلى انهيار أجزاء من السوق الأثري، وتسبب ضيق الشوارع في السوق القديم بتأخر وصول فرق الإطفاء وإعاقة عملها.

تطابقت الروايات على أن الحريق اندلع حوالى الساعة السادسة صباحاً بعد مشاهدة سحب دخان تتصاعد من السوق القديمة، علماً أن المحلات كانت مغلقة، يوم الجمعة، فيما تنقطع الحركة في السوق اعتباراً من الساعة التاسعة مساءً. ونقلت صفحة "يوميات قذيفة هاون في دمشق" عن شهود عيان قولهم إن الحريق بدأ في محل قنوص ثم امتد إلى المحلات المجاورة، حيث أغلب المحلات ملتصقة. ويبعد مكان الحريق عن الجامع الأموي حوالي سبعمائة متر، وعن سوق المسكية حوالي خمسين متراً، وعن قلعة دمشق من الخلف حوالي عشرة أمتار. كما انهارت أجزاء من الأقسام الخشبية للسوق الأثري القديم.

ويعدّ سوق العصرونية واحداً من شرايين حياة دمشق، ويعيل آلاف العائلات الدمشقية. ويصدّر السوق لباقي المحافظات، ويزدحم يوم الأحد بالتجار والزبائن اللبنانيين. وعلى الرغم من أن الرواية الرسمية للنظام أرجعت الحريق إلى "تماس كهربائي"، إلا أن أصواتاً كثيرة علت باتهام إيران بالوقوف وراء الحريق على خلفية جهود مستمرة تبذلها الأخيرة منذ سنوات طويلة للتمدد في المنطقة. وتحاول طهران الضغط على أصحاب المحلات التجارية هناك لبيع محلاتهم بهدف توسيع مقام السيدة رقية الذي ترعاه السفارة الإيرانية في دمشق، وقد حوّلته من قبر صغير مهمل إلى حسينية كبيرة. ولا تزال تعمل على توسيعه، لكن يعيق جهودها رفض أصحاب المحلات التخلي عنها على الرغم من إغرائهم بمبالغ مالية كبيرة من جانب السفارة. وتنشط السفارة الإيرانية في دمشق منذ العام 2005 لتوسيع جامع "الست رقية" بعد شراء عقارات عدة مجاورة للجامع وتحويله لحوزة علمية كبيرة، والهدف التالي هو إزالة البناء الذي يفصل الجامع عن الشارع العام.


منطقة العصرونية هي جزء من المدينة القديمة المحيطة بالجامع الأموي، حيث تنشط هناك جمعيات ومؤسسات تدعمها إيران بحثاً عمّا تسميه مزارات دينية وقبور. وكان أهم اكتشافاتها على هذا الصعيد، مقام السيدة رقية الواقع جنوبي الجامع الأموي في حي العمارة الذي تم استملاك معظمه من قبل جهات تموّلها إيران، إضافة إلى مسجد صفية الذي يقع في الحي ذاته. وعلى سبيل المثال للنشاطات الإيرانية لاستملاك الأراضي بحجة رعاية الأماكن الدينية، قيام إيرانيين، قبل الثورة السورية، ببناء قبر كبير فوق أحد القبور القديمة في بلدة داريا، بزعم أنه قبر السيدة سكينة ابنة الإمام علي.

وتوافد الزوار الإيرانيون بالمئات للحج إلى هذا المكان، وبدأوا يشترون الأراضي والعقارات المحيطة بالقبر، ويقيمون الفنادق والأسواق فيها. وفي العام 2003، أقاموا حسينية ضخمة على القبر باسم مقام السيدة سكينة، وحظي هذا المقام الجديد بزيارة كبار الشخصيات الإيرانية، ومنهم الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، خلال زيارته لدمشق مطلع 2006، قبل أن يستولي مقاتلو المعارضة على المنطقة، وينهوا هذه الأعمال، أخيراً. ويشير ناشطون ميدانيون إلى تفريغ منطقة بساتين الرازي في منطقة المزة بدمشق وقرب السفارة الإيرانية بالكامل، فيما تجري عمليات شراء مشبوهة في ركن الدين بدمشق. 

وبشكل عام، يتوزع المنتمون إلى المذهب الشيعي في دمشق بأحياء رئيسية عدة، مثل حي الأمين، وهو من أكبر تجمعاتهم وفيه أكثر فعالياتهم، ويضم العديد من المراكز الدينية الشيعية، وحي جعفر الصادق (الجورة)، وفيه نحو 10 آلاف نسمة، ويقع بالقرب من حي الأمين شرق مقام السيدة رقية، وفيه حسينية ومسجد كبير هو مسجد الإمام جعفر الصادق. وتُضاف إلى ذلك، مدارس وجمعيات ومنتديات خاصة بالطائفة، وكلا التجمعين السابقين يقعان في منطقة القيمرية داخل سور دمشق.

وحي زين العابدين (زقاق المحكمة في منطقة الصالحية)، الذي يضم عدداً لا يستهان به من الشيعة، يقع على سفح جبل قاسيون وفيه مسجد وحسينة، وحوش الصالحية، وهي بلدة صغيرة في الغوطة الشرقية وفيها مسجد وحسينية، فضلاً عن وجود عدد كبير من الشيعة العراقيين في منطقة السيدة زينب، وحولها الكثير من الحسينيات والحوزات العلمية ومكاتب المراجع الشيعية. ويلاحظ أن الشيعة الذين وفدوا إلى دمشق من بعلبك (شرق لبنان) أو من جبل عامل (جنوب لبنان) سكنوا في الصالحية، شمالي دمشق، أو في الجزماتية في الميدان، جنوبي دمشق.

والواقع أن مجمل المناطق التي وفد إليها الشيعة في السنوات والعقود الماضية، هي أصلاً مناطق سنية، ولا وجود تاريخي للشيعة فيها، حيث منطقة السيدة زينب كانت بالأصل قرية سنية تدعى "الست" أو قبر الست، لكنها تحولت، تدريجياً، إلى أكبر مركز للشيعة في سورية. يقطن هذه المنطقة عشرات الآلاف من الإيرانيين والعراقيين وشيعة لبنان والخليج، وفيها أكبر حوزة في العالم بعد النجف (العراق) وقم (إيران).