السلطة اللبنانية تستنفر دبلوماسياً في خدمة المصارف وحزب الله

السلطة اللبنانية تستنفر دبلوماسياً في خدمة المصارف وحزب الله

06 فبراير 2016
تتهم واشنطن حزب الله بتجارة المخدرات وتبييض الأموال(حسين بيضون)
+ الخط -
تُحضّر مختلف مؤسسات الدولة اللبنانيّة نفسها "للحج" إلى واشنطن ونيويورك. لا يُربط هذا "الحج" ببدء الصوم عند المسيحيين، ولا هو متعلّق بالضغط لتطبيق القرارات الدوليّة الصادرة لأجل لبنان. هذه الزيارات هي لـ"الدفاع عن لبنان عبر حماية النظام المصرفي، وهو آخر القطاعات المنتجة في لبنان"، هكذا يقول النائب محمد قباني. وفي رواية أخرى، فإن هذه الزيارات، هي لتقديم "مرافعات دفاعيّة عن حزب الله في وجه العقوبات الأميركية" كما يقول أحد معارضي هذه الزيارات. يبدو كلام الأخير أقرب للواقع، إذ إن جميع من يُسأل عن هدف هذه الزيارات، يبدأ جوابه بـ"نفي أن تكون للدفاع عن حزب الله"، رغم أن وسائل الإعلام القريبة من الحزب، كررت مراراً أن هذا هو هدف الزيارات. وهو أمر يراه أحد النواب اللبنانيين مضراً للزيارات.

كان يُفترض أن تفتتح جمعية المصارف سلسلة هذه الزيارات في يناير/كانون الثاني الماضي، لكن العاصفة الثلجية التي ضربت واشنطن وأقفلت مطاراتها، أجّلت هذه الزيارة، وعادت الطائرة التي كانت تحمل وفد الجمعية أدراجها إلى لبنان خائبة. يقول مسؤول العلاقات العامة في جمعية المصارف جورج أبي صالح لـ"العربي الجديد"، إن الزيارة أُجلت إلى وقت لم يُحدد بسبب صعوبة تحديد المواعيد، وأن العمل جارٍ للتحضير لزيارة أخرى، لافتاً إلى أن التحضير للزيارة السابقة احتاج لنحو شهرين.

وبعد جمعيّة المصارف، توجه قائد الجيش جان قهوجي إلى واشنطن، في زيارة هدفها التنسيق العسكري في ما يخص الحرب على الإرهاب، لكنها ترتبط بطريقة غير مباشرة بالزيارات الأخرى. كما يُفترض أن يزور الأراضي الأميركية كل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ووفد من وزارة المال برئاسة الوزير علي حسن خليل، ووفد نيابي يُمثّل مختلف الكتل النيابية (ما عدا حزب الله) واشنطن في الفترة المقبلة.

اقرأ أيضاً: حزب الله والعقوبات المصرفية: آثار على المدى المتوسط 

المُعلن من هذه الزيارات، هو أن هذه الوفود تُريد أن تشرح للأميركيين، القوانين المالية التي أقرّها البرلمان اللبناني في نهاية العام الماضي. وهي سلسلة قوانين ماليّة يلتزم لبنان عبرها بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. يقول عضو الوفد البرلماني النائب ياسين جابر (عضو كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها نبيه بري) لـ"العربي الجديد"، إن هدف الزيارة الأساسي هو القول إن لبنان يلتزم المعاهدات الدوليّة في ما يخصّ مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال. ويلفت إلى أن لبنان تأخّر سنتين في إقرار هذه القوانين، وهو أدى إلى إعطاء انطباع بأنه غير ملتزم بالقوانين الدولية. ويُعلن جابر، أن واشنطن ستكون المحطة الأولى في الزيارة، وستليها زيارة إلى البرلمان الأوروبي وإلى عدد من الدول الأوروبيّة المؤثرة مثل ألمانيا وفرنسا وغيرها.

أمّا في ما يخصّ الربط بين هذه الزيارة والعقوبات المصرفيّة الأميركيّة الأخيرة على حزب الله، ينفي جابر وجود ترابط عضوي، معتبراً أن العقوبات تطاول أفراداً لا النظام المصرفي، لكنه يضيف أنه من المهم عدم حصول ضغط على النظام المصرفي، وعدم خلق حالة إرباك بسبب هذه العقوبات (على حزب الله). ويرى أن ذلك ضروري لمنع حصول حالة ذعر تضرب المجتمع، كما لا يجب إشعار "جزء من المجتمع اللبناني بأنه ملاحق كجماعة". ولدى سؤاله عما أعلنته إدارة مكافحة المخدرات الأميركيّة أخيراً لجهة ارتباط البنك اللبناني الكندي بتبييض أموال شبكات لتجارة المخدرات، حزب الله جزء منها، يقول جابر إن "لا أحد يُريد حماية المجرم، والمصرف لم يكن متورطاً بل أفراد، وقد حصلت تسوية في هذا الخصوص".

ويُشير جابر إلى وجود تفهّم ومراعاة أميركيّة للحالة اللبنانية، "فلبنان جزء من الحرب على الإرهاب، ولا أحد يُريد ضرب العمود الفقري للاقتصاد (المصارف) في ظلّ هذه الحرب". ويُشير إلى أن الأميركيين سيُعلنون عن دعم كبير للجيش اللبناني قريباً في سياق الحرب على الإرهاب.

لا يختلف كلام النائب محمد قباني (عضو كتلة المستقبل النيابيّة) عن كلام جابر. كأن الأمر الوحيد الذي تتفق حوله الكتل النيابيّة في لبنان هو حماية المصالح الاقتصادية المرتبطة بالمصارف. يقول قباني، إن هناك ضرورة لإبلاغ الأميركيين بأن القطاع المصرفي هو القطاع الوحيد الذي لا يزال منتجاً في الاقتصاد اللبناني وأن ضربه يعني توجيه ضربة قاسية للحرب على الإرهاب "و"داعش" موجود على حدودنا الشرقية" كما يؤكّد قباني. ويُضيف، نائب بيروت، أن ضرب الاقتصاد سيؤثر أيضاً على استقرار وضع اللاجئين السوريين في لبنان.

للإشارة فقط، بلغت أرباح المصارف الكبرى في لبنان (تُعرف بمصارف ألفا)، ملياراً و870 مليون دولار أميركي عن عام 2014، بزيادة بلغت 9.1 في المئة عن عام 2013. علماً، أن النمو الاقتصادي للبنان عام 2014 بلغ 1.75 في المئة بحسب البنك الدولي.

اقرأ أيضاً: الحرب الأميركية على حزب الله: توقيف شبكات تجارة مخدرات

إذاً، تذهب القوى السياسيّة موحّدة للدفاع عن النظام المصرفي اللبناني، وعن مصالح حزب الله ورجال الأعمال المرتبطين به. تختلف هذه القوى فيما بينها على الكثير من القضايا، وعلى رأسها السياسة الخارجية للبنان، والموقف من الثورة السورية، والإدارة الداخليّة للبلاد. ويتبادل أطرافها اتهامات بالعمالة، لا بل بالاغتيالات. وقد فشلت هذه القوى في انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ مايو/أيار 2014، ومددت ولاية المجلس النيابي مرتين، بسبب عدم الاتفاق على قانون للانتخابات وعدم الرغبة في إجراء معركة انتخابية، وفشلت في تعيين قائد جديد للجيش وقوى الأمن، فلجأت للتمديد. كما فشلت في ملء الشغور في الإدارات العامّة، والأهم فشلت في إقرار موازنة عامّة للبلاد منذ عام 2005.

رغم ذلك، تذهب هذه السلطة موحدة للدفاع عن القطاع المصرفي، الذي يُشكّل الإطار الذي يحمي مصالحها. وتستخدم هذه الطبقة، تنظيم "داعش" والحرب على الإرهاب، واللاجئين السوريين في لبنان، واحتمال انتقالهم بطريقة غير شرعية إلى أوروبا، ورقة لـ"الابتزاز واستدرار العطف"، كما يقول أحد النواب اللبنانيين، بهدف حماية القطاع المصرفي، ومن خلفه رجال الأعمال المرتبطين بحزب الله، وبشخصيات سياسيّة أخرى. فأحد رجال الأعمال الذين أدرجوا على لوائح العقوبات الأميركيةّ أخيراً، يرتبط بعلاقة عمل مع أحد الرؤساء اللبنانيين.

لكن هذا الجهد اللبناني، يواجه ضربة مستجدة، وهي عودة قضية البنك اللبناني الكندي إلى الواجهة. فبعدما ظنّ المصرفيون اللبنانيون أن قضية هذا البنك انتهت مع التسوية التي عُقدت بين البنك والقضاء الأميركي، عادت قضيته مجدداً إلى الإعلام مع ذكره كمصدر أساسي في التحقيقات التي أدت إلى توجيه إدارة مكافحة المخدرات الأميركية اتهامات كبيرة جداً لـ"قسم الأعمال التجاريّة في جهاز الأمن الخارجي التابع لحزب الله (BAC)"، في عمليّة أمنية دوليّة ضد شبكات مخدرات عاملة في أوروبا وأميركا. واتهمت إدارة مكافحة المخدرات، حزب الله، بأنه يتولى عمليّة تبييض أموال هذه الأعمال، عبر لبنان بشكلٍ رئيسي، وأنه يستخدم أرباحه من هذه العملية لتمويل حربه في سورية.

اللافت في هذا السياق، أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، سبق أن أعلن في بيان في فبراير/شباط 2011، بصفته الحاكم ورئيس الهيئة الخاصة بمكافحة تبييض الأموال، أن "البنك اللبناني ــ الكندي يلتزم القوانين اللبنانية والمعايير الدولية والتعاميم الصادرة عن مصرف لبنان والهيئة الخاصة بمكافحة تبييض الأموال (...) وهذا المصرف يتمتع بإدارة مهنية عالية وسيولة مرتفعة وهو حائز على دعم مصرف لبنان المطلق، ونودّ التأكيد للأسواق اللبنانية والمتعاملين مع هذا المصرف، أن عملياتهم معه هي آمنة".

وبعد سنتين وعدة أشهر على بيان سلامة هذا، أي في يونيو/حزيران 2013، أعلنت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، ومدعي عام منهاتن في بيان عن تسوية "الدعوى المدنية بالتزوير وتبييض الأموال التي رفعتها الولايات المتحدة ضد البنك اللبناني ــ الكندي وأصوله". وأشار البيان حينها إلى أن الدعوى الأميركية تُشير إلى عملية دولية واسعة، استخدمت خلالها "مؤسسات مالية لبنانية مرتبطة بحزب الله، بما في ذلك البنك اللبناني ــ الكندي، النظام المالي الأميركي لتبييض أموال الاتجار بالمخدرات وغيرها من العائدات الجرمية عبر غرب أفريقيا ومن ثم إلى لبنان". وقد دفع البنك اللبناني ــ الكندي حينها مبلغ 102 مليون دولار كجزء من التسوية، كما ضغط مصرف لبنان على مالكيه لبيعه لمصرف آخر بهدف إقفال القضية.

اقرأ أيضاً: هؤلاء مسؤولو حزب الله الذين طاولتهم العقوبات السعودية 

المساهمون