الهدنة السورية: اتفاق مؤقت بمعايير روسية أميركية

الهدنة السورية: اتفاق مؤقت بمعايير روسية أميركية

22 فبراير 2016
كيري: أوباما وبوتين سيستكملان بحث تنفيذ الهدنة(خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

 

تسير الهدنة المؤقتة في سورية نحو التطبيق على الأرض، بعد موافقة فصائل المعارضة المسلحة عليها وفق "ضمانات دولية واضحة"، وقبول رئيس النظام السوري بشار الأسد بها وفق شروطه، ليأتي إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أمس الأحد، من عمّان عن التوصل إلى اتفاق مؤقت حول شروط وقف إطلاق الأعمال العدائية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، تاركاً إنجاز الاتفاق بشكل كامل للرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين خلال الأيام المقبلة.

مقابل هذه التطورات، لا تخفي المعارضة السورية تخوّفها من استغلال موسكو الهدنة لاستمرار قصف الفصائل المعارضة، وقد بدأت الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة أمس الأحد اجتماعات في مقرها بالرياض لبلورة موقف حول عقد الهدنة، والذهاب إلى جولة أخرى من المفاوضات مع النظام في إطار جنيف 3. وكانت المعارضة السورية المسلحة قد أعلنت السبت، إثر اجتماعٍ موسعٍ مع الهيئة العليا للمفاوضات عُقد في مدينة إسطنبول التركية، موافقتها على هدنةٍ مبدئية ومحدودة المدة، على أن تكون هناك "ضمانات دولية واضحة، وإيجاد آليات مراقبة، وعدم قصف روسيا لمناطق المعارضة بحجة الإرهاب، وفك الحصار عن مختلف المناطق، وتأمين وصول المساعدات للمحاصرين، وإطلاق سراح المعتقلين".

لكن ما كان لافتاً أمس هو وقوع عدد من التفجيرات في حي السيدة زينب في دمشق وفي حمص والمزة، تبنّاها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا، وهو الأمر الذي قد يستغله النظام السوري وحلفاؤه لضرب الهدنة المتوقعة، خصوصاً بعد كلام الأسد السبت أنه مستعد لوقف إطلاق النار بشرط ألا يستخدمه "الإرهابيون لصالحهم"، وكذلك "منع البلدان الأخرى من إرسال المزيد من الإرهابيين، والأسلحة أو أي نوع من الدعم اللوجستي لأولئك الإرهابيين".

وكشف كيري أمس عن "اتفاق مؤقت من حيث المبدأ" مع روسيا بشأن شروط وقف محتمل للأعمال العدائية في سورية. وقال كيري، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأردني ناصر جودة في عمّان، إنه تحدث مرة أخرى في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف و"توصلنا إلى اتفاق مؤقت من حيث المبدأ على شروط وقف الأعمال العدائية من الممكن أن يبدأ خلال الأيام المقبلة". وأضاف أن "الرئيسين أوباما وبوتين يمكن أن يتحدثا في أقرب وقت ممكن لتنفيذ" وقف إطلاق النار. وشدد كيري على أن "الحل في سورية لن يكون من خلال التوصل لتحالف مع الأسد وإنما من خلال مبادرة سياسية مدعومة مع مجلس حاكم". وأضاف "يجب أن تكون هناك عملية سلام شمولية لأن غالبية الشعب يستحقون مستقبلا يتصف بالسلام والتعددية والشمولية".

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، في بيان أمس، أن لافروف وكيري ناقشا في اتصال هاتفي أمس شروط وقف إطلاق النار في سورية، مضيفة أن المناقشات تناولت الشروط التي سوف تستثنى منها العمليات ضد التنظيمات التي "يعتبرها مجلس الأمن الدولي إرهابية".

اقرأ أيضاً: كيري: الحرب بسورية لن تنتهي مادام نظام الأسد موجودا

ويرى مراقبون مصطلح "وقف الأعمال العدائية" الذي قد يخرج به القرار الروسي الأميركي "حمّال أوجه"، وسيكون مدخلاً واسعاً أمام الروس لتفسيره وفق رؤيتهم وأهدافهم في سورية. وفي هذا الصدد، يشير المحلل العسكري العقيد المنشق عن النظام عبدالله الحمدان، إلى أن هناك فروقاً كبيرة بين مصطلحي "وقف الأعمال العدائية"، و"وقف إطلاق النار"، موضحاً في حديث إلى "العربي الجديد" أن "وقف الأعمال العدائية محدود، ويخص قسماً من فصائل المعارضة السورية المسلحة، بينما يستمر القتال ضد فصائل أخرى". ويعرب الحمدان عن اعتقاده بأن وقف إطلاق النار "ليس في مصلحة المقاتلين في حال لم تكن هناك عملية انتقال سياسي"، مؤكداً أن الروس يريدون "كسب الوقت ليس إلا"، من وراء هذه الاتفاقات وغايتهم "ضرب المعارضة السورية المسلحة"، مشيراً إلى أنهم "لن ينجحوا في ذلك".

وتُبدي المعارضة السورية المسلحة خشية من استغلال الروس الهدنة لمواصلة استهداف فصائلها في مختلف المناطق السورية، كما يقول رئيس هيئة الأركان العامة لـ"الجيش السوري الحر" العميد أحمد بري، ولكنه يرحب في حديث إلى "العربي الجديد" باتفاق وقف إطلاق النار، قائلاً: "ما يريح أهلنا يريحنا".

من جهته، يقول القيادي في الجيش السوري الحر، المتحدث باسم "جيش المجاهدين" في حلب، النقيب أمين أحمد ملحيس، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن "المعارضة السورية المسلّحة ترحب بأي اتفاق يوقف الأعمال العدائية من قبل قوات النظام والمليشيات الطائفية المساندة لها، ويفضي إلى فك الحصار عن المدن والبلدات المحاصرة من قبلها، ويؤدي إلى إيقاف القصف الجوي بمختلف الأسلحة بما فيها أسلحة محرمة دولياً على المدن والبلدات والقرى السورية".

ويوضح ملحيس أن هذا الموقف يعبّر عن موقفه الشخصي "إذ لم تبلور الفصائل المقاتلة بعد موقفاً واحداً تجاه ما يُطرح عن وقف إطلاق النار"، معرباً عن اعتقاده بأن روسيا لن توقف قصفها فصائل للجيش السوري الحر "بحجة أنها تضرب الإرهاب". ويعتبر أن غاية المعارضة السورية من وراء الموافقة على وقف إطلاق النار "كشف الروس في المحافل الدولية واختبار مدى جديتهم في تطبيق قرار وقف إطلاق النار".

وتحاول قوات النظام ومليشيات مدعومة من الطيران الروسي، استعادة ما يمكن من الجغرافيا السورية قبل إقرار أي اتفاق من قبل موسكو وواشنطن ربما يعيق تقدّمها، وخصوصاً في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية.

ويؤكد سفير الائتلاف الوطني السوري في روما بسام العمادي، أن فرص عقد هدنة تصمد "ضئيلة"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "حتى لو أُقرت الهدنة، سيستمر الروس في قصف المعارضة الحقيقية، وليس تنظيم داعش". ويلفت العمادي إلى أن "هدفهم (أي الروس) واضح، ودفعوا الكثير من أجله، ولن يتركوه قبل تحقيقه"، مضيفاً: "في حالة الحرب هناك مساران، سياسي وعسكري، وتعتمد قوة المسار الأول على مدى إنجازات المسار الثاني، ويتبادل كل منهما المقام الأول حتى يتم التوصل لحل نهائي، وكثيراً ما تتم المماطلة بالمسار السياسي انتظاراً لتحقيق الإنجازات في المسار العسكري، وهذا تماماً ما تفعله روسيا".

ويرى العمادي أن موسكو منذ بداية تدخلها العسكري في سورية "تتماهى بعهر وفجر في مسارها السياسي"، مضيفاً: "هي تارة تريد فرض وفد من النظام ليتفاوض مع النظام، وأخرى تقول أنه لا دلائل على قصفها المدنيين، وتارة تتهم التحالف الغربي بقصف المستشفيات والمدارس، وفي الوقت نفسه يلتقي مسؤولها الدبلوماسي الأول مع نظيره الأميركي ليتفاهما حول آليات وقف النار، وسوى ذلك من اتفاقيات جنيف وفيينا وغيرهما، ولكن من دون تحقيق أي تقدم حقيقي، بل يزداد الوضع قسوة وقتلاً ومجازر بحق الشعب السوري، وهذا ما تريده روسيا، أي إخضاع الشعب السوري والفصائل الثورية المقاتلة للرؤية الروسية للحل النهائي ببقاء النظام ببشار الأسد أو بسواه".

اقرأ أيضاً: موافقة المعارضة السورية على الهدنة المؤقتة: شروط وضمانات

المساهمون