تونس: الصيد يستعيد عافيته السياسية بعد وعكة تشعل الشائعات

19 فبراير 2016
الصيد يستأنف عمله السياسي بنشاط (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

عاد رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد بقوة لافتة ونشاط كبير إلى عمله. وتوالت اجتماعاته ولقاءاته السياسية والتقنية يومياً، ليدحض معها الشائعات التي راجت حول وعكته الصحية الأخيرة، وتأثيرها على وضعه السياسي.

اقرأ أيضاًجدل في تونس بعد إعلان النشرة الصحية لرئيس الحكومة

وكان ابتعاد الصيد عن النشاط الحكومي، بسبب وعكة صحية طارئة، قد أطلق العنان للشائعات والطموحات، حول ابتعاده عن رئاسة الحكومة والبحث عن بديل له، وحرّك سواكن المنتظرين في طابور الحالمين بخلافته.

وجاء بلاغ المستشفى العسكري الذي تولى علاج الصيد، ليزيد من حجم الغموض، خصوصاً أنه البيان الأول من نوعه في تقاليد الحياة السياسية التونسية.

وتشير المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، والتي لا تتناقض مع بيان المستشفى، ولعلّها تكمله، إلى أن صحة الصيد تتحسس من أعراض البرد، ولذلك يشاهد في الزيارات الخارجية الميدانية متدثراً بشكل محكم، لاتّقاء تأثيرات البرد.

وعلى الرغم من أنه كان في بداية مرضه، إلا أنه آثر التحوّل نحو ألمانيا، إلى أن اشتد عليه المرض، ما دفعه إلى التوجه إلى المستشفى العسكري، وإصدار بيان بأن الراحة ستكون قصيرة جداً لأيام، غير أنه عولج في المستشفى العسكري بمضادات حيوية لا تتلاءم مع وضعه، بسبب حساسيته من إحداها، ما أطال فترة الراحة، وأطلق التأويلات.

ولهذه الأسباب، تم نقل أنشطة رئيس الحكومة إلى قصر الضيافة بقرطاج، بدلاً من مقرّ رئاسة الحكومة في القصبة، في المدينة العتيقة بالعاصمة.

غير أن تفاصيل المرض ليست مهمة في حدّ ذاتها، ولكن ابتعاد الصيد لأيام قليلة فقط عن الحكومة، نبّه مسانديه ومنافسيه على حدّ سواء، إلى أهمية الرجل في الوضع السياسي التونسي الحالي، الهش جداً، وغير القابل للهزات.

لهذا، سارع الرئيس الباجي قائد السبسي وزعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي إلى دحض كل الشائعات وتجديد المساندة للصيد، على الرغم من بعض المآخذ عليه.

ونفى الغنوشي كل ما يروّج عن تعلل الصيد بوضعه الصحي للاستقالة أو أن تكون الوعكة تمهيداً لإقالته واستبداله، وأكد في حديث لـ"العربي الجديد"، على هامش تكريم رباعي نوبل، أن رئيس الحكومة لو رغب في التخلي عن منصبه ما كان بحاجة للتعلل بالمرض، كما أن الجهة الراغبة في إقالته لن تحتاج للتمهيد للأمر وإيجاد الحجج الملائمة. وأشار إلى أن رئيس الحكومة التونسية لم يبلغه برغبته في التنحي.

وكانت أخبار راجت حول إمكانية ابتعاد الصيد عن الحكومة، وربما تقديم استقالته، ولكن مصادر في الحكومة والرئاسة نفت ذلك.

غير أنّ مطلعين على أروقة "القصبة" رجّحوا، لـ"العربي الجديد"، أن يكون الصيد قد تقدّم بالفعل باستقالته منذ حوالي عشرة أيام، ليس بسبب وعكته الصحية الطارئة، وإنما بسبب الضغط الكبير المسلّط عليه، وبسبب طعنات من بعض مكونات الائتلاف الحاكم نفسه، مرجّحة أن تكون عائلته رافضة للوضع الذي أصبح يعيشه الرجل.

ولكن مجرد فكرة ابتعاده في الوضع الحالي، أثارت الريبة، خصوصاً في ظل الوضع المتفجر داخلياً وخارجياً، بسبب الاحتجاجات الاجتماعية من ناحية، وتهديدات الضربات العسكرية على ليبيا، من ناحية ثانية.

لهذا، سارع السبسي والغنوشي إلى تجديد دعمهما للرجل، إدراكاً منهما بأنّ خيار الاستقرار الذي يمثله الصيد ليس متاحاً مع غيره في الوقت الحالي.

ويبدو أن الرجلين مقتنعان معاً بنجاحه الواضح في العبور من منطقة الاضطرابات الشديدة التي مرت بها البلاد بسلام، بعد أزمة "نداء تونس" التي كادت تعصف بالحكومة، وبالتوازن السياسي برمته. لكنّه عرف منذ البداية كيف ينأى بالحكومة عن "النداء"، وعن بقية الأحزاب، كما نجح في احتواء أزمة الاحتجاجات الأخيرة، وإيقاف موجة العنف التي رافقتها والحدّ من تأثيراتها.

ولكنهما يذكران أن اختيارهما للصيد، في بداية ائتلافهما، كان بسبب قربه من الطرفين، ونجاحه في دعم التوازن بينهما، والحفاظ عليه رغم خلافاتهما الجانبية.

ويراهن السبسي والغنوشي على عامي 2016 و2017 لبداية خروج تونس من أزمتها الاقتصادية، وبالتالي تقليص حالة الاحتقان الاجتماعي.

ويبدو أن الوعكة الصحية للصيد كانت مفيدة له سياسياً، وخرج أقوى ممّا كان عليه، بعدما ذكّر الجميع بأنه واحد من أعمدة استقرار البيت التونسي.

اقرأ أيضاً: انشقاق "النداء" يدفع النهضة لتصدر المشهد البرلماني "تحت الإكراه"

المساهمون