التنازل الأول

التنازل الأول

26 نوفمبر 2016
صعّد النظام مع بعض المناطق لشق صف الثورة(سمير تاتين/الأناضول)
+ الخط -

بدأت مفاعيل الاتفاقات والمصالحات البدائية التي وقعتها بعض مناطق محيط دمشق مع النظام بالظهور كاستسلام تام لكل شروط النظام، وصولاً إلى عودة تامة إلى حظيرة سلطته، بعد الانتقام ممن ساهم في إذكاء تلك الاحتجاجات وإبعادهم خارج محيط العاصمة. إذ أدرك معظم سكان تلك المناطق أن كل الاتفاقات والهدن البدائية، التي كانت توقع معهم، لم تكن سوى مرحلة أولية ضمن مراحل تأمين محيط العاصمة وإخضاعه لسلطة النظام، باتباع كل الوسائل المتاحة، بدءاً من الترهيب والحصار وانتهاء باتباع أشد وسائل القتل فظاعة، بحيث لا يبقى أمامهم سوى واحد من خيارين: إما الخضوع لسلطة النظام وشروطه وإما الموت.

فمع بداية الثورة السورية حاول النظام احتواء المطالبين بالحرية والخلاص من نظام الاستبداد، من خلال تحويل مطالب الثورة إلى مطالب خدمية بسيطة ومناطقية تخص كل منطقة على حدة، فأوعز إلى المحافظين في كل المحافظات بفتح حوار مع وجهاء المناطق، والطلب منهم طرح متطلباتهم الخدمية، وإعطاء الناس وعوداً بتطبيقها خلال مدة زمنية محددة. وكان الهدف من هذا الإجراء شق صف الثوار، بين مؤيد ورافض لفكرة الحوار، بحيث يكون لديه الوقت الكافي من المماطلة مع من يقبل ليتمكن من الانقضاض على من يرفض. كما أنه بهذه الفكرة يصور نفسه أمام المجتمع الدولي وكأنه نظام ديمقراطي قابل للحوار، إلا أن النظام فشل فشلاً ذريعاً في تطبيق تلك الخطة، فأظهر كل وسائل البطش المتاحة أمامه واستعان بالجيش لتحقيق هذا الهدف.

واستدعى محيط العاصمة، بسبب تشكيله الخطر الأكبر على النظام، أن يتبع خطة لتأمينه وإعادته إلى سلطته، فبدأ بعرض هدن بسيطة، تبدو ظاهرياً وكأنها مصلحة مشتركة، إلا أن النظام كان يخرق تلك الاتفاقات ويصعد مع بعض المناطق من دون سواها، ليعقد معها هدناً منفردة، من شأنها شق الصف وتشتيت العمل المشترك بين المناطق الثائرة، وخلق بعض الحساسيات بينها، لينتقل بعدها إلى مرحلة الحصار ومنع كل أسباب الحياة عن بعض المناطق ليوصلها إلى معادلة الاختيار بين الموت جوعاً وقتلاً بالطائرات وبين الاستسلام لكل شروطه، القائمة على تهجير البعض وتسوية وضع البعض الآخر وإعادتهم إلى بيت الطاعة، جنوداً لنظام الاستبداد.