رسائل 11نوفمبر المصري: استنفار واعتقالات وشعارات تذكر بثورة يناير

رسائل 11نوفمبر المصري: استنفار واعتقالات وشعارات تذكر بثورة يناير

12 نوفمبر 2016
هيمنت النداءات المطالبة بالعدالة الاجتماعية على التحركات (هشام فتحي/الأناضول)
+ الخط -

لم تخل فعاليات يوم أمس الجمعة في مصر من بعض أوجه التشابه مع أجواء ثورة يناير في مصر: استنفارأجهزة الأمن كان مشابهاً في الحدثين، ومطالب 11 نوفمبر  تماثلت مع شعارات الانتفاضة قبل حوالى 6 سنوات على الرغم من المشاركة الشعبية الضعيفة يوم أمس. أما المفاجأة فجاءت من أحد أشهر رموز المرحلة الانتقالية ما بين نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك وما بعد الثورة، المشير حسين طنطاوي، الذي ظهر بشكل مفاجئ في ميدان التحرير. واحتشد العشرات حول سيارته، أثناء مروره من الميدان، مرددين هتافات مؤيدة له وللجيش المصري، فيما أثار ظهوره تساؤلات عدة، لا سيما أنه ترافق مع توجيه رسائل غير مباشرة، بعدما نقل عنه قوله للذين احتشدوا حوله "لن يتم إعدام الإخوان" أي جماعة الإخوان المسلمين. وفي رد على تساؤل حول مكان وجود رئيس الأركان الأسبق، سامي عنان، قال طنطاوي "في البيت خلاص كِبِر".

مع العلم أن النظام تعرّض أساساً إلى هزة واضحة وإرباك واسع النطاق، بسبب دعوات التظاهر والعصيان المدني في سياق "تظاهرات 11 نوفمبر/ تشرين الثاني" أو "ثورة الغلابة"، ما دفعه لاتخاذ تشديدات أمنية عدة منذ مطلع الأسبوع، بلغت حد إغلاق محطة مترو أنفاق ميدان التحرير، ونزول عناصر الشرطة العسكرية والأمن المركزي والمباحث بكثافة غير مسبوقة إلى الشوارع، بالتوازي مع تحشيد إعلامي مناوئ لتلك الدعوات، والمعتمد على التهوين من أي حراك جماهيري محتمل.

وعكست هذه التصرفات والتشديدات الأمنية الشعور الدفين لدى النظام بوجود غضب عارم مكتوم تجاهه بين المواطنين، نتيجة سوء الأحوال الاقتصادية وزيادة التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية والمنتجات البترولية. وذلك كله قبل أي اعتبارات سياسية أو تداخل بين الحراك الشعبي التلقائي، وبين التحركات الحزبية أو السياسية المعارضة للسيسي ونظامه.

وعلى الرغم من ضعف المشاركة الشعبية بصفة عامة في التظاهرات، إلّا أن النظام تعامل معها بجدية مطلقة. وشهدت شوارع القاهرة والإسكندرية وباقي المحافظات تواجداً أمنياً وعسكرياً منذ ما قبل صلاة الجمعة، وتم تكثيف الكمائن في الطرق السريعة والشوارع الرئيسية، وتوسيع دائرة حركة أفراد الأمن السريين بالزي المدني (المخبرين)، لتشمل جميع شوارع وسط العاصمة والمساجد الكبرى، بالإضافة للاعتماد على التخويف عبر تسيير المدرعات وعربات الأمن المركزي في المناطق الشعبية المزدحمة.

ونشط أفراد الأمن في ممارسة الاعتقالات العشوائية، وأوقف أكثر من 40 شخصاً بالقاهرة وحدها من العاشرة صباحاً إلى الثالثة مساءً، وتمت إحالة نحو 22 منهم إلى النيابة العامة وإطلاق سراح البقية. ونسبت لهم الشرطة اتهامات بالتحريض على التظاهر والتجمهر من دون ترخيص، في الوقت الذي سمحت فيه قوات الأمن بالإسكندرية وبعض المحافظات بتجمعات ضعيفة لأنصار السيسي، الذين تم حشدهم تحسباً لتطور التظاهرات المعارضة أو اتساعها، فيتحول المشهد إلى معركة، كما حدث في وسط العاصمة خلال تظاهرات رفض التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير قبل نحو 6 أشهر.



واللافت أن عودة الاعتقالات العشوائية التي كانت قد توقفت منذ تظاهرات تيران وصنافير، تتزامن مع الإجراءات التي تزعم لجنة شكلها السيسي اتخاذها لمراجعة أوضاع الشباب المسجونين على ذمة قضايا ولم يحاكموا حتى الآن. ودفع ذلك، مراقبين إلى اعتبار أن "النظام غير جدّي في التخلي عن سياساته القمعية، على الرغم من التعهدات الضمنية، التي ذُكرت في مؤتمر الشباب الأخير الذي عُقد في شرم الشيخ نهاية الشهر الماضي".

كما برز أيضاً في التظاهرات المحدودة التي خرجت ببعض مناطق الإسكندرية والسويس والبحيرة وضاحية ناهيا بالجيزة، عودة شعارات ثورة 25 يناير 2011 وأحداثها، التي لا تعبّر عن أي انتماء سياسي إسلامي أو ليبرالي أو يساري، بفعل تصاعد شعارات "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"عيش حرية كرامة إنسانية"، و"يسقط يسقط حكم العسكر"، إلى جانب النداءات المطالبة بالعدالة الاجتماعية، والمعبّرة عن معاناة الطبقة الوسطى وانسحاق محدودي الدخل بسبب قرارات السيسي الاقتصادية الأخيرة.

في المقابل، فإن التشديدات الأمنية والأنباء التي انتشرت على بعض الصفحات الإلكترونية المؤيدة للسيسي، منذ صباح يوم الخميس، عن أنه سيتم فرض حظر تجول إذا خرج المئات إلى الشوارع، تسببت في شل كامل لحركة القاهرة تحديداً. وأدى ذلك إلى إغلاق آلاف المحلات التجارية أبوابها قبل صلاة الجمعة وبعدها، وعطّلت بعض الشركات التي من المعتاد أن تعمل يوم العطلة الأسبوعية خدماتها.

ورأى مراقبون أن تعامل النظام بهذه الكيفية مع تظاهرات دعت لها صفحات إلكترونية مجهولة وغير منتمية لأي تيار، يدل على هشاشة ثقة النظام في شعبيته، ويؤكد معرفته بانخفاض نسبة شعبيته لأدنى مستوياتها لا سيما بعد القرارات الاقتصادية الأخيرة.

كما دلّ المشهد أن الجماهير غير المنتمية للتيارات السياسية هي التي ستكون عامل الحسم في أي حراك جماهيري مستقبلي، لأن تلقي الجهات الأمنية معلومات مفادها أن عموم المواطنين في الشارع أصبحوا متحمسين أكثر من أي وقت مضى للمشاركة في تظاهرات، هو ما أثار قلق النظام الحاكم ودعاه لهذه التشديدات.

وكان ملاحظاً منذ الدعوة لهذه التظاهرات، أن التيارات الإسلامية لم يكن لها أي دور في الحشد على الأرض، في مقابل انتشار دعوة المشاركة فيها في أوساط اجتماعية غير مهتمة بالسياسة ولم تعتد المشاركة في الفعاليات السياسية خلال السنوات الثلاث الماضية. كما تعددت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مجهولة الهوية الداعية للمشاركة، واتباع أساليب غير تقليدية في الدعوة، مثل طباعة أختام على الأوراق النقدية، لا استخدام الجدران لتعليق الملصقات.

وكانت مصادر أمنية واسعة الاطلاع قد ذكرت لـ"العربي الجديد"، أنه "توجد دلائل على ضلوع جهة معينة داخل النظام الحاكم، أو أشخاص مناوئين للرئيس عبد الفتاح السيسي في الحشد للتظاهرات، وعدم وجود دلائل على علاقة تيارات الإسلام السياسي واليسار بهذا الأمر".

وفي وقت سابق، رجحت مصادر حكومية وسياسية لـ"العربي الجديد"، أن "يكون الحشد والتخويف المبالغ فيه مما سيحدث عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المؤيدة للسيسي على مدار الأسبوعين الماضيين، مسرحية لإيهام الرأي العام بوجود مخطط إخواني لقلب النظام، ثم يمر اليوم بدون مشاركة واسعة، فيستخدم النظام ذلك للتهوين من شأن المعارضة وقدرتها على الحشد. تماماً كما حدث في جمعة الهوية الإسلامية في 28 نوفمبر من العام الماضي. ما يمكّن النظام من امتصاص غضب المواطنين من سوء الأوضاع الاقتصادية دون أن يتكلف شيئاً".

المساهمون