تعليق المفاوضات السودانية يفتح الباب أمام مغامرة عسكرية

تعليق المفاوضات السودانية يفتح الباب أمام مغامرة عسكرية

22 أكتوبر 2016
ضغوط تمارس على الأفرقاء السودانيين لإيقاف الحرب(أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

تتسارع الأحداث في دولة السودان لتفتح المشهد على كافة الخيارات بما فيها قيام الحركات المسلّحة، التي تقاتل حكومة الخرطوم في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بمغامرة عسكرية لتعديل كفة القوة، فضلاً عن زيادة حدة الاستقطابات السياسية، بالنظر إلى محاولة كل طرف إحكام اللعب بأوراق الضغط التي لديه لتحقيق أكبر مكاسب.

وحسمت "الحركة الشعبية"، قرارها مساء الجمعة، بتعليق التفاوض مع الخرطوم، احتجاجاً على اتهامات من قبل منظمة العفو الدولية للحكومة السودانية باستخدام أسلحة كيميائية بمنطقة جبل مرة في دارفور.

وجاء قرار الحركة الذي أُخضع للمشاورات لنحو شهر، بالتزامن مع صدور تصريحات شديدة اللهجة أطلقتها الخارجية الأميركية، طالبت جنوب السودان الالتزام بتعهداتها للخرطوم والكف عن دعم وإيواء الحركات المسلحة السودانية، بعدما أكدت احتضان جوبا لتلك الحركات.

ووفقاً لمراقبين، فإن خطوة واشنطن، والتي تعد الأولى من نوعها بمثابة كرتِ ضغطٍ على الحركات المسلحة لحثها على الجلوس للتفاوض فضلاً عن تشجيع الخرطوم للمضي في تحقيق اشتراطات واشنطن الخاصة بتغيير الوضع الداخلي، وتحقيق تسوية سياسية شاملة تعمل على استقرار السودان للنهوض بمهامه المنتظرة دولياً وإقليمياً، في ما يخص "مكافحة الإرهاب، والاتجار بالبشر، والعمل على تحقيق الاستقرار في دولتي جنوب السودان وليبيا".


ويعتقد مراقبون أن الحركة رأت رفع سقفها بتعليق التفاوض وبالتركيز على اتهامات منظمة العفو الدولية بشأن الأسلحة الكيميائية، بالضغط على الحكومات الغربية عبر قضايا حقوق الإنسان.

وقالت الحركة الشعبية، في بيان لها، إنها قررت الوقف الفوري لأية محادثات مع الحكومة السودانية، في ما يلي القضايا السياسية لاسيما مفاوضات السلام والحوار الوطني قاطعة بعدم قدرتها على الاستمرار في التفاوض السياسي، على حساب الأزمة المدنية وحاجة المدنيين إلى حماية.

وأضافت أنها ستكون مستعدة للتفاوض فقط حول وقف العدائيات لمخاطبة الأزمة الإنسانية بمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بشكل منفصل، معتبرةً أن الخرطوم تستخدم العملية السياسية كغطاء لإطالة أمد المعاناة الإنسانية.

ووفق مصادر في الحركات المسلحة الدارفورية، فإن الأخيرة تدرس إعلان الخطوة ذاتها بتعليق المفاوضات مع الحكومة لإحكام الضغط على الخرطوم.

في المقابل، سارعت الخرطوم لالتقاط الانتقادات الأميركية لجوبا بشأن دعم وإيواء الحركات المسلحة، بإمهال جوبا حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل، لتنفيذ اتفاقيات التعاون التسعة، التي وقعها الطرفان قبل نحو أربعة أعوام في أديس أبابا، والتي من بينها بند خاص بالترتيبات الأمنية وطرد الحركات من الجنوب.

وقال الرئيس السوداني عمر البشير لدى مخاطبته اجتماعات مجلس شورى حزبه، مساء الجمعة، إنه سيغلق ملف التعاون مع جوبا في حال لم تلتزم بتنفيذ جملة الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين في المهلة المحددة، مشدداً على أنه "إذا لم ينفذوا الاتفاقيات حتى ديسمبر سنقلب الصفحة".

أمّا جوبا فرأت أن الاتهامات الأميركية من شأنها أن تقوض الجهود المبذولة بين البلدين لحل القضايا الأمنية، لافتةً إلى أنها ستطالب الجانب الأميركي بتوضيحات حولها.

وقال وزير الدفاع الجنوبي، كوال مانينغ، في تصريحات سابقة، إن بلاده أمرت بالفعل الحركات السودانية بمغادرة أراضيها أو تسليم أسلحتها والدخول في معسكرات اللاجئين. وأوضح "أنهم وافقوا على مطالبنا وسلموا أسلحتهم، بدورنا سنسلم الأسلحة للخرطوم لأننا لا نحتاجها".

ووصف وزير الإعلام الجنوبي مايكل مكواي، المهلة التي أعلنها الرئيس البشير لجوبا بـ"المؤسفة"، معتبراً أنه لا يوجد ما يقود البشير لذاك المنحى.

وقال مكواي، لـ"العربي الجديد "، إن مهمة تنفيذ اتفاقية التعاون أمر مشترك بين البلدين، وأمر المهلة من خلافها كان يفترض أن يناقش عبر الآليات المشتركة، لا أن يطلق هكذا. وأضاف أن "المسألة ليست مسألة زمن لأن ذلك يفقد الاتفاقية معناها، كما أن تصريحاً مثل ذلك ليس في أوانه".

من جهته، رأى رئيس الوفد الحكومي للتفاوض مع حركات دارفور، أمين حسن عمر، أن الخطوة الأميركية من شأنها أن تشكل ضغطاً إضافياً على جوبا لطرد الحركات المسلحة السودانية ووقف دعمها.

وأبدت جوبا قبل نحو شهر ونصف التزاماً إبان زيارة النائب الأول للرئيس الجنوبي تعبان دينق للخرطوم، بوقف عملية دعم وإيواء الحركات المسلحة. وطلبت مهلة حوالى 21 يوماً لتنفيذ الخطوة.

ورأى المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، أن المطالبات الأميركية لجوبا بشأن طرد الحركات المسلحة السودانية من أراضيها بمثابة تحول حقيقي وكامل في الموقف الأميركي، فيما يلي الصراع في السودان مقروناً بالضغوطات غير المعلنة التي تمارسها واشنطن على جوبا في تنفيذ تلك الخطوة.

ورجح أن الدافع من الخطوة الأميركية هو تشديد الضغط على الحركة الشعبية قطاع الشمال، وإجبارها للقبول بالحد الأدنى من المطالب خلال التفاوض مع الخرطوم لتحريك عجلة التفاوض.

وأوضح "لأن تطبيق الترتيبات الأمنية بين الخرطوم وجوبا من شأنه أن يغلق خط الإمداد على الحركة ويمثل كرت ضغط قوي عليها"، معتبراً أن "التصريحات المتبادلة بين الحكومة والحركة بتعلية السقف، خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية، تدخل في إطار المناورات السياسية لإظهار موقف القوة، وتجهيز المسرح للمرحلة المقبلة، خصوصاً أن هناك ضغوطاً فعلية على الطرفين في ما يتصل بالتسوية السياسية وإيقاف الحرب".