سلام جنوب السودان: إعلان حكومة الوحدة رهن تجاوز الخلافات

سلام جنوب السودان: إعلان حكومة الوحدة رهن تجاوز الخلافات

21 يناير 2016
اعتذر ميارديت للشعب عن الحرب العبثية (فرانس برس)
+ الخط -
من المقرر أن تتسلّم الحكومة الانتقالية في جوبا مهامها، غداً الجمعة، في ما يفترض أنه خطوة فعلية نحو تنفيذ اتفاقية السلام الموقّعة بين الجنوبيين. لكن إعلان الحكومة غداً يبقى مرهوناً بإذا ما كانت الساعات القليلة المقبلة ستكون كافية لتجاوز الخلافات العالقة وفي مقدمتها الانتهاء من كتابة الدستور الانتقالي ومعالجة قضية الخلاف حول تقسيم الولايات إلى 28 ولاية بدلاً من 10، بوصفها من أهم العقبات التي تقف حجر عثرة أمام تنفيذ اتفاق السلام. كما يتزامن الموعد المفترض لإعلان الحكومة مع تهديدات حدودية، أهمّها الحركات المسلّحة التي تستعملها الخرطوم وجوبا ورقة ضغط، كلٌّ لصالحها، والتي يبدو أنها ستضيف المزيد من التوتر إلى علاقات البلدين في الأيام المقبلة.

وكانت دولة جنوب السودان قد بدأت خطوات فعلية نحو تنفيذ اتفاقية السلام التي وقّعها الفرقاء الجنوبيون في أغسطس/آب 2015، لإنهاء الحرب المستعرة في الدولة الوليدة لنحو عامين. واعتذر الرئيس الجنوبي، سلفاكير ميارديت للشعب عن الحرب التي أدّت إلى مقتل عشرات الآلاف فضلاً عن تشريد نحو 2.5 مليون شخص، تاركاً الباب مفتوحاً أمام استمرار القتال، بالتأكيد على وجود مسلحين، حين قال إنه "سيقاتل الجرذان".

وتوافقت الأطراف الجنوبية (الحكومة في جوبا، والمعارضة المسلحة بقيادة رياك مشار، ومجموعة المعتقلين العشرة بزعامة الأمين العام للحركة الشعبية المُقال باغان أموم) على الحكومة الانتقالية تحت الضغط الدولي والتهديدات بإحالة الملف الجنوبي، في حال عدم التوافق بحلول 14 يناير/كانون الثاني الحالي، إلى مجلس الأمن، فضلاً عن التلويح بخطر الوصاية الدولية مجدداً. ووفق جداول التنفيذ التي تم تعديلها لثلاث مرات متتالية بسبب فشل الفرقاء التقيّد بها، من المفترض أن تعلن الحكومة الانتقالية وتستلم مهامها غداً في 22 يناير/كانون الثاني الحالي. كما كان من المقرر أن يصل زعيم المعارضة المسلحة، رياك مشار، إلى جوبا بين 18 و19 من الشهر ذاته، بالتزامن مع وصول قواته التي تحرّكت نحو عاصمة جنوب السودان، وفقاً للاتفاقية.

وبحسب اتفاق تقسيم الحقائب الوزارية التي تحاشى فيها النظام القرعة التي اقترحتها الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد"، لتجنّب الخلافات، وُضعت قائمة بأسماء الوزارات، وعددهم ثلاثون، وبدأ كل طرف في اختيار وزارة واحدة، ثم يعود وينتقي مرة أخرى إلى أن فرغت القائمة. وكان نصيب الحكومة في جوبا 16 وزارة، أهمها: الدفاع، والمالية، والإعلام، والشباب والرياضة. بينما حصلت المعارضة المسلحة على عشرة وزارات، منها: النفط، والداخلية، والخدمة المدنية، والتعليم العالي. أمّا مجموعة المعتقلين حصدت وزارتَين، أهمها، الخارجية. وأخذت الأحزاب الجنوبية الأخرى وزارتَين، أهمها مجلس الوزراء.

لكن يبقى إعلان الحكومة يبقى مرتبطاً بمدى القدرة على تجاوز الخلافات حول قضية تقسيم الولايات، فصلاً عن أسماء الوزراء، لا سيما أن المعارضة لم تحدد أسماء ممثليها بعد من الوزراء، إذ من المقرر أن يختارهم مشار ويعرضهم على المكتب السياسي لحزبه قبل الإعلان النهائي عنهم.

ووصف المسلحون قرار ميارديت  بتقسيم الجنوب إلى 28 ولاية بدلاً من 10 بـ"إعلان حرب"، وهو خلاف تحمّلت "ايغاد" مسؤوليته، وخصوصاً أنّ الأطراف حتى الآن لم يصلوا إلى تلك النقطة، وإنْ شرعا فعلياً في مناقشة الدستور الانتقالي.

ويقول القيادي في المعارضة المسلّحة، يوهانس موسى، لـ"العربي الجديد"، إنّه "حتى الآن، لم نصل في نقاشنا للدستور إلى بند تقسيم الولايات. كما أننا رفعنا شكوى لإيغاد، وطلبت الأخيرة أن يُترك لها الأمر لتحلّه بنفسها"، مؤكداً أنهم سيواصلون رفضهم، في حال تمسكت جوبا بالتقسيم الجديد.
كذلك يرى مراقبون أنّ هناك عوامل كثيرة تهدّد الاتفاق الجنوبي ـ الجنوبي، أهمها، الجارة السودانية التي تعتقد أن استقرار جوبا بشكل كامل بمثابة "شريان حياة للحركات المسلحة التي تقاتل ضدها في الخرطوم". كما شكّلت جوبا للحركات، بعد الانفصال، ملاذاً آمناً وخطوط إمداد نجحت من خلالها المعارضة، في أوقات سابقة، من احتلال مواقع سودانية استراتيجية. كما صمدت الحركات المسلحة أمام الضربات العسكرية للخرطوم.

وتحتضن الخرطوم حالياً في أحد أحيائها الراقية، أحد معارضي الجنوب المسلحين، بيتر قديت الذي توافق في وقت سابق مع مشار، وقادا معاً الحرب الجنوبية قبل أن ينفصلا أخيراً بعدما قرّر الأخير توقيع اتفاق سلام مع الجنوب، معلناً الحرب على الطرفَين وقاد معاركه من الخرطوم. ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن الخرطوم فتحت أبوابها أمام مشار الذي ظلّ يدير عمله السياسي من الخرطوم، ودخلها أكثر من مرة بشكل سريّ.

ويوضح مصدر من سفارة جنوب السودان في الخرطوم لـ"العربي الجديد"، أنّهم على علم كامل بتحركات الخرطوم في الملف الجنوبي، ولديهم معلومات كافية في ما يتصل باحتضانها للمعارضة المسلحة وأماكن وجودهم، وبتواريخ دخولهم وخروجهم. ويؤكد المصدر ذاته، أنّهم سبق أن واجهوا الخرطوم بهذه المعلومات عندما حاولت اتهامهم باحتضان الحركات المسلحة.

اقرأ أيضاً سلام جنوب السودان بخطر: تقسيم الولايات والوزارات أبرز العقبات

وظلّت جوبا منذ بداية الحرب تتهم الخرطوم بدعم مشار. بدورها، اتهمت الخرطوم جوبا بدعم الحركات المتمردة ضدها، وتبنّي "الحركة الشعبية" (قطاع الشمال)، بشكل أكبر، باعتبار أنها كانت جزءاً منها، قبل انفصال الجنوب عام 2011. ويتبادل الطرفان الاتهامات بمحاولة إسقاط نظام بعضهما البعض، باعتبار أنّ كل طرف يرى استقرار حكمه في إزاحة الآخر وإحلال حليف مكانه.

وللخرطوم تجارب في هذا الاتجاه، إذ سبق وساهمت في تغيير حكومات الدول المجاورة، مثل تشاد، وإثيوبيا، وإرتيريا. كما قامت بدور كبير في دعم الثورة الليبية عام 2011، لإسقاط العقيد الراحل معمّر القذافي. وحاولت الخرطوم، مجدداً، تغيير نظام الرئيس التشادي، إدريس دبي الذي ساعدت في وصوله للسلطة في تشاد، عبر تبنّي المعارضين ضدّه. وفشلت الخرطوم أربع مرات من استلام الحكم على الرغم من وصولها إلى عمق العاصمة نجامينا. ثم انتهجت، أخيراً، أسلوب المصالحة مع الرجل الذي قام حالياً بدور أساسي في التسوية السلمية لقضية دارفور، بعدما طرد الحركات الدارفورية من أرضه، بعد اتفاقه مع الخرطوم. ولا تزال الخرطوم تنفي تلك الاتهامات بشدة، وإنْ اعترفت على لسان الرئيس السوداني، عمر البشير بالدور الذي قامت به في ليبيا، للمساعدة في الإطاحة بالقذافي الذي كان بمثابة عدو لها.

في هذا السياق، يرى المحلل السياسي، دينق مدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "لدى الخرطوم استراتيجية خاطئة تشير إلى أن استقرار الجنوب يشكّل خطراً عليها، ما يجعلها تعمد إلى إشغال الجنوب بنفسه". ويؤكد، أنّ هذا المعتقد، يفسر احتفاظ الخرطوم بأوراق ضغط ضد جوبا، مثل بيتر قديت، أو من خلال فتح جبهات قتالية في الجنوب، نظراً للعداء التاريخي بين الطرفَين الذي فشلت فترة الشراكة التي أعقبت توقيع اتفاقية السلام الشامل، في التخفيف من حدته وبناء الثقة بينهما، وكان الانفصال أحد نتائجه. 

ويشير دينق إلى أنّ "الخرطوم في الوقت الحالي، لن تترك الجنوب في حاله إلّا إذا حدثت تغييرات فعلية في التسوية السياسية مع الحركات المسلحة، حينها يمكن إعلان هدنة". ويذكّر المحلل السياسي، بتهليل الخرطوم بعد قرار الرئيس سلفاكير في يوليو/تموز 2013، الذي أزاح قيادات الحركة التاريخية بمن فيهم مشار، عن الحكومة والحركة. وهو ما مثّل شرارة للحرب الجنوبية التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، والتي يرجح كثيرون أن للخرطوم دوراً فيها.

ويعتبر مطلعون سودانيون أنّ "في استقرار الجنوب فائدة للخرطوم التي تستنفر عدداً من قواتها حالياً لحراسة الحدود المشتركة والتي عمدت أساساً إلى إغلاقها، ما أفقدها سبعة مليارات دولار من حجم التجارة التي يمكن أن تتم بين الدولتَين، باعتبار أنّ جوبا تمثّل سوقاً كبيراً للخرطوم، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية السودانية.

من جانبه، يقول المحلل السياسي، عبدالمنعم أبو إدريس، لـ"العربي الجديد"، إنّ المنطق يؤكد أن في استقرار الجنوب عائداً إيجابياً للسودان، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، نظراً إلى عودة انتاج النفط إلى معدله الطبيعي (350 ألف برميل في اليوم بدلاً عن 170) حالياً. وهو ما يزيد من نسب العبور التي يتلقاها السودان مقابل تصدير النفط الجنوبي، فضلاً عن السيطرة على الحدود. ويضيف أبو إدريس، أنّ كل ذلك "يعتمد على مدى حرص الدولتَين على استقرار بعضهما بعضا، وعدم البحث عن مجموعات مسلحة في كلتَا الدولتَين لدعمها. في إشارة إلى الاتهامات المتبادلة بين الدولتَين بدعم المعارضة المسلحة.

اقرأ أيضاً: اتهامات لطرفي النزاع في جنوب السودان بارتكاب جرائم حرب

المساهمون