هل تكرّر روسيا السيناريو الأوكراني في سورية؟

هل تكرّر روسيا السيناريو الأوكراني في سورية؟

19 سبتمبر 2015
من مناورات الجيش الروسي (فاسيلي ماكسيموف/فرانس برس)
+ الخط -
تزامنت الهدنة التي بدأت مطلع الشهر الحالي في منطقة "دونباس" (دونيتسك ولوغانسك) في الشرق الأوكراني، مع تفعيل الدور الروسي الميداني في سورية. وعمدت موسكو في الأيام الأخيرة، إلى تأكيد دعمها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بحجة أن "الجيش السوري هو القوة الوحيدة القادرة على مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، وفقاً لما أعلنه وزير خارجية الكرملين سيرغي لافروف. حتى إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جدّد تأكيده على "استمرار موسكو في تقديم الدعم العسكري التقني للحكومة السورية"، داعياً الدول الأخرى إلى "الانضمام لجهودها". وأعلن في هذا الصدد المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، أمس الجمعة، رداً على سؤال حول احتمال موافقة روسيا على مشاركة قوة من الجيش الروسي في سورية: "إذا تسلمنا نداء بهذا الشأن، فسندرسه طبعاً، وسنناقشه في إطار اتصالاتنا وحوارنا الثنائي. أما الآن، فمن الصعب الحديث عن هذا الموضوع".

وبموازاة الاندفاعة الروسية في الشأن السوري، واصل الغرب توجيه اتهاماته إلى موسكو بـ"التدخّل في النزاع المسلّح وزيادة حضورها العسكري على الأراضي السورية". ولم يبقَ الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو بمنأى عن الأزمة السورية، إذ سارع إلى تحميل روسيا مسؤولية تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا. وتحدث بوروشينكو عن "وصول الرجال الخضر بالمئات إلى سورية". في تشبيه لعملية "ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا" في مارس/آذار 2014.

لكن روسيا لن تتراجع حسبما يرجّح رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية" فيودور لوكيانوف. ويقول لوكيانوف لـ"العربي الجديد"، إنه "من المحتمل زيادة الدور الروسي في دعم نظام الأسد على الأرض، ولكن من دون إرسال عدد كبير من القوات". ويضيف "أدركت روسيا أن الوضع في سورية بات حرجاً، ويجب زيادة الدعم لمنع سقوط النظام حتى لا يسيطر داعش على دمشق. وهو أمر لا يتمناه أحد". ويضيف: "بعد الذي جرى في ليبيا، لم يعد الاهتمام بالعلاقات الحسنة مع الغرب من أولويات روسيا".

من جهته، يتوقع رئيس "المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر"، محمود الحمزة، أن "تستمر روسيا في دعم الأسد، إذ إن موسكو تعتبره رئيساً شرعياً بموجب القانون الدولي، حتى لو كان يسيطر على 18 في المائة فقط من أراضي البلاد. وقد تقوم بنقله إلى اللاذقية في حال سقوط دمشق".

ويقول الحمزة لـ"العربي الجديد"، إن "تحرّك الروس بهذه العجالة يدل على أنهم يتوقعون سقوط الأسد"، معتبراً أن "الحضور الروسي سيكون محدوداً وسيقتصر على حماية منطقة الساحل السوري". ويلفت إلى أن "القوات الروسية قد تشارك بشكل مباشر في المعارك، لحماية المنطقة، من دون انتشارها في العمق السوري تفادياً لخسائر فادحة في الأرواح".

ويعتقد الحمزة أن "التحرّك الروسي في سورية منسق مع إيران، التي تلتزم الهدوء حالياً، سواء على مستوى التصريحات أو على الأرض، لحين مصادقة الكونغرس الأميركي على الاتفاق النووي الإيراني". ويرى أن "الولايات المتحدة هي التي دفعت روسيا لهذا التحرك، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لتكرار تجربة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان".

اقرأ أيضاً: قلق واشنطن من موسكو في سورية... أقرب إلى الحيرة

ورغم أن موسكو نفت مرارا مشاركة القوات الروسية في القتال في سورية (وأوكرانيا أيضاً)، إلا أن موقعاً إلكترونياً نشر قبل أيام صوراً، ذكر أن "الجنود الروس التقطوها في سورية وقاموا بمشاركتها عبر شبكة فكونتاكتي الروسية للتواصل الاجتماعي".

إلا أن الخبير العسكري الروسي ميخائيل ريابوف، قلل من أهمية هذه الصور، معتبراً أنها "ليست دليلاً على مشاركة القوات الروسية في أعمال القتال في سورية". ويقول ريابوف لـ"العربي الجديد"، إن "روسيا تزوّد سورية بالمعدات العسكرية وفقاً للعقود المبرمة، وهؤلاء العسكريون وصلوا إلى الأراضي السورية لتدريب العسكريين السوريين على استخدامها، وهو أمر لا يتعارض مع القانون الدولي".

وتسببت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، وتراجع أسعار النفط، في أسوأ أزمة اقتصادية تمرّ بها البلاد منذ عام 1998، أدت إلى انهيار قيمة العملة الروسية الروبل، وتراجع الدخل الفردي للمواطنين الروس.

ووسط هذه الأزمة وازدياد فضائح الفساد في روسيا، تراجعت نسبة تأييد بوتين خلال أشهر الصيف الماضي من 89 في المائة إلى 83 في المائة، وفقاً لاستطلاع للرأي أجراه مركز "ليفادا". ورغم هذا التراجع، تعتبر هذه النسبة عالية جداً في الظروف الاقتصادية الراهنة. وتعود شعبية بوتين إلى النقاط السياسية التي اكتسبها، نتيجة لما يصوره الإعلام الروسي الخاضع لسيطرة الدولة، كوقوف بوتين في وجه المؤامرات التي تقودها واشنطن حول العالم، خصوصاً أوكرانيا والعالم العربي.

إلا أن الناشط اليساري إيغور ياسين، يرى أن "شعبية بوتين التي ارتفعت إلى أعلى المستويات بعد ضمّ القرم، هي في الواقع هشّة وقد تتراجع بسرعة، نظراً لسوء الأوضاع الاقتصادية". ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الوعي السياسي لدى الناس ضعيف، وهم لا يؤمنون بأنه باستطاعتهم تغيير الأمور". ويتابع أنهم "يخشون من سير الأمور نحو الأسوأ، فالقنوات التلفزيونية تبث بشكل يومي تقارير حول الحروب والدمار في كل مكان واقتراب المهاجرين من غزو أوروبا".

وبذلك، يبدو أن التصعيد بين روسيا والغرب على الجبهتين الأوكرانية والسورية سيستمر، خلال الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي بدأت أعمالها في نيويورك، وسيتحدث بوتين في كلمته عن سورية وأوكرانيا، وفق ما أفاد به لافروف.

اقرأ أيضاً: العرب وروسيا.. الاستثمار المضيّع

المساهمون