أوباما يطمئن حلفاءه تجاه النووي لإجهاض أي تحرّك داخلي

أوباما يطمئن حلفاءه تجاه النووي لإجهاض أي تحرّك داخلي

07 اغسطس 2015
أوباما هاجم المتشددين الجمهوريين مشبّهاً إياهم بملالي إيران (Getty)
+ الخط -

شكّل خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، محاولة منه لطمأنة حلفاء الولايات المتحدة الأميركية، ولا سيما إسرائيل، تجاه الاتفاق النووي مع إيران، والتأكيد أن الاتفاق يتعلق حصراً بمشروع طهران النووي، إضافة إلى محاولته الدفاع عن الاتفاق داخلياً لمنع مساعي الجمهوريين إسقاطه في الكونغرس.

وأعلن أوباما في خطابه عن خطة من المقرر أن تمتد على مدى السنوات العشر المقبلة، لتقديم المزيد من المساعدات الأمنية والعسكرية لإسرائيل، مشيراً إلى أن مباحثات أميركية إسرائيلية قد بدأت بالفعل لإقرار تفاصيل الخطة. وتكشف مدة الخطة التي تكاد توازي المدة المنصوص عليها في بعض بنود الاتفاق النووي مع إيران، أنها تأتي في إطار العروض السخية لإسرائيل من إدارة أوباما بغرض استمالة بعض أنصارها في الكونغرس الأميركي أو إغرائهم لعدم إجهاض الاتفاق النووي.

وفي موازاة ذلك، حاول أوباما في خطابه تطمين حلفاء الولايات المتحدة في دول مجلس التعاون الخليجي، بتذكيرهم أن إجمالي الموازنات الدفاعية لبلدانهم تزيد ثماني مرات عن الموازنة العسكرية الإيرانية. وإضافة إلى ذلك، قدّم أوباما تعهّداً لفظياً للعرب بأن بلاده سوف تستمر في مقاومة النفوذ الإيراني في لبنان وسورية واليمن وأي بلدان عربية أخرى، نافياً وجود أي سيناريو يمكن أن يؤدي فيه رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران إلى تحويلها إلى قوة إقليمية مهيمنة، مذكّراً العرب أن النظام الإيراني قمعي وسيظل يُشكّل خطراً على غيره، ويتعرض لعقوبات ناجمة عن دعمه للإرهاب وانتهاكه لحقوق الإنسان، كما ستظل مشكلته مع الولايات المتحدة قائمة ما دام مستمراً في احتجاز أميركيين بصورة غير عادلة.

واتجهت بعض التحليلات لمضامين الخطاب إلى القول إن أوباما أراد التأكيد على أن الاتفاق مع إيران يتعلق حصراً بمشروعها النووي ولا يعني التفاهم معها على كافة القضايا. واستدل المحللون إلى ذلك بما ورد في الخطاب من مقارنة بين الاتفاق مع إيران، والاتفاقات مع الاتحاد السوفييتي السابق، بما معناه أن حالة العداء بين الطرفين ستظل قائمة مثلما كان الحال مع الاتحاد السوفييتي عقب المعاهدات التي وقّعها مع الولايات المتحدة، ولم تنهِ العداء بين أيديولوجيتين متناقضتين، إلا بعد أن زال النظام السوفييتي ذاته، وربما أن هذا هو ما يرجوه أوباما للنظام الديني الحالي في إيران.

وجدد أوباما تعهّده السابق بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي مهما كان الثمن، ولكن بلهجة أكثر قوة لوّح فيها بالخيار العسكري الذي قال إنه سيظل قائماً إن لم تفِ إيران بمتطلبات الاتفاق.

واعتبر الرئيس الأميركي الاتفاق النووي مع إيران أقوى اتفاق على مدى التاريخ حتى الآن يتعلق بمنع دولة من التسلّح النووي، محذراً الكونغرس من الإقدام على تقويض المكاسب المترتبة على الاتفاق، ومعرباً عن تصميمه على عدم التنازل عن صلاحياته الدستورية لإرضاء أي طرف أو إجهاض ما يعتبره في صالح بلاده.

ويجمع معظم المحللين السياسيين الأميركيين على صعوبة حصول المناوئين للاتفاق النووي على نسبة الثلثين من أصوات أعضاء الكونغرس الأميركي، وهي النسبة اللازمة لتجاوز الإرادة الرئاسية. ومع ذلك لا يزال أوباما يواصل حملته الدفاعية عن الاتفاق بغرض تفادي اللجوء، على ما يبدو، إلى استعمال الفيتو الرئاسي ضد أي تشريع قد يصدره الكونغرس يتضمن إبطالاً للاتفاق. وقد يكون دافع أوباما الحقيقي من مرافعاته المستمرة هو الخوف من أن ينجح الجمهوريون في اللحظات الأخيرة في استقطاب نسبة من أصوات الديمقراطيين في الكونغرس تكفي لتمكينهم من إصدار تشريع يقضي بإفراغ الاتفاق من مضمونه.

ولهذا فقد كرّس الرئيس الأميركي خطابه المطوّل، أمس الأول، لتفنيد حجج المناوئين المحليين للاتفاق، وتطمين الحلفاء الخارجيين المتوجسين من النتائج السلبية المحتملة التي قد تنجم عنه. وكان لافتاً أن أوباما كرر ذكر إسرائيل في خطابه 24 مرة، في حين تطرّق بضع مرات لمخاطبة مخاوف من سمّاهم بشركائه في دول مجلس التعاون الخليجي. وناقض الرئيس الأميركي نفسه في خطابه عندما أشار إلى أن إيران ليس لها سوى حليف واحد في العالم العربي هو الرئيس السوري بشار الأسد، ثم تطرّق إلى دعم إيران لحلفاء لها يقاتلون نيابة عنها (بالوكالة) في لبنان والعراق واليمن.

اقرأ أيضاً: أوباما: أرصدة إيران غير المجمّدة ستستخدم لتمويل الإرهاب

أما تطمينات أوباما لدول الخليج، فأكدت أن "موازنة إيران الدفاعية أقل ثماني مرات من إجمالي الموازنات الدفاعية لحلفائنا في الخليج، ولن يؤدي رفع الحصار عن إيران إلى خلق أي سيناريو يمكن أن يجعل منها قوة إقليمية مسيطرة، ولا صحة للمزاعم القائلة بأن إيران سوف تهيمن على الشرق الأوسط، فسوف تستمر كما هي عليه الآن كقوة إقليمية تواجه جملة من التحديات".

كما لفت الرئيس الأميركي إلى أن "محاولات إيران لزعزعة استقرار شركائنا في الخليج بدأت قبل الحصار واستمرت أثناء الحصار ولن تكون نتاجاً لرفع الحصار، فقد كان لدى إيران المقدرة على إيجاد مصادر تمويل لمثل تلك الجهود"، مشيراً إلى أن "إيران أنفقت في السنوات الأخيرة مليارات الدولارات لدعم حليفها الوحيد في العالم العربي بشار الأسد على الرغم من خسارته لأجزاء واسعة من أراضي دولته، وعانى حزب الله من خسائر جسيمة في أرض المعركة ذاتها، ولكن إيران مع ذلك أصبحت مجبرة حالياً على مجابهة خطر داعش في العراق أيضاً".

وشدد على أنه "بحال كنا جادين في مواجهة الخطر الإيراني فلا يجب أن يتم ذلك بإفشال الاتفاق بل بتدريب القوات الخاصة التابعة لحلفائنا من أجل الرد السريع والفاعل على أي أوضاع مماثلة للوضع في اليمن".

أوباما ومصير كينيدي

أثار إيحاء أوباما في خطابه أن سياساته قائمة على المبادئ نفسها التي سار عليها الرئيسان الديمقراطي جون كينيدي والجمهوري رونالد ريغان، مخاوف المتشائمين من أن يلقى أوباما مصيريهما بسبب مواجهته لمراكز قوى ذات مصالح خطرة. ومعروف أن كينيدي اغتيل عام 1963، بطلقة قناص مجهول اخترقت رأسه قبل أن يكمل فترة رئاسته الأولى، كما تعرض ريغان أثناء رئاسته لمحاولة اغتيال أصيب خلالها بطلق ناري لكنه نجا من الموت وأكمل فترتين كاملتين من عام 1980 حتى 1988.

وفي محاولة للاستفادة من الشعبية الكاسحة للرئيسين الراحلين، عمد أوباما إلى مقارنة نفسه بهما في إقدامهما على التفاوض مع الاتحاد السوفييتي لتقليل مخاطر انتشار الأسلحة النووية أثناء الحرب الباردة. ولتحقيق جزء من هذا الهدف اختار أوباما الجامعة الأميركية في واشنطن مكاناً لإلقاء كلمته، كونها المكان نفسه الذي أطلق كينيدي منه قبل 52 عاماً نداءً للسلام، في خطاب دعا فيه الاتحاد السوفييتي إلى محادثات لوقف التسلح النووي ومنع انتشاره. ويعتبر أوباما أن ريغان أنجز لاحقاً ما كان يطمح إليه كينيدي، مسبغاً المديح على ريغان، في محاولة من الرئيس الأميركي، على ما يبدو، لكسب ود الجمهوريين المعتدلين الذين يبجّلون ريغان ويعتبره بعضهم أعظم رؤساء أميركا، في النصف الثاني من القرن العشرين.

في المقابل، حاول أوباما تحصين الديمقراطيين في الكونغرس من التأثر بالتخويف من الاتفاق، بالإيحاء لهم أن التفاوض مع الخصوم هو نهج سار عليه كينيدي مثلما كان السلام مبدأ من مبادئه.

وهاجم أوباما كذلك المتشددين الجمهوريين مشبّهاً إياهم بملالي إيران، إذ قال إن أشد الفئات معارضة للاتفاق النووي هم المتشددون في إيران الذين يهتفون "الموت لأميركا"، ولهم مصلحة في بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، معتبراً "معارضة هؤلاء للاتفاق أوجدت لهم قضية ذات قواسم مشتركة مع قيادات الحزب الجمهوري".

اقرأ أيضاً: إسرائيل ترد على أوباما: الاتفاق النووي يقرب الحرب