القضاء العراقي أمام سيناريوهات محاكمة المسؤولين عن سقوط الموصل

القضاء العراقي أمام سيناريوهات محاكمة المسؤولين عن سقوط الموصل

18 اغسطس 2015
أمام القضاء 3 نهايات محتملة للقضية (فرانس برس)
+ الخط -
وضعت أوراق الإصلاح، والتي باشر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في تنفيذها، الجهاز القضائي على طاولة الاختبار مرة أخرى، بفعل الاتهامات السابقة لمجلس القضاء الأعلى حول "عدم حياديته" و"تسييسه" و"إصداره أحكاماً لصالح طرف دون آخر".

ومساء أمس الإثنين، أحال البرلمان العراقي، بعد جلسة له، تقرير "لجنة سقوط الموصل" إلى القضاء للبدء بالتحقيق مع المتهمين الواردة أسماؤهم في التقرير. وكان قبلها قد أحال 29 ملفاً مرتبطاً بالفساد إلى القضاء، تتعلق بشخصيات سياسية ودينية وحكومية بارزة، وتتجاوز قيمة تلك الملفات نحو 50 مليار دولار لها علاقة بصفقات تسليح، وصفقات أجهزة كشف متفجرات، وعقود تجارية، وإجازات استثمارات، وشراء محطات توليد كهرباء، وبناء مجمّعات سكنية، ومدارس، ومستشفيات، ورشاوى، وغسل أموال، وتهريبها أيضاً لكل من الأردن ولبنان. ويضع كل هذا القضاء أمام اختبار عسير لجهة إثباته استقلاليته ودحض اتهامات الفساد، التي طالما وجّهها إليه سياسيون عراقيون في السنوات الماضية.

ويُعتبر مجلس القضاء الأعلى، السلطة القضائية الأولى بالعراق، وهو مجلس مستقلّ غير مرتبط بوزارة العدل بل بالبرلمان العراقي، كباقي الهيئات المستقلة بالبلاد، كمفوضية الانتخابات وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية.

وكان المجلس قد تأسس بعد الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003، وعيّن الأميركيون القاضي مدحت المحمود رئيساً له، والمستمرّ لغاية اليوم في ممارسة مهامه. وتدور حول المحمود شبهة تتعلق بالفساد والانحياز لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، في أزمة الولاية الثانية له في عام 2010، على حساب غريمه التقليدي إياد علاوي، فضلاً عن إصدار المجلس المئات من أحكام الإعدام يتحفظ الرئيس العراقي الحالي فؤاد معصوم، كما تحفّظ سَلَفَه جلال الطالباني، على المصادقة عليها.

اقرأ أيضاً: إيران تحذّر من عواقب محاكمة المالكي و"الحشد" يتدخل

ويعتبر ملف سقوط الموصل المُحال إلى القضاء، الأبرز حالياً، بسبب خطورته وما نتج عنه من مجازر بحق العراقيين، وسيكون الملف محال اختبار للقضاء، لجهة ورود اسم المالكي فيه، وخصوصاً أنه صاحب التأثير الكبير في الجهاز القضائي في العراق.

وبعد ساعات من إحالة البرلمان أسماء المتهمين بالتسبب في سقوط الموصل إلى القضاء، أعلن رئيس البرلمان سليم الجبوري، في مؤتمر صحافي بالمنطقة الخضراء، أن "كل الأسماء الواردة بالتقرير سيتم التحقيق معها قضائياً، ولن يتم استثناء أي اسم، مهما كان منصبه أو مكانته".

وأوضح الجبوري، رداً على تهديد أعضاء كتلة "دولة القانون" بزعامة المالكي بـ "الانسحاب من البرلمان في حال لم يُرفع اسم المالكي من التقرير"، إن "الجميع سيُحقَّق معه من دون استثناء". ولفت إلى أن "البرلمان يدعم عملية الإصلاح التي لا تشمل إقصاء أي أحد"، مؤكداً أن "البرلمان ولجنة التحقيق لم يخضعا للضغوط السياسية، والتقرير بات بيد القضاء ليقول كلمته فيه، ولا سلطة أعلى من القضاء، وكلمته تسري على الجميع".

وتكمن صعوبة الملف بوجود أسماء بارزة أُدينت من خلال التقرير بتسهيل مهمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في إسقاط الموصل، بأشكال مختلفة كالإهمال والتخاذل وعصيان الأوامر والاستهتار بالموقف العسكري والإخفاق في أداء المهمة.

ووفقاً للمحلل السياسي، لقاء مكي، فإنه "بمجرد إدانة المالكي من قبل لجنة التحقيق، سيُقضى عليه سياسياً وتُلطّخ سمعته شعبياً، عند من تبقى من أنصاره، خصوصاً أن التهمة المباشرة له، تكمن في سياسته التي آلت إلى تدمير العراق بهذا الشكل الذي نحن عليه الآن". ويضيف مكي في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "اتهام المالكي بمسؤولية سقوط الموصل، أخطر من اتهامات الفساد المحتملة، ومهما كانت تطورات هذه القضية، فورود اسمه أنهاه سياسياً".

وأكد أن "سفر المالكي إلى إيران، كان أول ضربة لمصداقية العبادي وقدرته على الإصلاح، وهو سيحتاج لخطوات جادة كي يستعيد مصداقيته أمام الشارع في حال لم يعد المالكي إلى العراق". 
وكان المالكي قد غادر بغداد إلى طهران عشية الإعلان عن نتائج لجنة التحقيق بسقوط الموصل، مصطحباً معه عددا من مساعديه، والتحقت به عائلته عبر مطار النجف، من دون أن يتم اعتراضهم، رغم ورود اسم صهري المالكي ونجله بلائحة اتهامات بقضايا فساد أيضاً.

ويرى مراقبون أن "إيران تحاول إنقاذ المالكي رغم عدم نفعه لها بالمستقبل بسبب سقوطه سياسياً وشعبياً، إلا أنها لا تريد أن تبعث بإشارة إلى حلفائها الآخرين الفاعلين بالعراق، أو باقي الدول، بأنها ستتخلى عنهم، بل ستواصل دعمهم واحتضانهم عندها في إيران بعد احتراق ورقتهم".

ويقول عضو نقابة المحامين العراقيين، خليل أحمد الأعظمي، لـ "العربي الجديد"، إن "القضاء إما أن يحكم على الجميع أو ألا يحكم نهائياً، فوجود أسماء مثل نوري المالكي الشيعي، ومحافظ الموصل أثيل النجيفي السني، ورئيس أركان الجيش السابق، الضابط الكردي بابكر زيباري، بقائمة إدانة واحدة، يجعل القضاء أما حالة الحكم على الجميع، أو ألا يستثني أحدا من العقوبة، وإلا تأكدت التهم التي رافقت عمل القضاء العراقي من أنه فاسد ومسيس".

ويضيف "من غير المعقول العفو عن المالكي، وهو القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء، وإدانة النجيفي، ومن غير المعقول أيضاً العفو عن رئيس أركان الجيش وإدانة قائد الفوج الثالث بالموصل. إن التقرير محرج جداً، وقد يصلح أن يطلق عليه وصف: تقرير السلة الواحدة". ويرجّح الأعظمي أن "تطول القضية لأشهر، لكنها بالنهاية يجب أن تدين الجميع ولو بنسب وأحكام متفاوتة".

وعلمت "العربي الجديد" أن "من مجموع 35 مداناً ضمن تقرير لجنة سقوط الموصل، لا يوجد تحت سلطة القضاء سوى تسع شخصيات فقط، أما الآخرون فباتوا خارج العراق، أو في إقليم كردستان، أو في أماكن مجهولة لا يُمكن الوصول إليهم".

وزوّد مسؤول عراقي بالجهاز القضائي "العربي الجديد" بقائمة لأبرز الشخصيات المُدانة غير المتواجدة حالياً في العراق، وهم: المالكي في إيران، وزيباري في كردستان، ومدير الاستخبارات العسكرية السابق الفريق حاتم المكصوصي في إيران، وقائد الفرقة الثانية في الجيش العميد الركن عبد المحسن فلحي في إيران، وقائد شرطة نينوى السابق اللواء خالد سلطان العكيلي في كردستان، والنجيفي في كردستان، ونائب محافظ نينوى السابق حسن العلاف في تركيا، ومدير دائرة الوقف السني في الموصل أبو بكر كنعان في كردستان، ووكيل وزارة الداخلية السابق عدنان الأسدي في الدنمارك، ووزير الدفاع السابق سعدون الدليمي في الإمارات، ومدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة طارق النجم في بريطانيا، وقائد فرقة التدخل السريع في الموصل العميد حسين الموسوي في لبنان. فضلاً عن ضباط وشخصيات أخرى مجهولي الإقامة.

ووفقاً للمعطيات فإن القضاء العراقي، يجب أن يصدر حكماً بقضية الموصل وفقاً للمادة 30 من أصول المحاكمات الجزائية العراقية للعام 1969، سواء بتبرئة المتهمين أو إدانتهم من التهم المنسوبة ضدهم. وهو ما يعني وجود ثلاث نهايات أو احتمالات للقضية، التي قد تضع نهاية رموز كبيرة من عرابي احتلال العراق الذين تسلّموا الحكم فيه بعد ذلك.

النهاية الأولى قد تُفضي إلى إدانة القضاء المالكي والآخرين الموجودين باللائحة بأحكام متفاوتة، كل حسب موقع مسؤوليته ومدى تقصيره أو جرمه. أما النهاية الثانية فقد تؤدي إلى أن يعفو القضاء عن بعض المتهمين، وهو احتمال غير وارد إطلاقاً، بسبب استعار التظاهرات في العراق، مع ما يعنيه ذلك من احتمال سقوط القضاء العراقي معنوياً، ومن ثم مادياً، عبر إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى مجدداً. وبالنسبة إلى النهاية الثالثة، فمن المتوقع أن تتأخر جلسات التحقيق لأشهر قبل النطق بالحكم، على غرار محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وما رافقها من مماطلة ثم عفو مباشر.

اقرأ أيضاً العراق: مليشيات "الحشد" تمنع نازحي ديالى من التظاهر