السواحرة المقدسية... الموتى الفلسطينيون لا يسلمون من تضييق الاحتلال

السواحرة المقدسية... الموتى الفلسطينيون لا يسلمون من تضييق الاحتلال

19 يوليو 2015
الاحتلال يتحكّم في الدخول إلى السواحرة الغربية (الأناضول)
+ الخط -
تتعدّد أساليب تضييق الاحتلال على الفلسطينيين ولا تقف عند حدود، حتى وصلت لتطاول الموتى، فالفلسطينيون في مدينة القدس المحتلة إذا أرادوا إكرام موتاهم عليهم أولاً الحصول على إذن من سلطات الاحتلال، وثانياً تجرّع الكثير من المعاناة قبل توديع فقيدهم.

وفي قرية السواحرة الواقعة في الجنوب الشرقي لمدينة القدس المحتلة، ومع بدايات الانتفاضة الفلسطينية الثانية وبناء جدار الفصل العنصري، فصلت سلطات الاحتلال القرية إلى قريتين، الأولى السواحرة الغربية وبقيت داخل حدود بلدية القدس، والثانية السواحرة الشرقية التي عزلها الجدار وأبعدها عن المدينة، الأمر الذي حرم الأهالي من التواصل مع بعضهم البعض.

وللسواحرة مقبرة وحيدة، تقع في الناحية الغربية من جهة مدينة القدس، ويصعب على أهالي السواحرة الشرقية (خارج الجدار) الذين يحملون هوية السلطة الفلسطينية، الوصول إليها إلا بتصريح دخول من سلطات الاحتلال، وبشروط صارمة ومعقّدة تحتاج إلى الكثير من الإجراءات التي تثقل كاهل عائلة "المتوفي" وتزيدهم أعباء كثيرة.

هذه المعاناة تُلخّصها جنازة لمسنّة فلسطينية كانت "العربي الجديد" شاهدة عليها، يوم الخميس الماضي، ففي منزل عائلة الفقيدة، الجميع مشغولون فلا وقت لديهم للحزن أو البكاء، إذ لديهم مهمة صعبة ومعقّدة عليهم القيام بها حتى يتمكنوا من عملية الدفن، وهي التنسيق مع سلطات الاحتلال من أجل السماح لهم بالوصول إلى المقبرة الإسلامية في السواحرة الغربية.

وفي المكان الهواتف النقالة كلها مشغولة، فأهالي الفقيدة وأقاربها من القريتين الغربية والشرقية يتواصلون مع بعضهم البعض من أجل تسيير الجنازة، والتي تحتاج أولاً إلى تصريح الدخول، وثانياً إلى التواصل مع الأقارب هناك لحفر القبر، وآخرين من أجل إذاعة خبر الوفاة عبر مكبرات الصوت في المساجد، داخل وخارج الجدار، وثالثاً تجهيز حافلات لنقل أفراد العائلة باتجاه المقبرة.

اقرأ أيضاً: الأسرى في مرمى الانتقام الإسرائيلي: مشاريع قوانين فاشية تستهدفهم

سلطات الاحتلال سمحت بعد التنسيق الذي يجري بين المجلس القروي والارتباط العسكري، بدخول الجنازة، لكنها رفضت السماح لسيارة الإسعاف التي تحمل لوحة إسرائيلية باجتياز الحاجز، الأمر الذي دفع أهالي الفقيدة إلى وضع جثمانها داخل سيارة تُستخدم لنقل الأثاث، والسير فيها تحت أشعة الشمس من أجل الوصول إلى حاجز "الشياح"، تلك النقطة العسكرية التي تفصل القريتين قبل الوصول إلى المقبرة.

وانتظر بضع عشرات من أقارب الفقيدة لقرابة نصف ساعة عند بوابات الحاجز، فبقية أبناء القرية لا يشاركون في التشييع لأنه من المتعارف عليه أن سلطات الاحتلال لا تسمح إلا لأفراد العائلة بمرافقة الجثمان، وبعدها حضر ضابط اسرائيلي كبير، وبدأ بإحصاء المشاركين في التشييع.

ويوضح نائب رئيس المجلس القروي في السواحرة الشرقية يونس جعفر لـ"العربي الجديد" أن أي "جنازة تحتاج إلى التنسيق مع الارتباط الإسرائيلي والشرطة، حيث يُسمح فقط بمشاركة نحو 50 من أفراد العائلة على أن يكونوا أقارب من الدرجة الأولى".

ويشير إلى أن عملية الدخول إلى الجهة الغربية تخضع لمزاج جنود الاحتلال، وبمواعيد هم يحددونها ويجبرون أهالي الميت على الالتزام بها، ويقومون بتفتيش المشاركين في عمليات التشييع وفحص هوياتهم والتدقيق، لافتاً إلى أن الجنازة بحاجة إلى سيارة متواجدة في الشق الغربي، كون الاحتلال لا يسمح بمرور المركبة التي تحمل الميت وذويه، ويمنع مرور سيارة الجنازة التي تحمل اللوحة الفلسطينية إلا في حالة واحدة فقط، وهي أن يتم التنسيق من أجل السماح بدخول سيارة إسعاف إسرائيلية تخضع لتفتيش دقيق، وربما يصل الأمر إلى فتح الكفن عن وجه الميت للتأكد من وفاته.

ويرفض أهالي السواحرة الشرقية الاستغناء عن مقبرتهم في القدس المحتلة داخل حدود الجدار باعتباره موقفاً سياسياً ووطنياً فلسطينياً، ويقول جعفر في هذا السياق: "لن يتخلّى أهالي البلدة عن مقبرتهم بأي شكل من الأشكال، فهي مقبرة الآباء والأجداد والشهداء".

اقرأ أيضاً: فلسطين تعلن بدءَ توثيق أضرار جدار الفصل العنصري