تعقيدات الحدود السورية ــ التركية تمنع فرض المنطقة العازلة

تعقيدات الحدود السورية ــ التركية تمنع فرض المنطقة العازلة

12 يوليو 2015
تسيطر القوات الكردية على 400 كيلومتر من الحدود(فرانس برس)
+ الخط -
تدرس تركيا خطواتها بحذر تجاه الوضع الدقيق على حدودها مع سورية. وبينما تعلن أنّها بصدد إنشاء منطقة عازلة، تعود لتتحدّث عن احتمال تدخل عسكري في سورية. لكن يبدو أنّ الاحتمال الأول في فرض منطقة عازلة مستبعد، في ظلّ تداخل مناطق سيطرة الأطراف المتنازعة في سورية على المناطق المقابلة للحدود المشتركة مع تركيا، فضلاً عن تعقّد التركيبة الديمغرافية. كما أنّ ازدياد عمليات النزوح سيزيد من صعوبة تدخل تركيا المباشر في سورية لفرض منطقة عازلة في ريف حلب.

تسيطر قوات "حماية الشعب الكردية" على منطقة عين العرب السورية وعلى الجانب السوري من الحدود المشتركة مع تركيا بطول يبلغ نحو 45 كيلومتراً في منطقة عين العرب وحدها. في المقابل، يسيطر "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) على مناطق جرابلس والباب ومنبج وأخترين وأريافها في ريف حلب الشرقي، وعلى الجانب السوري من الحدود المشتركة مع تركيا بطول يبلغ نحو 75 كيلومتراً.
من جهتها، تستحوذ قوات المعارضة السورية المسلّحة على منطقة أعزاز وريفها في ريف حلب الشمالي وعلى الجانب السوري من الحدود المشتركة مع تركيا بطول يبلغ نحو 35 كيلومتراً.

وما يزيد من صعوبة تدخل تركيا في ريف حلب لفرض منطقة عازلة، في حال وصل عمق المنطقة العازلة المفترضة إلى 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، أنّ القوات التركية ستكون مضطرة للتصادم مع قوات النظام السوري التي تسيطر على بلدتي نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي. كما أن القوات التركية قد تصطدم مع قوات تنظيم القاعدة في بلد الشام أي جبهة النصرة التي تملك مقرات في ريف حلب الشمالي قرب الحدود السورية التركية.

كذلك، فإنّ الجانب السوري من الحدود المشتركة بين البلدين في ريف اللاذقية، يخضع لسيطرة قوات النظام وقوات المعارضة بالمناصفة تقريباً. تسيطر قوات النظام على نحو 25 كيلومتراً من الحدود، تمتد من البحر الأبيض المتوسط حتى المناطق الحدودية القريبة من غابات الفرنلق، فيما تسيطر قوات المعارضة على 30 كيلومتراً من الحدود في محافظة اللاذقية وعلى نحو 80 كيلومتراً، تشكل كامل الحدود السورية التركية في محافظة إدلب، بما يشمل معبر باب الهوى ومعبر أطمة بين سورية وتركيا.

اقرأ أيضاً ما بعد إدلب: المنطقة العازلة واحتواء "النصرة" أو شقّها

ويستبعد أيضاً قيام تركيا بالتدخل لفرض منطقة عازلة على الجانب السوري من الحدود المشتركة في محافظتي إدلب واللاذقية، بسبب وجود قوات النظام على الجانب السوري من الحدود في محافظة اللاذقية، وبسبب وجود منظمات تابعة لـ"القاعدة" بشكل مكثّف. أمّا شرق سورية، فتسيطر قوات "حماية الشعب الكردية" على 400 كيلومتر على الحدود المشتركة، تمتد من نهر دجلة على الحدود السورية العراقية شرقاً حتى نهر الفرات الذي يفصل بين منطقتي عين العرب وجرابلس في ريف حلب الشرقي.

وتعتبر المنطقة الحدودية التي تسيطر عليها القوات الكردية من الأغنى على الإطلاق بين المناطق الحدودية السورية التركية، إذ توجد فيها حقول الرميلان والسويدية النفطية التي تقع في أقصى شمال شرق الحسكة قرب الحدود التركية. وكانت هذه الحقول البالغ عددها نحو 1322 حقلاً، قد حازت على لقب "درة الحقول السورية" بسبب إنتاجها اليومي الغزير الذي بلغ نحو 112 ألف برميل يومياً من النفط عام 2010. وتشغل قوات "حماية الشعب الكردية"حالياً هذه الآبار، وتستخرج النفط منها بطاقة إنتاجية تصل إلى 70 في المائة من كامل قدرتها.

يزيد الغنى الزراعي للمناطق السورية الحدودية من أهميتها الاستراتيجية، إذ يقطع المنطقة الحدودية بين سورية وتركيا سبعة أنهر رئيسية تغذي المناطق الزراعية الحدودية، وهي: نهر العاصي وعفرين وحلب (قويق) والفرات والبليخ والخابور ودجلة، بالإضافة إلى عدد من الروافد والمجاري المائية غير الدائمة.
وما يزيد من احتمال عدم تدخل تركيا في هذه المناطق أيضاً التنسيق الكبير بين قوات "حماية الشعب الكردية" وبين التحالف الدولي لمحاربة "داعش". والأخير قدّم سنداً جوياً كاملاً للقوات الكردية التي تمكنّت من التمدد بشكل كبير شرق سورية على حساب "داعش".

كما أنّ التركيبة الديمغرافية في المناطق السورية المقابلة للحدود المشتركة مع تركيا ستزيد من صعوبة التدخل التركي، إذ تنتشر عشائر بني سبيع وبو عساف وجبور وشمر العربية في منطقة أعلى الجزيرة السورية، في مناطق رميلان والقحطانية وأريافها في ريف الحسكة الشمالي الشرقي. وتنتشر عشائر جبور وطيّ العربية في منطقة القامشلي حيث الوجود الكردي الكثيف. ويشكل الأكراد غالبية سكانية في مناطق الدرباسية وعامودا ورأس العين الحدودية في ريف الحسكة الشمالي، لتمتد القرى العربية والكردية والتركمانية بشكل متداخل في المنطقة الحدودية الممتدة من رأس العين وصولاً إلى مدينة تل أبيض، ذات الغالبية العربية الكبيرة، والتي نزح منها ما لا يقل عن 25 ألفاً من سكانها نحو الأراضي التركية منذ سيطرة القوات الكردية عليها، في يونيو/ حزيران الماضي، ولم يعد منهم سوى ثلاثة آلاف فقط لغاية اليوم، بحسب نشطاء محليين.

ويشكّل الأكراد غالبية سكانية مطلقة في منطقة عين العرب في ريف حلب الشرقي، إلّا أن هجوم "داعش" على المنطقة في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، دفع نحو 180 ألفاً منهم إلى النزوح نحو تركيا، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. وعاد نحو 61 ألفاً منهم فقط إلى عين العرب وريفها بعد سيطرة القوات الكردية على المنطقة، وذلك خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، بحسب إحصائيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

في المقابل، يشكل العرب غالبية مطلقة في مناطق ريف حلب الشرقي التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، وفي مناطق ريف حلب الشمالي التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية المسلّحة، مع وجود نحو 20 قرية وبلدة ذات غالبية كردية في هذه المناطق، بالإضافة إلى عدد من البلدات والقرى ذات الغالبية التركمانية. وهو الأمر الذي سيجعل موجات نزوح كبيرة في هذه المناطق أمراً متوقعاً، في ظلّ التغيرات الحاصلة في مناطق سيطرة الأطراف المتنازعة أو في حال تدخل تركيا المباشر في المنطقة. ويشكّل الأكراد الغالبية في منطقة عفرين الحدودية شمال غرب حلب. ويشكّل العرب غالبية ساحقة في المناطق الحدودية مع تركيا في محافظتي إدلب واللاذقية مع وجود أقلية من الأرمن في مدينة كسب التي يسيطر عليها النظام السوري قرب الحدود التركية في ريف اللاذقية الشمالي.

اقرأ أيضاً الخيار التركي في سورية: دعم عسكري دون تدخل مباشر