الصراع الرباعي يعرقل إجراء الانتخابات التشريعية المصرية

الصراع الرباعي يعرقل إجراء الانتخابات التشريعية المصرية

28 يونيو 2015
ينوي السيسي تحصين جبهته الداخلية قبل أي انتخابات (الأناضول)
+ الخط -
في ظلّ أزمة الحكم المصري وحالة التوتر السياسي والأمني والضغوط الخارجية والداخلية، بادر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى دعوة الأحزاب والقوى السياسية الداعمة لنظامه، للاتفاق على قائمة موحّدة لخوض انتخابات مجلس النواب المقبلة، من دون تحديد موعدها.

وظهر السيسي في إفطار نظّمته مؤسسة الرئاسة المصرية لعددٍ من الشخصيات العامة وممثلي الأقاليم، في فندق تابع للقوات المسلّحة، وتمنى أن "يكون في مصر برلمان، بعد افتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس، وقبل نهاية العام الجاري".

يبدو كلام السيسي للوهلة الأولى مكرراّ، فقد سبق له أن دعا القوى السياسية إلى سيناريو "القائمة الموحّدة" في السابق، وبدا في وقتٍ ما أن هذا السيناريو بات شرطاً أساسياً لإجراء الانتخابات، إلا أن عدم وجود شخصية سياسية "ثقيلة" في نظام السيسي يحول دون اتخاذ خطوة إيجابية لتشكيل مثل هذه القائمة. وساهم فشل رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري، والمرشح الرئاسي الأسبق عمرو موسى، في تأدية دور "الشخصية السياسية الثقيلة"، في تأخير السيسي خطوته، بعد ابتعادهما عن بورصة الترشيحات لمنصب رئاسة مجلس النواب المقبل.

إلا أن حديث السيسي قد يأخذ منحىً آخر، إذا وُضع إلى جانب مشاريع الحكومة "المحمومة" لضمان بقاء البرلمان بعد انتخابه، ومنع حلّه بحكم من المحكمة الدستورية. وذلك من خلال المشروع الجديد الذي وافق عليه مجلس الوزراء ومجلس الدولة، والذي يُحصّن البرلمان العتيد ضد أي حكم ببطلان قوانين انتخابه. وهو ما يُعتبر بادرة إيجابية من الدولة تجاه الأحزاب والقوى السياسية، التي صارحت السيسي خلال اجتماعها الأخير معه، بخشيتها من انتخاب مجلس النواب، ثم إصدار حكم بحلّه من المحكمة الدستورية، في ظلّ عدم إمكانية الوصول إلى قانون دستوري كامل، تحديداً فيما يتعلق بتقسيم الدوائر.

اقرأ أيضاً: تحصين البرلمان المصري مخالفة دستورية جديدة أمام المجلس المؤجَّل 

لذلك يبدو السيسي جاداً، للمرة الأولى منذ تولّيه الحكم، في تشكيل برلمان، وفقاً للإجراءات الحكومية في هذا الصدد، ولتصاريحه، لكن المشكلة الكبرى التي ما زالت تعوق الانتخابات، تكمن في عدم قدرته على تشكيل برلمان يضمن تبعيته لنظامه بصورة تامة. وهو ما يلزمه الحاجة إلى عدم إبطال المجلس المنتخب، مئات القوانين والقرارات ذات الصيغة التشريعية، التي أصدرها واتخذها أساساً لحكمه، وعلى رأسها القوانين الضريبية والأمنية والمشددة للعقوبات، بالإضافة إلى قوانين قد لا تحظى بتأييد برلمان معبّر عن المواطنين بصدق، مثل "قانون الوظيفة المدنية" الجديد.

ويتخذ هذا القانون منحى نيوليبيرالياً في التعامل مع الوظائف العامة وشاغليها، ويعرّضهم للإقالة والاستغناء وتخفيض الرواتب وعدم اتباع الأقدمية، على عكس الاتجاه التقليدي المحافظ، الذي اعتاد عليه المصريون منذ تأسيس الدولة الحديثة.

ولا بديل أمام السيسي الذي سيزور بريطانيا قبل نهاية العام، إلا العمل بجدّية في تشكيل البرلمان، لأغراض خارجية أيضاً، فبلدان مثل الولايات المتحدة وألمانيا أبدت تفهّمها لتأجيل الانتخابات التشريعية بسبب صدور حكم "الدستورية" ببطلان تقسيم الدوائر، إلا أنه لم يعد ممكنناً التذرّع بهذا الحكم أمام انتخاب سلطة تشريعية.

ولا بديل أمام السيسي أيضاً إلا محاولة تشكيل جبهة حزبية مساندة له، لتؤدي الدور التشريعي، الذي يطمح إليه من دون تعريض نظامه السياسي للاهتزاز، وذلك في ظلّ وجود أربع شخصيات رئيسية في المشهد السياسي المصري، يمكنها التحكّم بعددٍ كبير من المرشحين البرلمانيين مالياً وسياسياً، هم أحمد شفيق، وأحمد عز، ونجيب ساويرس، والسيد البدوي.

ينظر السيسي إلى الشخصيات الأربع بازدراء، فخلافاته مع شفيق معروفة، وهو لا يقبل عودته إلاّ وفقاً لشروطه التي لا يرضاها شفيق. أما أحمد عز، فيُمثل في نظر السيسي، كما كان يراه قائده الروحي المشير حسين طنطاوي، أحد أسباب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وأحد الذين خططوا لاختطاف الدولة العسكرية المصرية. أما الخلافات مع ساويرس فمرتبطة أساساً بالمصالح الاقتصادية، التي تتعارض مع بعض اتجاهات السيسي الاقتصادية. أما السيد البدوي فهو شخصية حزبية، أي من الفئات التي لا يثق بها السيسي.

وفي ظلّ الصراع الرباعي على الأرض للسيطرة على الدفة الجماهيرية الانتخابية، من خلال التحكم بالنواب المحتملين وترضية العائلات والقبائل، يكتفي السيسي حتى الآن بالمشاهدة، ويرسل إلى كل من الشخصيات الأربع رسائل عدة من خلال وسطاء.

وتؤكد مصادر حكومية متابعة لملف الانتخابات، أن "السيسي قد يقبل دخول رجال شفيق في البرلمان، تحديداً بعد الحملات الأخيرة، التي شنّها حزب شفيق لتأييد السيسي والتأكيد على دعمه". وتضيف المصادر أن السيسي "يقبل دخول رجال السيد البدوي والأحزاب المتوافقة مع الوفد، لا سيما بعد تحركه الأخير لحل مشكلة الحزب الداخلية، والتي ضمن بها تبعية الحزب السياسية له لأطول فترة ممكنة".

وتُكشف المصادر أن "ساويرس وعزّ هما الأثقل على قلب السيسي، لأنه لا يُمكن التنبؤ بالبوصلة التي سيسير عليها رجال الأول برلمانياً في ملفات الحقوق والحريات والاقتصاد، كما أن وجود رجال الثاني سيخفض شعبية السيسي بصورة أكيدة، وهو لا يريد أن يتعرض لهذا الموقف شعبياً".

وتكمن المعضلة الحقيقية أمام السيسي، في أن نظامه لم يفرز ولم يستورد شخصيات من الماضي، يمكنها قيادة اللعبة البرلمانية، وبالتالي فهو مضطر بشكل أو آخر أن يتعامل مع ثلاث شخصيات على الأقل من الشخصيات الأربع، لأنها تملك المال والقدرة على الحركة. كما أنه من المستبعد، بل المستحيل، وفقاً للمصادر ذاتها، أن ينسّق السيسي مع أحزاب يسار الوسط أو الاشتراكيين أو الناصريين، الذين اصطدم معهم كثيراً على المستوى الشخصي خلال إعداد دستور 2014، وما زال يتعرض لانتقادات متدرجة الحدة من قيادات هذا المعسكر.

وتختتم المصادر تعليقاتها على هذا المشهد المرتبك قائلة "لو كان السيسي رئيساً لحزب، أي حزب، لكانت مشكلة البرلمان قد انتهت مبكراً"، طارحة بذلك علامات استفهام حول ما إذا كان الرجل سيفكر فعلاً يوماً ما، قبل أو بعد الانتخابات التشريعية المقبلة، في إنشاء حزب سياسي أو قوة صلبة مؤثرة.

ووفقاً للمعلومات، فإن محاولات السيسي لتشكيل هذا الظهير الشعبي بدأت ولكن على استحياء، يقودها ويديرها وزير الشباب والرياضة خالد عبد العزيز، الذي كان أحد نشطاء حملته الانتخابية، وذلك من خلال مراكز الشباب وإعداد القادة الجدد، محاولاً تفريخ جيل جديد قريب الشبه من "جيل المستقبل" الذي شرع أحمد عز، في تنشئته قبل ثورة يناير بخمس سنوات توطئة لحكم جمال مبارك. لكن هذه المحاولات لم ترق حتى الآن إلى درجة "الحزبية"، كما أنها ذات أمد استراتيجي طويل، قد لا تظهر ثمارها إلا قبيل انتهاء فترة السيسي الرئاسية.

اقرأ أيضاً: "مطاردة" السيسي في الخارج تستنفر دائرته الإعلامية والفنية

المساهمون