ملامح معركة "تحرير حلب": حماسة إقليمية وخشية أميركية

ملامح معركة "تحرير حلب": حماسة إقليمية وخشية أميركية

09 مايو 2015
من قصف النظام السوري لحلب (مصطفى سلطان/الأناضول)
+ الخط -
رافق وصول الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى العرش، تغيير واسع في الاستراتيجية السعودية للتعاطي مع أزمات المنطقة. تغييرٌ دشنه التقارب مع تركيا وقطر حول عدد من الملفات، أهمها الملف السوري الذي بدأ يشهد أخيراً نجاحات متتالية لقوات المعارضة السورية على عدد من الجبهات. فيما تصاعد في الفترة اﻷخيرة الحديث حول إمكانية إعادة إحياء معركة حاسمة لطرد النظام من مدينة حلب.

ورغم العقبات الكبيرة التي تقف في وجه بدء مثل هكذا معركة سواء على المستوى العسكري أو السياسي، يبدو أنّ بعض التدابير للتجهيز لها قد اتُخذت بالفعل، إذ تم قبل أيام تشكيل غرفة عمليات موحدة للفصائل المعارضة المسلّحة، تحت اسم "غرفة عمليات فتح حلب"، تضم هذه الغرفة أكثر من عشرين فصيلا مسلحاً باستثناء "جبهة النصرة"، بحيث تشير التقديرات إلى أن مقاتلي هذه الفصائل قد يصلون إلى 10 آلاف مقاتل.

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تتوحّد في حلب لقتال النظام

يأتي هذا في الوقت الذي تحدثت فيه "وكالة أسوشييتد برس" عن "وجود اتفاق سعودي تركي لمساعدة ودعم قوات المعارضة السورية في ضرب قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد". وبحسب الوكالة، فإن كلاً من أنقرة والرياض تكفلتا بتقديم دعم لوجستي ومالي لقوات المعارضة السورية، مما أثار قلق واشنطن من أن يؤدي هذا الدعم إلى دعم مجموعات المعارضة "المتشددة" بحسب التصنيف الأميركي.
وأكد مصدر دبلوماسي تركي فضل عدم نشر اسمه لـ"العربي الجديد"، أن "وجهة النظر التركية والسعودية تكاد تكون متطابقة تماماً فيما يخص الشأن السوري، وأن التعاون في هذا الامر لا يزال مستمرا، ولكنه لا يقتصر على تركيا والسعودية فحسب، إنما يتم بالتفاهم والتنسيق مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وباقي الحلفاء"، متجنبا نفي أو تأكيد الخبر الذي نشرته "أسوشييتد برس".

في غضون ذلك، نفى وزير الطاقة التركي تانر يلدز، أول من أمس، كلام  سكرتير حزب "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة)، غورسيل تكين  لصحيفة "طرف" التركية المعارضة، والذي أكد فيه أن تركيا تتجهز للقيام بعملية عسكرية في سورية خلال اليومين القادمين، مطالبا تكين إما "بأن يفصح عن مصادره أو أن يتأكد مما يقول".
ولحلب أهميتها الاستراتيجية الكبيرة لجميع الأطراف، لذلك يقف في وجه بدء معركة حاسمة تفضي إلى طرد النظام، الكثير من العقبات. ومن ناحية القرار السياسي، يبدو مستبعداً أن تقدِم أنقرة على اتخاذ قرار بتفعيل معركة حاسمة في حلب في الظروف الراهنة، بينما لم يبق على الانتخابات البرلمانية العامة سوى أقل من شهر، بكل ما قد تحمله هذه المعركة من تبعات على المستوى العسكري والإنساني وما يرافقها من موجات نزوح كبيرة.
ويرى مراقبون أنه في ظل القلق الخليجي التركي من التغول الإيراني والاتفاق النووي، كان لا بد لواشنطن من دعم حلفائها التقليديين في ردع إيران، عبر ضرب حلفاء الأخيرة سواء في عمليات "عاصفة الحزم" في اليمن، أو السماح للمعارضة السورية بتحقيق بعض التقدم ضد النظام، فكانت معارك إدلب ودعم معركة القلمون ضد حزب الله اللبناني وتشكيل غرفة عمليات حلب لدعم موقف الائتلاف سياسياً.
ورغم قيام الغرفة ببعض العمليات ضد قوات النظام، فمن المستبعد أن تساند واشنطن كلاً من السعودية وتركيا للدفع بمعركة حاسمة في حلب في الوقت الحالي، سواء سياسياً أو عسكرياً عبر تلبية مطالب أنقرة و"الائتلاف السوري" المعارض لإقامة مناطق آمنة، وذلك في ظل قلق الإدارة الأميركية المتزايد من تنامي دور ونفوذ "جبهة النصرة" في المعارضة السورية، بعد النجاحات التي حققها جيش الفتح في إدلب، والذي تشكل "جبهة النصرة" وباقي كتائب السلفية الجهادية عاموده الفقري، وهو ما أشار له قائد هيئة الأركان الأميركية في "البنتاغون"، الجنرال مارتن ديمبسي، بالتأكيد على أن "تقدم النصرة وقوات المعارضة المتطرفة يعزز من احتمالية هزيمة نظام  الأسد، الأمر الذي لن يبعد واشنطن عن المهمة الأساسية في قتال (داعش)، لكنه يزيد الأمر تعقيداً في سورية". بالتالي، من وجهة النظر الأميركية، فإن هزيمة النظام في أي مكان بما في ذلك حلب لن تؤدي في الوقت الراهن إلا إلى توسيع "نفوذ النصرة والكتائب المتطرفة" التي تسيطر على الريف الغربي وأجزاء واسعة من مدينة حلب، وايضاً من نفوذ "داعش"، الذي يسيطر على الريف الشرقي للمحافظة بالكامل وقام أخيراً بتعزيز مواقعه فيها وقد يسعى إلى توسيع نفوذه، وذلك في ظل الضعف النسبي الذي لا تزال تعاني منه القوى المحسوبة على المعارضة السورية المعتدلة المتواجدة على الأرض، أمام "جبهة النصرة" و"داعش".
وفيما أشار الجنرال ديمبسي إلى إمكانية إقامة منطقة آمنة من الناحية العسكرية، بدا أن الأمر بحاجة إلى قرار سياسي. وفي هذا الإطار، أكد وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر على أن "فرض المنطقة الآمنة يكون للحفاظ على المناطق التي تمت السيطرة عليها"، الأمر الذي يبدو مبكراً مقارنة بوضع برنامج التدريب الذي بدأ منذ أيام، وبالتالي تبدو معركة الحسم في حلب أقرب إلى معركة التوازنات الإقليمية المؤجلة حتى إشعار آخر.

المساهمون