تصاعد العنف يهدد اتفاق السلام في مالي قبل توقيعه

تصاعد العنف يهدد اتفاق السلام في مالي قبل توقيعه

11 مايو 2015
الأوضاع توحي بأن الأمور ذاهبة باتجاه التصعيد (فرانس برس)
+ الخط -

تعود الأوضاع الأمنية والسياسية في مالي إلى الواجهة مجدداً، مع اقتراب موعد التوقيع على اتفاق سلام نهائي بين الحكومة ومجموعات المتمردين الطوارق والعرب في الشمال. وتزايد القلق في الأيام الأخيرة حول مصير هذا الاتفاق مع تصاعد حدة المعارك بين القوات الحكومية وتنسيقية الحركات الأزوادية، وهي منظمة تجمع الطوارق وجماعات انفصالية من العرب الماليين. آخر هذه المعارك كان الهجوم العنيف الذي تعرّضت له مدينة تينينكو التي تبعد نحو 400 كيلومتر شمالاً عن العاصمة باماكو، حين هاجمتها فجر 6 مايو/أيار الحالي كتيبة من المسلحين، ما أسفر عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى في صفوف المهاجمين والقوات الحكومية.

وعلى الرغم من أن سلطات باماكو تحدثت عن مجموعات مسلحة من المهربين وقطّاع الطرق، فإن تنسيقية الحركات الأزوادية أكدت مسؤوليتها عن هذا الهجوم وأعلنت سقوط العشرات من القتلى وأسر عدد من عناصر القوات الحكومية. ويأتي هذا الهجوم في سياق مشحون بالتوتر بين القوات الحكومية والمتمردين، وكردٍ مباشر على سقوط مدينة ميناكا المحاذية للحدود مع النيجر في يد مليشيا "غاتيا" المقربة من القوات الحكومية في 28 أبريل/نيسان الماضي، وهو الأمر الذي اعتبرته حركات الطوارق خرقاً فاضحاً للهدنة.

عودة المواجهات بين القوات الحكومية والمتمردين دفعت بعثة الأمم المتحدة في مالي إلى دعوة الطرفين لوقف المعارك والانسحاب من المواقع التي تمت السيطرة عليها أخيراً، خصوصاً في مدينة ميناكا، لكن الأوضاع على الأرض، بحسب العديد من المراقبين وموظفي الإغاثة الإنسانية، توحي بأن الأمور ذاهبة في اتجاه التصعيد وأن اتفاق السلام مهدد أكثر من أي وقت مضى.

وأمام تصاعد التوتر، يحاول ممثل الأمم المتحدة في مالي منجي حامدي دعوة أطراف النزاع في البلاد إلى اجتماع عاجل في الجزائر، لتدارك الأزمة المفتوحة التي تهدد التوقيع على اتفاق الجزائر. وقال حامدي لإذاعة "فرنسا الدولية" الجمعة بعد اجتماع لرؤساء مكاتب بعثات الأمم المتحدة في دول أفريقيا الغربية، إنه اجتمع أخيراً بالرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كايتا، "وبصدد الاتصال بتنسيقية الحركات الأزوادية من أجل ترتيب لقاء في الأيام القليلة المقبلة في الجزائر لتثبيت الهدنة ووقف المواجهات على الفور لتعبيد الطريق لتوقيع اتفاق السلام في 15 مايو/أيار المقبل".

غير أن التشاؤم يبقى سيد الموقف بالنظر إلى استفحال العداء بين وسط مالي والشمال وبروز انقسامات بشأن الاتفاق في قواعد الحركات المتمردة. ويقول الباحث المتخصص في الشؤون المالية عجلاوي موساوي، في تصريح إلى "العربي الجديد"، إن الاتفاق بين أطراف النزاع لم يعد قضية مالي وحدها بعد أن دخلت أطراف إقليمية أخرى في الخط، خصوصاً الجزائر وموريتانيا، والخلاف الأخير بين هاتين الدولتين انعكس سلباً على الاتفاق، حتى إن حركة أزواد العربية انشقت إلى حركتين، واحدة موالية مقربة من الحكومة المالية ومن الجزائر عازمة على توقيع الاتفاق ويقودها محمد محمود العمراني، وأخرى ذات ميول موريتانية بقيادة محمد ولد سيدات ترفض التوقيع على الاتفاق، وهي التي دخلت في مواجهات مع القوات الحكومية أخيراً في المنطقة الحدودية بين مالي وموريتاني.

اقرأ أيضاً: الحكومة المالية وحركات الأزواد يتوصلان إلى وثيقة سلام

وكان الحوار بين الأطراف المتنازعة في مالي قد انطلق في يوليو/تموز 2014 في الجزائر برعاية الأمم المتحدة، ومرّ بأربع جولات انتهت بالاتفاق المبدئي على صيغة اتفاق "السلم والمصالحة" بين الحكومة المالية وثلاثة فصائل من الحركات المسلحة الأزوادية هي "تنسيقية شعب أزواد" و"حركة أزواد العربية" و"الجبهات الوطنية للمقاومة". ونصّ هذا الاتفاق بالخصوص على منح الشمال استقلالية واسعة، وعلى اشتمال جهازي الشرطة والجيش في الشمال على 85 في المائة من الطوارق، والأخذ بعين الاعتبار "التنوّع العرقي والثقافي لمنطقة الشمال المالية واحترام خصوصياته الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية".

والواقع أن مالي لم تخرج نهائياً من دائرة عدم الاستقرار بعد ثلاث سنوات من الحروب، على الرغم من التدخّل العسكري الفرنسي المدعوم بقوات الأمم المتحدة. وكانت الأوضاع في مالي قد وصلت إلى حافة الانهيار نهاية عام 2012 عندما تمكنت التنظيمات الجهادية من السيطرة على شمال البلاد ووضعت يدها على مدنها الكبرى، تومبوكتو وكيدال وغاو، وباتت تهدد بالزحف إلى العاصمة باماكو. وبادرت فرنسا بشكل عاجل إلى إطلاق عملية "سيرفال" وتمكنت في بضعة أشهر من طرد المجموعات الجهادية واستعادة السيطرة على الشمال. وعام 2014 تخلّت فرنسا عن هذه العملية وأطلقت محلها عملية أخرى سمتها "برخان" مؤلفة من ثلاثة آلاف جندي ويتعدى مجال نشاطها شمال مالي ليشمل مجموع منطقة الساحل الأفريقي والحدود بين مالي وليبيا وتشاد والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو. هكذا تحوّل التدخل العسكري من استراتيجية السيطرة على الشمال الموريتاني إلى عمليات كر وفر لملاحقة عناصر التنظيمات الجهادية في الصحراء الأفريقية الشاسعة.

ويعتبر الباحث موساوي أنه "حتى في حال التوصل إلى توقيع اتفاق سلام بين الأطراف المالية، فإن خطر الجماعات الجهادية سيظل قائماً، لأن اتفاق الجزائر عام 2006 لإنهاء الأزمة بين الطوارق والحكومة المالية آنذاك نصّ على انسحاب الجيش ومؤسسات الدولة المركزية من الشمال، مما ترك فراغاً هائلاً استغلته الجماعات الجهادية، خصوصاً القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد."

وبالإضافة إلى شبح الحرب الأهلية الذي لا يزال يخيّم على مالي في حال عدم التوصل إلى التوقيع على اتفاق الجزائر، هناك تذمر كبير في باماكو من سياسة الرئيس إبراهيم أبو بكر كايتا وأداء الحكومة المتهمة بالتورط في عدة قضايا فساد. وبحسب تقرير جديد نشره "مكتب المراقب المالي العام" في باماكو، فإن مبلغ 234 مليون يورو نقص من خزينة الدولة بسبب الفساد وسوء التدبير اللذين ينخران مؤسسات الدولة.

اقرأ أيضاً: مساعٍ جزائرية لإنقاذ اتفاق مالي

دلالات