عدنان منصر لـ"العربي الجديد": "حراك المواطنين" لإعادة الشباب للسياسة

عدنان منصر لـ"العربي الجديد": "حراك المواطنين" لإعادة الشباب للسياسة

25 ابريل 2015
يهمّنا تفعيل دور الشباب
+ الخط -

* يلتئم اليوم السبت أول اجتماع لـ"حراك شعب المواطنين"، فهل هو بمثابة مؤتمر؟ وما المقصود بـ"الحراك" تحديداً؟

الاجتماع يُعتبر بمثابة مؤتمر تحضيري، لا تأسيسي، ويعود سبب اختيار تسمية "الحراك" إلى فترة الحملة الانتخابية، حين ظهر حراك ذو صبغة اجتماعية وسياسية، ولم يكن ممكناً استباق الأمور بعد الانتخابات وتسميته حزباً. بالتالي فإن كلمة "حراك" كانت تعبيراً حذراً، في انتظار ما ستؤول إليه الأمور، وما فعلناه إلى حدّ الآن كان صدىً للحملة الانتخابية، التي كانت أفقية، ولا مبادرة خاصة فيها ولا قرار مركزياً، وهو ما جعل الحملة الانتخابية ديناميكية.

إن "حراك شعب المواطنين"، يُعدّ أيضاً حركة قائمة على التطوّع والمبادرة الخاصة أساساً، وبعض التنسيقيات التي تأسست في الجهات مثلاً، لم تعد إلينا ولم تتصل بنا مطلقاً. حتى أنها مارست العمل والدعاية الانتخابية بشكل مستقل في حينه. ونأمل أن يتواصل الحراك بنفس الزخم وطريقة العمل، من دون التضييق عليه في إطار حزبي بحت، إذ أن هناك متطوعين قدموا من فضاء العمل المدني والجامعي والاجتماعي. وهؤلاء يُمكن لهم الالتزام بأهداف الحراك من زاوية انتماءاتهم الأصلية، كونهم يهتمون بالسياسة، ولكنهم لا يُعتبرون سياسيين في الأصل، لذلك هناك مسارات متنوّعة في الحراك والعمل السياسي أحدها.

بدأنا العمل في المسار المدني والثقافي من خلال شبكة مؤسساتية تنموياً واجتماعياً، والآن سنركّز على العمل السياسي. الحراك لن يكون حزباً مثل بقية الأحزاب، بل هو "ديناميكية" تضم مختلف الكوادر الاجتماعية والسياسية والثقافية، ولن يكرّر تجارب بقية الأحزاب، وينطلق من العمق إلى الأعلى. وهو ما حتّم علينا معرفة ما يريده الناس قبل النظر في شكل الحراك. ونحن لا نرى أي امكانية لتأسيس حزب مختلف، إن لم تكن قيادات هذا الحزب ميدانية، ولا نرى امكانية لتأسيس ناجع على المستوى السياسي، إن لم يكن لهذا الحزب اهتمام بالجانب المحلي والاجتماعي.

* ما هي تفاصيل اجتماع اليوم؟

سينقسم البرنامج على فترتين، وستعمل اللجان صباحاً على اللوائح، ثم تعقد جلسة عامة، تتضمّن تقريراً حول عمل التنسيقية المركزية من 27 يناير/كانون الثاني إلى اليوم. وسيكون هناك أيضاً خطاب لرئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي، ثم تتم مناقشة لوائح العمل، وسيُعلن عن تحريك مسارات عدة، ومنها المسار السياسي.

* لكن الحراك يتمحور حول شخصية المرزوقي، فأي دور له بالتحديد فيه؟

سيواصل المرزوقي تأدية دوره، ولكنه سيكون دوراً مرجعياً رمزياً في الحركة، وسيكون مركزياً، وهو يشرف الآن بنفسه على كل ما يحدث في الحراك، والناس الذين اختاروه واجتمعوا حوله في الحملة الرئاسية، انما اجتمعوا حول أهداف معيّنة لا حول شخص فقط. وسيجدون في الحراك ما يطمحون إليه، وأعتقد أنه إذا فشل الحراك في إفراز قيادات شابة واعدة، بتموضعها الاجتماعي والسياسي، فإننا سنكون مثل بقية الأحزاب، وستنتهي رمزية المرزوقي.

* ما تعليقك على انسحاب بعض الأحزاب من الحراك احتجاجاً على عدم تفعيله كحزب؟

يدلّ هذا على أن جزءاً من طبقتنا السياسية متسرّعة، وكان يجب على من يعتقد أنه يمتلك تاريخاً سياسياً ومرجعاً، أن يأخذ وقته ويفهم كيف تجري الأمور. إن الحديث عن شبكة مدنية في "الحراك"، كان جزءاً من الحديث ولم يكن كل الحديث، ونحن قلنا سابقاً، إنّ الهدف تشكيل حراك أكثر من مجرّد حزب سياسي وانتخابي، لأننا نعمل على إثراء الحراك.

سيكون لنا موقف سياسي عندما يتطلّب الأمر، ولا أظن شخصياً أن انسحاب هؤلاء سيكون خسارة كبيرة للحراك، لأن الحراك يحتاج إلى وجوه جديدة ولا يحتاج إلى أن يدخله أشخاص بأهداف حزبية. لم تفهم بعض الأحزاب أنّ الموضوع ليس موضوع مساندة للمرزوقي، بل هو حراك قائم على شراكة حقيقية، والأحزاب لا زالت تحمل نفس مشاكل الماضي، لأن هناك عجزاً في النقد الذاتي، ولم يقم أي حزب بتقييم أسباب فشله، لذلك تحولت معظم الأحزاب إلى أحزاب عائلية.

* المرزوقي كان حاضراً في ذكرى الشهيد زهير اليحياوي ( مدون تونسي) وفي مسيرة باردو، هل يحرص الرئيس السابق على المشاركة في المناسبات الحقوقية، في محاولة منه لاستعادة الدور الحقوقي، بينما يختار الصمت في مناسبات أخرى؟

المسألة الحقوقية لدى المرزوقي ليست مسألة خلافية، فهذا الجانب يبقى من أهم الجوانب بالنسبة إليه، لكننا اخترنا البقاء على مسافة من الساحة السياسية، للشروع في عملية النقد الذاتي وفهم الساحة من جديد. وكان المطلوب شيئاً من الرصانة والابتعاد عن المشادات السياسية اليومية، لأنه تكوّنت لدينا قناعات بأنّ الحكم مسؤولية، ونحتاج اليوم إلى منح من يحكم بعض الوقت، مهما اختلفنا معه. الساحة السياسية في حالة مخاض والقراءة الصحيحة لا تكون إلا بعد التأني، وهذا الصمت ليس طويلاً ويُشكّل الحدّ الأدنى المعقول والمطلوب لأي عودة سياسية.

قيمة العمل تبقى أخلاقية، والظروف الحالية صعبة، وكنا نقول هذا الكلام عندما كنا في الحكم ونقوله أيضاً ونحن في المعارضة. ومهما كانت الحكومة قادرة وعظيمة، إلا أنها لا تملك عصاً سحرية لحلّ المشاكل، وهناك فارق كبير بين أن تتجه نحو الحلّ من دون امتلاك وسائله، وبين عدم امتلاك الوسائل.

نحن نريد دوراً أكثر فاعلية من المعارضة، لأن المعارضة غير العقلانية تدفع الحكم إلى الخروج من عقلانيته بدوره، علماً أن الاتزان مطلوب في الساحة، ولا يتحقق ذلك بالردّ على كل موقف أو بيان كل لحظة، بل يكمن دور المعارضة الحقيقي في طرح البدائل. وأكثر ما دفعنا إلى تكوين الحركة، هو تحويل هذه الطاقة التي تجد نفسها خارج مؤسسات الدولة، وتلجأ إلى العنف، إلى طاقة إيجابية. نحن نريد اطلاق مجهود تربوي، يجعل الشباب والمراهقين قادرين على التمييز بين الصراع السياسي والمصلحة الوطنية، وهو ما يقتضي بأن يكون هناك مشروع ما. وما ينقص البلاد اليوم هو مشروع محدد، ونحن لن نؤدي دوراً سياسياً حزبياً ضيقاً، بل نحن أصحاب مشروع في كل المسائل، ولهذا أجلنا النقاش السياسي إلى آخر مرحلة.

اقرأ أيضاً تونس: 100 يوم على تسمية الصيد رئيساً للحكومة

* هل يعني ما تقول إن التونسي ملّ من الصراعات السياسية ويحتاج إلى مشروع بديل؟

هذا ما لمسناه في لقاءاتنا المباشرة مع الناس، ورأينا شحنة من التوتر ليست من مصلحة التونسيين أن تستمر، والمعارضة لا يختزل دورها في المشاحنات السياسية، لأنها ثقافة أساءت إلى السياسة. حتى أننا واجهنا في الحملة الانتخابية الرئاسية تجمّعاً مالياً واقتصاداً، لا مرشحين أو أحزاب.

* هل يجعلكم هذا ملائكة؟

أبداً، نحن أخطأنا، ولكننا قمنا بنقدنا الذاتي، وأول الأخطاء التي ارتكبناها تمثلت في الابتعاد عن الشارع وعن الناس. وظننا أننا سنمسك بالقرار في الدولة، وتوجيهه بما يخدم مصلحة الناس، غير أنه لا يمكننا ممارسة الثورة بعقلية الدولة، أو مزج الدولة بالثورة معاً. كنا نعتقد أنه بإمكان رئيس الدولة ممارسة الثورة، غير أنه تبيّن لنا أن ذلك لم يكن صحيحاً، فالمسار كان سلبياً، وفي كل مرة يظهر انطباع أنه بإمكانك السيطرة على الأوضاع، يتمّ استنزافك في معارك جانبية.

* ألم تخطئوا أيضاً في التوجه إلى هؤلاء الناس لإقناعهم بدولة المواطنة؟

في 25 يوليو/تموز 2012، صرّحت بأننا لا نريد "ديمقراطية واجهات"، أي أن تكون جميلة من الخارج وفاسدة من الداخل. والدليل أنه في الشكل تحصل انتخابات ويصل ممثلون عن الأحزاب إلى البرلمان، وهي أمور جيدة وممتازة، ولكن في الداخل تولد تجمعات عدة وأشخاص مشكوك في شرعيتهم. كان هناك "فيتو" وقرار لدى بعض القوى الأجنبية الفاعلة، كي لا يصل المرزوقي إلى الرئاسة مهما كانت النتائج، وهناك جهات عربية ضخّت الأموال لمنع وصوله إلى قصر قرطاج. والبرهان على ذلك، أن سعر صرف الدولار في شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول الماضيين في السوق السوداء، كان أقلّ من سعر صرف البنك المركزي. بالتالي تمّ ضخّ الكثير من الأموال، مما منح زيادة في قيمة المعروض، أدى إلى انهيار سعر الصرف في السوق السوداء، وهو ما عكسه حجم الضخّ المالي في فترة الانتخابات.

* ولكن حركة النهضة فازت في الانتخابات في حين انهزمت بقية الترويكا وأحزاب أخرى كثيرة؟

النهضة لم تفز لأنها شكلت القوة الثانية في تونس، وأعتقد بأن الحركة كانت ممنوعة من الوصول، لأنها تعلّمت درساً قاسياً من خلال تجربتها في الحكم، فأي حزب آخر في تونس، ما كان ليترك السلطة وهو مُنتَخب، لولا حرصه على السلم الاجتماعي. وقد وصلت الأمور إلى حدّ التأزم، فحتى في الدول المتقدّمة نادراً ما يفرط حزب فائز بالسلطة. وأعتقد أنه في السياق الزمني الذي قدمت فيه النهضة استقالة حكومتها، كانت مرحلة صعبة، والعنف مستشرٍ فيها. وحسب تقييم الحركة فإنها سعت، ربما، لإعادة الانتشار.
وعلى الرغم من كل شيء، حافظت النهضة على عددٍ هام من الأصوات الانتخابية وهذه النتيجة غير سيئة بل إيجابية، فبعد ثلاث سنوات من النقد والتعطيل والتشويه، يبقى حصول الحركة على هذه النسبة من الأصوات في مجلس نواب الشعب أمراً ايجابياً.
ربما في المستقبل، قد تجد النهضة مجدداً نفسها القوة الأولى خصوصاً إذا تطورت الأزمة لدى نداء تونس أكثر، حينها قد تجد الحركة نفسها مجبرة على تشكيل الحكومة من جديد. وهو ما قد يسبّب احراجاً كبيراً لها، لأنها غير مستعدة لتشكيل الحكومة ثانية.

* حين أجريتم النقد الذاتي، ما هي الأخطاء التي وقفتم عليها؟

سعينا إلى الابتعاد عن الشارع وتحقيق أهداف الثورة داخل الدولة، لكنه بدا في الواقع أمراً غير ممكن. وفي مقال نشرته في مايو/أيار 2013 وأثار ضجة كبرى، اتصل بي القيادي في النهضة ووزير العدل آنذاك نورالدين البحيري، وقال لي: ما هذا القصف المركز على القصبة (مقر الحكومة)؟ أجبته بصراحة، أن الناس تنتظر اجراءات تبرز استمرارية الثورة، ولكن عملية تطهير القضاء لم تتم. لكنه قال: لو صبرت لرأيت الإجراءات. وكان يتحدث عن العزل. وتُعدّ هذه المسألة واحدة من بين مسائل عدة. وأخلاقياً لا يُمكن بعد تلك التجربة أن نقول إن النهضة كانت تحكم بمفردها، فنحن مسؤولون أيضاً لأننا رأيناها تحكم بمفردها ولم نغادر.

* أثبتت الانتخابات الرئاسية أن عقل "الترويكا" لم يتميز بالمتانة الفكرية، هل هذا صحيح؟

أعتقد بأن "الترويكا" مارست حكمها بطريقة خاطئة، لأن كل حزب منها حصل على مؤسسة، وبالتالي فُككت الدولة. وأصبح لكل قسم سلطة، فمصطفى بن جعفر (رئيس المجلس الوطني التأسيسي) مثلاً وحمادي الجبالي (رئيس الحكومة السابق)، كانا يعملان معاً أحياناً، ولكن عندما يقرّر أحدهما اتخاذ مبادرة ذاتية، يجد معارضة من بقية السلطات.
كنا أمام ثلاثة رؤساء لثلاث مؤسسات، كانت تتحكّم المزاجية بعلاقاتهم، وحتى أنه على مستوى البروتوكولات في الاستعراض، كانت تسود بلبلة بروتوكولية حول مواقع الرؤساء الثلاثة، من نوع: كيف سيسيرون في الصف؟ معاً أم كل على حدىً؟ وهي مسائل طرحت فعلاً اشكالية كبيرة.

* تحدثت عن "المزاجية"، ما المقصود بذلك؟

العلاقات بين رئيس الجمهورية وحمادي الجبالي لم تكن متينة جداً، فالمرزوقي وبن جعفر كانا في حالة تنافس سياسي، ثم ظهر حمادي الجبالي كرئيس حكومة، وكان في البداية من المدافعين عن ترشيح بن جعفر لرئاسة الجمهورية. وهو ما أثر لاحقاً على العلاقة بينهما.

* كيف هي علاقتكم بالنهضة اليوم؟

لا وجود لعلاقة، وهناك نوع من البرود فيها، ليس المقصود "بروداً عدائياً"، بل برود على مستوى إعادة البناء. هناك تواصل على على مستوى القواعد، لكن على مستوى القيادات لا توجد لقاءات.

* صراحة هل تعتبرون أن النهضة أدت دوراً في نجاح الباجي قائد السبسي رئاسياً؟

أعتقد بأن جزءاً من القيادة العليا أدت دوراً، وكان تقديرها أن السبسي سيكون رئيساً للجمهورية، وأقصد جزءاً من المكتب التنفيذي بما في ذلك راشد الغنوشي.

* ما هو طموح المرزوقي السياسي؟

يساهم في البناء من القاعدة كي نتجنب عزوف الشباب عن العمل السياسي، فنحن نريد أن يقودنا الشباب، ولا يكونوا في الصفوف الخلفية. هناك انتخابات بلدية في الأفق، يجب أن تُخاض هذه الانتخابات على أساس الصراع بين الطبقة السياسية الجديدة والطبقة القديمة.

* هل سيكون "حراك شعب المواطنين" متواجداً في الانتخابات البلدية؟

نعم، نحن نعمل على ذلك.

* هل هذا الحراك له معنى، إذا لم يكن للمرزوقي طموحات ليعود إلى الحكم مجدداً؟

لا أنفي الطموحات ولا أؤكدها، ولكن نظرياً ما زال هناك خمس سنوات على الانتخابات المقبلة.

* ماهي توقعاتكم للمشهد السياسي العتيد؟

هناك تطورات في الأفق، وأتوقع أنّ يزداد المشهد تعقيداً. النظام حالياً يذكرني بما حدث في العام 1987. النظام بدأ هرماً في حينه، أي في عمر أكبر من عمر الزعيم الحبيب بورقيبة عندما انقلب عليه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وأرى أن تونس ستشهد انتخابات برلمانية سابقة لأوانها، وانتخابات رئاسية سابقة لأوانها أيضاً، وربما قبل ربيع العام 2016.

* في حال حصول مثل هذا الأمر هل سيتقدم المرزوقي للانتخابات؟

لا جواب، ولم نتحدث صراحة في الموضوع.

* هل تُغيّر السلطة في مبادئ بعض الناس؟

في السياسة توجد شعلتان، شعلة المبدأ بقطع النظر عن النتائج، وشعلة السياسة بغض النظر عن المبدأ. والمثال على ذلك "الجبهة الشعبية"، التي خاضت صفقات جعلتها عرضة للابتزاز السياسي، فعندما أتذكر معلقات حمة الهمامي في الشوارع خلال الانتخابات الرئاسية توقعت أن هناك ثمناً سياسياً سيدفعه هو والجبهة لاحقاً، فقد شعرت أن الجبهة انساقت في ركاب النظام القديم بطريقة واضحة.

اقرأ أيضاً: قانون أخاف التونسيين من الديكتاتورية

المساهمون