الاتفاق الليبي في تونس: الخلفيات والاعتراضات الداخلية والنوايا الدولية

الاتفاق الليبي في تونس: الخلفيات والاعتراضات الداخلية والنوايا الدولية

07 ديسمبر 2015
جرى الإعداد للاتفاق منذ فترة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
شكّل "اتفاق تونس" بين ممثلين ليبيين عن المؤتمر الوطني العام في طرابلس وبرلمان طبرق أمس الأول الأحد مفاجأة سياسية وإقليمية من الحجم الكبير. وأعلنت الأطراف المتفاوضة عما وصفته بالاتفاق التاريخي لإنهاء الأزمة الليبية المستفحلة منذ أربع سنوات، وخارطة طريق يمكن أن تفضي قبل نهاية العام إلى تشكيل حكومة ليبية موحدة، لأول مرة، وإنهاء حالة الانقسام التي فتتت ليبيا وأدت إلى صعود متزايد لنفوذ الجماعات الإرهابية وسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على مناطق متفرقة من البلاد، بما يستهدف ليبيا وجيرانها في الوقت ذاته.

وبحسب تصريحات كبار المفاوضين في لقاءات تونس لـ"العربي الجديد"، فإن مجرد اجتماع الأطراف الليبية وجهاً لوجه، مكّن من إنجاز هذا الاتفاق بسرعة قياسية لم تتعدَ 48 ساعة، في حين كانت الأطراف الدولية الوسيطة، ومن بينها المبعوث الأممي السابق برناردينو ليون، تمنع مثل هذه اللقاءات المباشرة، وتتحجج في كل مرة بصعوبة ذلك. ولأن تحدّي تأمين مباركة إقليمية ودولية للاتفاق يبقى محدداً رئيسياً لمصير الاتفاق، جاء موقف وزارة الخارجية المصرية المتحفظ على الاتفاق، معبراً عن عدم رغبة عدد من الأطراف بحل الأزمة الليبية إلا انطلاقاً من منظور سحق فئة واسعة من الشعب الليبي.

غير أن اللقاء التاريخي في تونس لم يلتئم في غضون الساعات القليلة المذكورة، وإنما جرى الإعداد له منذ فترة، إذ عُقدت اجتماعات تمهيدية متقطعة منذ حوالي شهر في العاصمة التونسية، انتهت بالاتفاق على صيغة اليومين الأخيرين وتُوّجت بهذا الاتفاق، قبل لقاء مرتقب ومُرجَّح جداً، بين رئيس المؤتمر العام نوري بوسهمين ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، لاعتماد نص الاتفاق رسمياً.

وعلى الرغم من تأكيدات الطرفين أن اللقاء تم بإعداد ليبي خالص، ومن دون تأثيرات أو تدخلات أجنبية، فإن البصمة التونسية كانت واضحة في ترتيب هذا الاتفاق، وما سبقه من لقاءات ممهدة. وعلمت "العربي الجديد" أن أطرافاً تونسية غير رسمية ومعروفة بقربها من كل الجهات الليبية، أدت دوراً مهماً في تلطيف الأجواء وإقناع الطرفين بالتحاور وجهاً لوجه، وساهمت في ترتيب الاتفاق بسرية مطلقة وبعيداً عما وصفه ممثل برلمان طبرق ابراهيم عميش لـ"العربي الجديد" بـ"الأيادي التي لا تريد الخير لليبيا".

وظلت تونس تنادي منذ بداية الأزمة الليبية بضرورة الحل الليبي-الليبي كسبيل وحيد لوضع حد للانقسام، ومكّن موقف الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي المحايد في الأزمة، بقيام تونس بدور ما في ليبيا. وعلى الرغم من الانتقادات المستمرة لغياب تونس عن الملف الليبي، فقد كانت أطراف تونسية عليا تؤكد باستمرار أنها لا تزال موجودة على خط الأزمة، وأنه بإمكانها دائماً أن تدخل على الخط، ليس ديبلوماسياً فحسب وإنما أيضاً عبر قنوات أخرى، هي الأهم في النسيج السياسي والاجتماعي الليبي.

وتحافظ أطراف حزبية ومدنية تونسية على علاقات عميقة ومتينة بكل الأطراف الليبية المتنازعة، بداية من حكومتي طرابلس وطبرق، وصولاً إلى مسؤولي نظام العقيد الراحل معمر القذافي ورجال الأعمال الليبيين وممثلي القبائل والبلديات والمجتمع المدني، وهو ما يؤهلها، ربما أكثر من غيرها، لتقريب وجهات النظر، ما جعل منتقديها يوجهون إليها اللوم لتقاعسها في حلحلة الأزمة على الرغم من كل هذه الإمكانيات.

واستقبل السّبسي في قصره مساء الأحد الوفديْن المتفاوضين، وشدّد بيان الرئاسة على ان اللقاء تم "بطلبٍ منهما"، لإبعاد أي شبهة تدخل أو وصاية. ويعكس هذا البيان حرصاً تونسياً على إضفاء مشروعية دولية على الاتفاق، وسعياً للحصول على مباركة أممية، من خلال إشراك المبعوث الأممي الجديد مارتن كوبلر.

وأكدت مصادر من المؤتمر الوطني العام، أمس الاثنين، تلقي "المؤتمر" دعوة من البعثة الأممية لعقد اجتماع موحّد مع وفد برلمان طبرق الموقِّع على اتفاق إعلان المبادئ، في مقر البعثة في العاصمة التونسية. وأوضحت هذه المصادر في تصريحات صحافية أن الاجتماع، الذي سيلتقي فيه الطرفان مع كوبلر، سيناقش، وفق الدعوة، مخرجات إعلان وثيقة المبادئ التي وقّعا عليها. كوبلر، الذي كان يزور مدينة شحات الليبية يوم السبت، التقى عقيلة صالح الذي أكد له "أن ثمة جهوداً ليبية تُبذل للتوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة الليبية من دون تدخّل خارجي".

اقرأ أيضاً: بُشرى ليبيّة من تونس: اتفاق أولّي بلقاء مباشر وخارطة طريق

ويأتي "اتفاق تونس" في مرحلة دولية معقّدة جداً، يبدو أنها تعيد رسم السياسات الدولية في المنطقة، خصوصاً بعد اعتداءات باريس والعاصمة التونسية، وتغيّر الموقف الفرنسي المتراخي في المنطقة، وسعيه إلى حشد الرأي العام الدولي للتحرك ليس فقط في سورية وإنما في ليبيا أيضاً، حيث يتنامى مدّ تنظيم "داعش" الذي يشكّل خطراً محدقاً على "شرفة المتوسط".

ويأتي كذلك قبل أيام قليلة من لقاء دولي حول ليبيا تحتضنه العاصمة الإيطالية روما، وأكد وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني أن نظيريه الروسي والأميركي سيشاركان في هذا الاجتماع الذي سيُعقد في 13 ديسمبر/كانون الأول الحالي. وأكد جينتيلوني أن الهدف هو إعطاء دفعة قوية لمواجهة مخاطر توسّع "داعش". وأضاف أن أي اتفاق يتم التوصل إليه داخل ليبيا سيتم دعمه لاحقاً من خلال قرار للأمم المتحدة.

ويضع "اتفاق تونس" الجهود الدولية في اختبار صريح للنوايا، بعد فشل المبعوث الأممي السابق في الحصول على تأييد ليبي لمساعيه، ورفض الطرفين المتنازعين للحلول المعروضة. وأكد النائب الأول لرئيس المؤتمر، عوض عبد الصادق، وممثل برلمان طبرق ابراهيم عميش، في حوارات لـ"العربي الجديد"، أن النوايا الدولية ستتبيّن لليبيين، بعد الاتفاق على تشكيل حكومة موحدة، وأنه على المجتمع الدولي ودول الجوار دعم هذا الاتفاق ورعايته. وأكد عبد الصادق أنه لا مانع لديهم من وضع هذا الاتفاق الجديد تحت رعاية الأمم المتحدة.

وسيكون الاتفاق الليبي الجديد أمام امتحان داخلي ايضاً، فعلى الرغم من بعض الانتقادات التي وردت من طبرق، فقد أكدت مصادر ليبية متقاطعة أنه يحظى بتأييد كبير في جانبه الغربي والقبلي. ونقلت مواقع ليبية أن رئيس مجلس أعيان ومشايخ المنطقة الشرقية علي خيرالله، أكد أنهم مع أي اتفاق يُخرج البلد من أزمته، وأنه يدعم العودة لدستور عام 1951 وتعديلاته. كذلك أكد مقرر هيئة أعيان وحكماء المنطقة الغربية حسن المسلاتي، دعم الاتفاق الذي وُقّع في تونس، واعتبره بشرى لكل الليبيين.

كما نقلت قناة "النبأ" الليبية أيضاً أن رئيس هيئة أعيان ومشايخ المنطقة الجنوبية عبد السلام العروسي شدّد على دعم الاتفاق، داعياً إلى حقن الدماء بين الليبيين، وهو الموقف نفسه لرئيس هيئة مشايخ وأعيان ليبيا مفتاح العبيدي، وعضو مشايخ وأعيان ترهونة بشير العبدلي.

وذكرت القناة الليبية أن رئاسة المؤتمر الوطني العام أكدت أنها "تلقت اتصالات من العديد من الثوار والمجالس البلدية والنشطاء وأعيان المناطق لمباركة اتفاق إعلان المبادئ الموقع من وفدي المؤتمر والبرلمان المنحل، وأنها تسعى مع كل الأطراف لوضعه حيز التنفيذ". وقال مصدر مقرب من رئاسة المؤتمر الوطني، للقناة، إن مساعي حثيثة جارية لعقد لقاء بين بوسهمين وصالح. وعبّرت بلدية غدامس عن ترحيبها بالاتفاق واستعدادها لاحتضان لقاء بين رئيسي المؤتمر الوطني والبرلمان المنحل.

وعلى المقلب الآخر كان بيان صدر أمس الأول الأحد عن أعضاء مجلس النواب "كتلة 92" (طبرق) عبّر عن تمسكهم بالاتفاق السياسي المبرم في الصخيرات تحت رعاية الأمم المتحدة وحكومة الوفاق الوطني. وأعرب أعضاء الكتلة في بيانهم عن تفاجئهم "برئيس البرلمان عقيلة صالح وعدد من النواب عندما أعلنوا عن حوار جديد، تحت مسمى حوار ليبي-ليبي، ومع أطراف تجاوزهم الحوار السياسي لتعنتهم ورفضهم نتائج الحوار، الذي ترعاه البعثة الأممية ودون أن يطرح الأمر على مجلس النواب وفقاً لما تنص عليه اللائحة الداخلية للمجلس".

اقرأ أيضاً: 3 أسباب ترجّح تحول سرت ملاذاً لـ"داعش"