التفاؤل الإسرائيلي بـ"مصالحة" تركيا ينقلب تشاؤماً: أنقرة متمسكة بالمقاومة

التفاؤل الإسرائيلي بـ"مصالحة" تركيا ينقلب تشاؤماً: أنقرة متمسكة بالمقاومة

23 ديسمبر 2015
شروط متبادلة بين تركيا وإسرائيل (أشرف عمرا/الأناضول)
+ الخط -
فجأة، تحوّل تفاؤل الأوساط السياسية والإعلامية في تل أبيب بقرب التوصل إلى اتفاق ينهي القطيعة مع تركيا واستعادة تطبيع العلاقات بينهما، إلى تشاؤم وتشكيك في نوايا القيادة التركية. والأغرب، أنّ المستويات الأمنية الإسرائيلية التي كانت دائماً الأكثر حماساً للقيام بكل جهد ممكن لإصلاح العلاقات مع أنقرة، هي التي تبدي اليوم هذه الشكوك.

وينقل موقع "والا" الإسرائيلي عن مصادر في قيادة الجيش الإسرائيلية قولها، إنّ الأتراك لا يبدون استعداداً لقبول أهم شرط لإسرائيل، ويتمثّل في طرد قيادات حركة المقاومة الإسلامية "حماس" من تركيا. وبحسب هذه المصادر، فإنّ الحكومة التركية تصرّ على مواصلة استضافة نشطاء من "حماس" أُطلق سراحهم في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، على الرغم من تورّطهم في التخطيط لعمليات استهدفت جنوداً ومستوطنين من أماكن وجودهم في تركيا، على حدّ زعم المصادر.

وتدعي هذه المصادر أنّ استعداد الأتراك للتفاوض من أجل تحسين العلاقات لا يعبّر عن توجه استراتيجي، بقدر ما هو مناورة لمواجهة تبعات تصاعد الأزمة مع روسيا، والتوتر مع دول الاتحاد الأوروبي. ولم يفت المصادر أنفسها، التأكيد على رفضها شرط تركيا برفع الحصار على قطاع غزة، على اعتبار أن هذه القضية تخضع للاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.

وتذكر صحيفة "يديعوت أحرنوت" في عددها الصادر، أخيراً، أن إسرائيل لا يمكنها الموافقة على رفع الحصار على اعتبار أنه يمكّن كتائب "عز الدين القسام" (الجناح العسكري لحركة حماس) من الحصول على سلاح كاسر للتوازن، بشكل يهدّد العمق الإسرائيلي. لكن هناك في إسرائيل من يرى أنّه على الرغم من أن القيادة الإسرائيلية فقدت الثقة بالقيادة التركية، فإنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو معني تماماً بتحسين العلاقات مع تركيا في الوقت الحالي، على أمل أن يسهم الأمر في توفير الظروف التي تسمح بتصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا.

ويشير معلّق الشؤون الاستخبارية في صحيفة "معاريف" يوسي ميلمان، إلى أن نتنياهو يأمل أن تسفر الأزمة التركية الروسية عن إقناع الأتراك باستيراد الغاز من إسرائيل، على اعتبار أنهم باتوا يخشون أن يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوقف تصدير الغاز لهم. وفي مقال نشرته الصحيفة، أخيراً، ينوّه ميلمان إلى أن نتنياهو معني تماماً بتصدير الغاز لتركيا، لأن فرص تصديره إلى مصر تراجعت بشكل كبير، في أعقاب إصدار لجنة تحكيم دولي حكماً يلزم مصر بدفع 1.76 مليار دولار لشركة الكهرباء الإسرائيلية. ويأتي هذا الحكم، بسبب توقُّف مصر عن استيراد الغاز من إسرائيل في أعقاب الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك عام 2011.

اقرأ أيضاً لقاء أردوغان ـ مشعل: تطمينات حول "مصالحة إسرائيل"؟

ويلفت ميلمان إلى أن المصريين أبلغوا إسرائيل أنهم لا يمكن أن يقوموا باستيراد الغاز في حال لم يتم التوصل لتسوية بشأن الحكم الدولي. وبحسب معلّق الشؤون الاستخبارية، فإنّه على الرغم من أن إسرائيل لا يمكنها أن توافق على الشرط التركي المتعلق برفع الحصار عن غزة، يمكن للأولى أن تقبل بصيغة أخرى تقوم على السماح لتركيا بدور في تنفيذ مشاريع البنى التحتية في القطاع، لا سيما مشاريع المياه والكهرباء.

ويرى ميلمان أنّ إسرائيل ترى أن الهدف التركي من المطالبة برفع الحصار عن غزة تحديداً، هو محاولة الحصول على موطئ قدم في القطاع لمواجهة مصر، مشيرين إلى أن الأتراك يطالبون تل أبيب بدور لهم في تنفيذ عدد من مشاريع البنى التحتية المهمة في القطاع.

على صعيد متصل، يشير الكاتب الإسرائيلي رون بن يشاي، إلى أن تركيا تضع شروطاً مستحيلة لموافقتها على استيراد الغاز من إسرائيل، وفي مقدمتها المطالبة بأن تقوم الأخيرة بتصدير الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، من خلال شق أنبوب يصل حقول الغاز "الإسرائيلية" بالأراضي التركية ومنها إلى أوروبا. وفي مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" في عددها الصادر، أخيراً، يعتبر بن يشاي، أنّ الموافقة على هذا الطلب مخاطرة كبيرة، على اعتبار أنّ ذلك يمنح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان القدرة على التحكم باقتصاد الغاز، الذي يعدّ من أهم مواطن القوة الاستراتيجية لإسرائيل.

ويحذّر الكاتب ذاته، من الموافقة على الطلب التركي الذي وصفه بـأنه يمثل "انتحاراً" لإسرائيل، لا سيما في ظل تاريخ التجربة مع الزعيم التركي، معتبراً أنّ هذه الموافقة ستمس بالعلاقات مع اليونان وقبرص، إذ إن إسرائيل اتفقت بالفعل مع حكومتَي البلدَين على تصدير الغاز الإسرائيلي عبرهما إلى أوروبا.

اقرأ أيضاً السياسة الخارجية التركية: تحولات تفرضها المصالح والأزمات

المساهمون