موازنة غير مسبوقة لـ"الحشد" تؤجج الأزمة السياسية في العراق

موازنة غير مسبوقة لـ"الحشد" تؤجج الأزمة السياسية في العراق

26 نوفمبر 2015
موازنة الحشد لم تحظَ بالإجماع في مجلس الوزراء(حيدر هادي/الأناضول)
+ الخط -

تُنبئ الموازنة المالية الجديدة للعام 2016 في العراق بأزمة سياسية إضافية في البلاد، لا تقل خطورة عن الأزمات الحالية التي لا تزال تشكل عامل إثقال لمسار العملية السياسية المترنح أصلاً بسبب خضوع أكثر من ثلث البلاد لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". ويعود مصدر الأزمة الجديدة إلى حصول مليشيات الحشد الشعبي على مخصصات مالية كبيرة، تتفوق فيها على بعض موازنات جيوش نظامية في المنطقة، بحسب ما تؤكده مصادر حكومية عراقية لـ"العربي الجديد".

ووفقاً لمسؤولين عراقيين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن الحكومة أقرّت مبلغ ترليون و450 مليار دينار، أي ما يعادل مليارا و200 مليون دولار، لصالح مليشيات الحشد الشعبي ضمن موازنة العام 2016، بعد ضغوط تعرض لها رئيس الحكومة حيدر العبادي على مدار الشهرين الماضيين. وبحسب المصادر نفسها، فإن قيادات الحشد اعترضت على المبلغ، مطالبة بأن تكون الموازنة 2 ترليون دينار (قرابة مليار و800 مليون دولار)، كونها لا تكفي لتغطية عملياتهم العسكرية".

اقرأ أيضاً: علي القيسي... الضحية رقم واحد في سجن أبو غريب

وفي السياق، يقول مسؤول عراقي بارز في حكومة العبادي، إن "رئيس الوزراء خصص ضمن الفقرة (ج) من بند المخصصات المالية للأمن والدفاع مبلغ ترليون و450 مليار دينار لمليشيات الحشد، حيث احتسب عديد قواتها بنحو 110 آلاف مقاتل، إلا أن العدد الفعلي الذي يقاتل على الأرض لا يتجاوز 55 ألفا، لذلك فإنّ الموازنة تبقى كبيرة جداً".
ويضيف المسؤول، وهو وزير في حكومة العبادي، أن "الموازنة وصلت البرلمان ويتوقع أن يكشف عن تفاصيلها بعد أيام من خلال الجلسات المفتوحة لمناقشتها، ومن المؤكد أنها ستثير ضجة كبيرة". ويلفت إلى أنّ "المبلغ المخصص للحشد يكفي كموازنة لجيوش دول كاملة من دول المنطقة حالياً، ولا سيما إذا ما علمنا إن الحشد يمول أيضاً من إيران ولا ينفق سوى مرتبات عناصره وطعامهم والسلاح والذخيرة كلها تأتيه مجاناً من طهران أو من مخازن وزارة الدفاع". يشار إلى أن موازنة وزارة الدفاع الأردنية على سبيل المثال للعام 2015 لا تتجاوز 1.4 مليار دولار.
ويوضح المصدر نفسه أّنّ موازنة الحشد الشعبي "لم تحظَ بالإجماع خلال تصويت مجلس الوزراء عليها، لكنها مررت بشكل أو بآخر تحت خانة أهمية حشد الجهود لقتال داعش". ويعتبر أنّ "وضع فقرة بالموازنة الاتحادية بعنوان الحشد الشعبي بصفته مليشيات هو تشريع لعملها ونسخ وتهميش دور القوات النظامية التي تعاني أصلاً من تسيّد المليشيات عليها، كما أنها رسالة للمكونات الأخرى أن انتهاكات وجرائم هذه المليشيات ضدكم مقبولة من الحكومة".

وتثير الخطوة امتعاضاً كبيراً من قبل الأطراف السياسية العراقية، وتحديداً المكونين الكردي والسني، ولا سيما أن موازنة البيشمركة أقل بكثير من موازنة الحشد الشعبي على الرغم أهميتها، فيما لم تتطرق الموازنة إلى أي تخصيصات لمقاتلي العشائر البالغ عددهم نحو 30 ألف مقاتل في كل العراق.

وفي السياق، يشير مقرر اللجنة المالية في البرلمان العراقي، أحمد حمه رشيد، في تصريحات صحافية إلى أنّ "الحشد الشعبي يحصل الآن على خمسة أضعاف موازنة البيشمركة"، لافتاً إلى أن "المليشيات لا تزال تطالب بترليون دينار آخر".
من جهته، يرى عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، هوشيار عبد الله، أن الحشد الشعبي يحتل المرتبة الأولى في الأوساط الشيعية، وهم يعتقدون أنه لولا الحشد الشعبي لانتهت سلطتهم في العراق، ولهذا تم منحه اهتماماً بالغاً من ناحيتي الأسلحة الثقيلة والمخصصات المالية التي أقرتها الحكومة أخيراً. ويضيف "وزارة الدفاع من حصة المكون السني، ولهذا لم يعط لها من الدعم الممنوح كما أعطي للحشد أو وزارة الداخلية"، على حد قوله.
أما القيادي في مجلس العشائر المناهضة لتنظيم "داعش"، الشيخ عبد العيساوي، فيعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ الموازنة تحمل ترسيخاً واضحاً للطائفية، التي أسسها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، وعلى ما يبدو فإن العبادي سائر عليها".
ويوضح العيساوي أنّ "إغفال الحكومة عن تخصيص موازنة مالية لمقاتلي العشائر، على الرغم من إثباتهم أخيراً أنهم رقم صعب في المعارك ضد تنظيم داعش الإرهابي، أمر سياسي". كما يلفت العيساوي إلى أنّ "الحكومة ربطت موازنة مقاتلي العشائر مع موازنة مجالس المحافظات، وهذا أمر غير منطقي ولا سيما إذا ما علمنا أن مجالس المحافظات نفسها غير قادرة على تسديد مرتبات موظفي العقود المؤقتة لديها". كما يشير العيساوي إلى أن مجلس العشائر المناهضة لتنظيم "داعش"، طالب "الكتل السياسية السنية برفض الموازنة ما لم تصحح ويتم وضع اعتبار للمقاتلين الذين يضحون من أجل إنهاء صفحة داعش من العراق".

في المقابل، يدافع النائب عن التحالف الوطني (الحليف لإيران)، جواد الموسوي، عن الموازنة بقوله "إن الحشد الشعبي صمام أمان وأمسك البلاد بعد انهيار الجيش ولولاه لما كانت هناك حكومة أو برلمان ولسقطت بغداد، لذلك الجميع يولي أهمية له، ويجب أن يُفهم أن ذلك ليس موضوعا طائفيا بل إنه واقع فرض على الجميع". ويلفت إلى أن "موازنة الحشد الشعبي من الممكن أن تشمل مقاتلي العشائر كونهم أيضاً متطوعين وينطبق عليهم ما ينطبق على مقاتلي الحشد الشعبي، ومن هنا يكون التعديل. أما أن نضع لهم موازنة منفردة كالحشد، فهذا غير ممكن".

وفي السياق، يعتبر المحلل السياسي العراقي، محمد المرسومي، أنه "من المرجح أن تقوم الحكومة بتعديل فقرات موازنة الحشد لتدخل قوات العشائر فيها بعدما نسيتها تماماً في تخصيصاتها المالية. كما من المؤكد أنها سترفع موازنة الأكراد وذلك لإسكات الأصوات المعترضة على هذه الموازنة". ويوضح المرسومي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "المبلغ التخميني الذي أنفق على الحشد منذ تأسيسه قبل 14 شهراً كان قرابة 3 ترليون (نحو مليارين و700 مليون دولار) وكلها سحبت من موازنة الطوارئ، لكن حالياً لا مبرر لهذا الرقم، ولا سيما أنّ عددهم تناقص كثيراً وتم إكمال احتياجاتهم الرئيسة".
ويلفت إلى أن "الضغط على العبادي من إيران وقادة الحشد هو من وضع هذا الرقم وليس الواقع الحقيقي على الأرض". ويخلص إلى القول "المليشيات حالياً مهمة جداً في إيقاف داعش، لكن هذا لا يعني تغولها على حساب الحكومة ومقدرات المواطنين ولا سيما أنّ الأزمة المالية على أشدها في البلاد".