التحدّيات الكرديّة بعد تحرير عين العرب

التحدّيات الكرديّة بعد تحرير عين العرب

30 يناير 2015
غابت المرجعية السياسية المشتركة عن احتفالات الانتصار (فرانس برس)
+ الخط -

تطرح كيفية استغلال حزب الاتحاد الديمقراطي، ومن خلفه الحزب الأم، حزب العمال الكردستاني، للانتصار في معركة عين العرب، الكثير من التساؤلات حول التحديات التي تواجه الحزب، وعلاقته بباقي الأطراف في المنطقة، سواء في ما يخصّ العلاقة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقيادة مسعود برزاني، أو العلاقة مع باقي الأطراف الكردية السورية، أو العلاقة مع أنقرة. ولا تزال الأخيرة الممر الوحيد والأهم للمساعدات، سواء العسكريّة أو الإنسانيّة، في ظلّ حاجة ملحّة لإعادة الإعمار واستكمال تحرير ما يقارب 360 قرية كرديّة تحيط بعين العرب، وما زالت في قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

ولم يتأخر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في المسارعة إلى إغلاق الباب في وجه أي محاولة من قبل الاتحاد الديمقراطي أو العمال الكردستاني، للاستفادة من الانتصار في عين العرب، بإشارته بعد عودته من جولة خارجيّة، إلى أنّ أنقرة لن تسمح بتكوين كيان كردي في شمال سورية، يشبه إقليم كردستان العراق. 

ولاقت تصريحات أردوغان انتقاداً شديداً من قبل النائبة في البرلمان التركي عن حزب الشعوب الديمقراطي فيغان يوكسكداغ، التي قالت: "فليعارض ذلك ما شاء"، مشددّة على أنّ "الإدارة الذاتية حقيقة وستفرض نفسها". وردت يوكسكداغ على تصريحات أردوغان لناحية التحول إلى النظام الرئاسي، بالتأكيد على أن "الشعوب الديمقراطي" لن يسمح بتحول مماثل.

وكان أردوغان واضحاً في التلويح بورقة إعادة إعمار عين العرب، إذ تساءل: "تحرير عين العرب أمر جيد، لكن من سيعيد إعمار ما تمّ تدميره؟ ومن سيحاسب على ذلك؟". ويضيف: "لم يحسب أحد حساب المستقبل، هل يمكن أن يعود 200 ألف لاجئ؟ وأين سيقطنون"؟.
ولم يفت أردوغان المرور على عمليّة السلام مع العمال الكردستاني، بإعلانه أنّ "استغلال ورقة عين العرب في المفاوضات الجارية بين الطرفين أمر غير ممكن"، مشدداً على أنّ "عملية السلام ليست عملية مساومة وأخذ ورد".

وعلى الرغم من التسريبات التي تتحدث عن وعود روسيّة للاتحاد الديمقراطي بدفع النظام السوري نحو الاعتراف الدستوري بالإدارة الذاتيّة، لكنها تبدو غير ممكنة من الناحية العملية في ظل معارضة أنقرة، وخصوصاً أنّ الحكومة التركية أجادت استخدام أوراقها في الفترة الأخيرة لتحسين موقعها. وتعتبر موسكو أنقرة الآن، صديقاً مهماً، خصوصاً في ظلّ العقوبات الغربيّة المفروضة عليها والتي أنهكت اقتصادها.

وفي ما يتعلّق بواشنطن، تعكس تصريحات المسؤولين الأميركيين بشكل واضح، أنّ الادارة الأميركيّة لن تتخلى عن حليفها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بكل الأوراق التي تمتلكها الأخيرة في المنطقة لصالح الاتحاد الديمقراطي. وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجيّة جنيفر بيساكي، توقفت عند "التعاون الوثيق مع تركيا"، في إطار ردها على سؤال حول تقييم إدارتها للتعاون مع تركيا بشأن عين العرب. وتعتبر بيساكي، وفق ما أوردته في تعليقها، أنّ الأتراك "ساهموا في كل بند من الجهود المبذولة لهزيمة داعش، ولذا فإننا بالتأكيد نشعر بالرضا عن تعاوننا المستمر، الذي لا يقتصر فقط على منطقة واحدة، ولكن حول كل الجهد المبذول لهزيمة داعش"، لافتة إلى أنّه "لا شيء يعلو فوق خطر المقاتلين الأجانب من مواطني أوروبا الذين ينضمون إلى تنظيم داعش، وتُعتبر تركيا المفتاح الوحيد في تعقبهم".

في غضون ذلك، يبدو أنّ الأزمة ستستمر، ولن يحصل أي انفراج في ما يخص تفعيل اتفاقيتي هولير ودهوك اللتين عقدتا بين المجلس الوطني الكردي المدعوم من قبل أربيل، والاتحاد الديمقراطي برعاية مسعود البرزاني. ولا تزال المرجعيّة السياسيّة الكرديّة المشتركة، التي أفرزتها الاتفاقية مشلولة تماماً.
وفي سياق متصل، يرى الكاتب الكردي السوري، المتحدّر من عين العرب، فاروق حجي مصطفى، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، أنّ "المرجعيّة ليست إلا كياناً شكلياً". ويقول: "أوضحت احتفالات النصر بتحرير (كوباني) أنّ المرجعيّة لا قيمة لها لدى القوى السياسيّة الكرديّة السوريّة، فالقوى التي عجزت عن جمع صفوفها أثناء الحرب، عجزت عن الاتفاق حول الانتصار".

ويشير كذلك إلى أنّه "تبيّن أن الاتحاد الديمقراطي حتى الآن، لم يُعر أي اهتمام بالمرجعيّة، وكذلك أعضاء المجلس الوطني الكردي، الذين نسوا أنّ هناك مرجعيّة وكان عليهم التشاور حول كيفية إعلان الانتصار على الأقلّ". ويقول إنّ "أعضاء المرجعية في المراسم الإعلامية غابوا عن مراسيم إعلان الانتصار، التي اقتصرت على القوى العسكريّة ورئيس كانتون كوباني أنور مسلم، مما يؤشّر إلى أنّ المرجعيّة لا تزال شكلية".

من جانبه، يبدي الصحافي الكردي السوري، أحمد قيليج، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، يأسه من "إمكانيّة تفعيل أيّ عمل كردي سياسي مشترك من دون ضغوط دوليّة"، متوقّعاً "تعاظم هذه الضغوط على الاتحاد الديمقراطي بعد الانتصار إن أراد استمرار تدفق الدعم"، داعياً الأطراف الكرديّة إلى استغلال الانتصار في عين العرب. ويقول في هذا الإطار إنّ تحرير عين العرب من "داعش" يشكلّ "فرصة للاتحاد الديمقراطي ليراجع طريقة تعاطيه مع معارضيه في المجتمع الكردي، أحزاباً وأفراداً، كون وحدات الحماية تحظى الآن بزخم عاطفي ودعم كبير من قبل المجتمع الكردي".

ويعرب عن اعتقاده بأنّه "من واجب الاتحاد الديمقراطي إجراء مراجعة ذاتيّة عميقة وتفعيل اتفاقية دهوك، كما أنّ من المطلوب من المجلس الكردي أن يطور آليته لتجاوز خلافته وبنيته الهشة"، مشدداً على أنّ "تفعيل اتفاقيّة دهوك سيحصل، سواء قبلت الأطراف الكرديّة أم لا، لأن ذلك بات باختصار مطلباً دولياً من قبل القوى الغربيّة، للاستمرار في الدعم".

وعلى الرغم من تجاهل بيان الاتحاد الديمقراطي، الذي أعلن تحرير عين العرب، لدور قوات البيشمركة في المعركة، في ظلّ الخلافات التي اندلعت بين "العمال الكردستاني" و"الديمقراطي الكردستاني"، بعدما أعلن الأخير كانتون شنغال ومن ثم تراجع عنه، يقول محللون أكراد إنّ الأمور لن تسير نحو توتر أكبر بين الطرفين لأسباب عدة، أهمها أنّ تجربة المعركة في عين العرب وتطوراتها أثبتت للاتحاد الديمقراطي أنّ دور أربيل محوري. ويؤكّد قليج هذا الأمر بإشارته إلى أنّ "الاتحاد الديمقراطي سيتصرف ببراغماتية، إذ لا يمكنه خلق صدام مع "الديمقراطي الكردستاني"، لأنّ تجربة كوباني كشفت له أن الطريق يمرّ من أربيل". ويضيف: "كل الطرق نحو المجتمع الدولي لا بدّ وأن تمرّ من أربيل التي أصبحت مركزاً موثوقاً بالنسبة إلى معظم القوى الغربيّة".