بريطانيا وكابوس غزو العراق: نتائج "تحقيق شيلكوت" مؤجلة

بريطانيا وكابوس غزو العراق: نتائج "تحقيق شيلكوت" مؤجلة

25 يناير 2015
يعتبر بلير المتهم الرئيس بالوقوف وراء قرار تأجيل التقرير(Getty)
+ الخط -

قرار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير الالتحاق بالولايات المتحدة وغزو العراق في العام 2003، كان غير مسبوق منذ مشاركة بريطانيا في العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956. من هنا يمكن فهم الأهمية التي دفعت خلفه، رئيس الوزراء السابق غوردن براون، إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة بهدف الوقوف على الدوافع الحقيقية التي جعلت بلير يتخذ ذلك القرار، على الرغم من المعارضة التي امتدت من مجلس العموم إلى قيادات في الأحزاب (بما فيها حزب العمال) وصولاً إلى ملايين المتظاهرين الذين خرجوا في شوارع لندن، وغيرها من المدن ضد مشاركة الجيش البريطاني في غزو العراق. غير أن اللجنة التي تشكلت برئاسة السير جون شيلكوت أجّلت الإعلان عن نتائج عملها طيلة أكثر من خمس سنوات منذ تأسيسها في العام 2009، ويرجح البعض ألا ترى نتائج التحقيق النور قبل مطلع العام المقبل.

وقد عمدت اللجنة التي كان يفترض أن تنشر تقريرها نهاية العام 2011 إلى تأجيل الإعلان عن نتائج تحقيقاتها أكثر من مرة، كان آخرها يوم الأربعاء الماضي عندما كتب رئيس اللجنة رسالة إلى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، أخبره فيها أن اللجنة لن تكمل عملها وتنشر تقريرها قبل السابع من أيار/مايو المقبل موعد الانتخابات العامة في بريطانيا.

وعلى الرغم من أن كاميرون تقبّل ما جاء في رسالة تشيلكوت، معتبراً أن ‏الجدول الزمني وعملية إكمال عمل اللجنة أمر يعود لها وليس للحكومة، إلا أن نائب رئيس الوزراء البريطاني، نيك كليج، حذر من خطر التلاعب بنتائج التحقيق. واعتبر زعيم حزب الأحرار الديمقراطي أن قرار التأجيل غير مفهوم للشعب، بينما ‏اتهم عدد من أعضاء الحزب اللجنة بمحاولة التخفيف من مضمون نتائج التقرير.‏

المتسائلون عن أسباب التأجيل، قالوا إن مبررات التأخير التي قدمها السير تشيلكوت في المرات السابقة كانت مقبولة أو مفهومة، لأنها تتعلق بجوانب فنية من قبيل تعدد الجهات والأشخاص الذين يخصهم التحقيق، وصعوبة المفاوضات حول الأجزاء التي يمكن نشرها من محاضر اجتماعات الحكومة، وضرورة إجراء محادثات دقيقة مع الإدارة الأميركية حول ما يمكن نشره من الملاحظات، ‏والمحادثات بين رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير والرئيس الأميركي السابق جورج ‏بوش، إضافة لإصابة عدد من أعضاء اللجنة بوعكات صحية عارضة. أما التأجيل الأخير فلا يبدو مفهوماً للكثيرين على الرغم من أن رئيس اللجنة علله بضرورة منح أفراد من بينهم بلير فرصة الرد على الانتقادات الموجهة لهم في التقرير، وهذا امر قانوني ومشروع.
غير أن هذا المبرر، على وجاهته القانونية، لم يقنع الكثيرين ومنهم لجنة الشئون الخارجية في مجلس العموم البريطاني التي طلبت من شيلكوت المثول أمامها، في غضون الأسبوعين المقبلين لتفسير تأجيله للإعلان عن نتائج التحقيق، وتحديد موعد نهائي لنشر تقرير عمل اللجنة.

عدد من أعضاء مجلسي النواب واللوردات من أمثال اللورد هير والنائب ييتر تابسل والنائبة ديانا ابوت، اعتبروا أن التأخير مجدداً في نشر نتائج التحقيق "عار وفضيحة"، ووجهوا أصابع الاتهام إلى أشخاص ذوي نفوذ سياسي يقفون وراء التأجيل.

بلير، المتهم الرئيس في الوقوف وراء قرار التأجيل، سارع للرد بالقول إنه "سعيد بنشر تقرير لجنة التحقيق بأسرع وقت لأن ذلك سيساعده في تأكيد صحة قراره لغزو العراق في العام 2003". وأضاف رئيس الوزراء البريطاني السابق، متحدثاً لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" من منتدى دافوس إن "من يوجهون اللوم لي مخطئون تماماً لأن نشر التقرير سيعطيني الفرصة لشرح الأسباب التي جعلتني أقوم بما قمت به وأعتقد أن ما قمت به هو الصواب".

ومع أن تأجيل الإعلان عن نتائج عمل اللجنة لا يتوقع أن يؤثر كثيراً على نتائج الانتخابات العامة المقبلة، إلا أن قيادات حزب الأحرار الديمقراطي التي عارضت غزو العراق، لا تستبعد أن يكون التأجيل قد تم بتواطؤ بين حزب المحافظين الذي لم يعارض الغزو، وحزب العمال الذي اتخذ زعيمه آنذاك طوني بلير قرار المشاركة في الغزو.

الصحف البريطانية التي اهتمت كثيراً بتأجيل شيلكوت الإعلان عما توصلت إليه تحقيقات لجنته التي استمعت لأكثر من 150 إفادة، اعتبر بعض كتابها أن قرار التأجيل يعدّ إهانة جديدة للرأي العام. وبينما أبدت افتتاحية صحيفة "فايننشال تايمز" تخوفاً من أن يثير قرار التأجيل حفيظة عائلات الجنود الذين قتلوا أو أصيبوا في حرب العراق، اعتبرت صحيفة "التايمز" أن التأجيل يعزز مخاوف البعض من أمثال زعيم حزب الأحرار الديمقراطي نيك كليغ من تلاعب اللجنة بنتائج التحقيق. أما افتتاحية صحيفة "ديلي تلغراف" فقد قللت من أهمية نتائج التحقيق أو تأثيرها على الرأي العام. ورأت الصحيفة أنها "لن تغير نتائج التحقيق من قناعات أغلبية الجمهور البريطاني الذي يعرف تماما من يتحمل مسؤولية قرار المشاركة البريطانية في حرب العراق، وما خلّفه من خسائر بشرية ومادية في بريطانيا والعراق". وقد أشار الكاتب سايمون جينكينز في صحيفة "الغارديان" إلى ذلك صراحة بقوله "الجميع يعرف أن بلير هو من يتحمل المسؤولية. واعتبر جينكينز أن التأجيل ربما يكون مقصوداً، فـ "كلما طال انتظارنا لنتائج التقرير قل اهتمامنا بما سيكشف عنه تحقيق السير شيلكوت ولجنته".

المساهمون