القوّة الأفريقيّة لقتال "بوكو حرام": دفع أوروبي لمصالح خاصة

القوّة الأفريقيّة لقتال "بوكو حرام": دفع أوروبي لمصالح خاصة

20 يناير 2015
تساؤلات حول إمكان نجاح القوة الأفريقية (فرانس برس)
+ الخط -

انطلقت مشاورات داخل أروقة الاتحاد الافريقي لتشكيل قوة قتالية للتصدي لجماعة "بوكو حرام" المتطرفة في نيجيريا، بعد تمدّد الجماعة إلى الكونغو وتنفيذها لهجمات وتفجيرات انتحارية أدت إلى مقتل عشرات الآلاف، فضلاً عن تشريد الملايين من الأُسر، إضافة إلى سيطرة الجماعة على نحو 50 ألف كيلومتر من المناطق في نيجيريا.

وعلمت "العربي الجديد" أن الاتحاد الافريقي بصدد اتخاذ قرار تشكيل القوة القتالية خلال اجتماعات القمة التي ستُعقد في الثلاثين من الشهر الحالي. وأكدت مصادر متطابقة أن الخطوة جاءت بإيعاز من الاتحاد الأوروبي، ولا سيما فرنسا التي بدأت تقلق بشكل جدي من تنامي الإرهاب في أفريقيا، وخصوصاً بعد الهجمات التي تعرضت لها أخيراً.

تأسست جماعة "بوكو حرام" في يناير/ كانون الثاني من العام 2002، وهي جماعة سلفية جهادية مسلّحة تدعو لإقامة الدولة الإسلامية في نيجيريا وتطبيق الشريعة الاسلامية في جميع ولاياتها، وعُرف عن الجماعة رفضها للتعليم الغربي الذي ينتشر في أنحاء واسعة من البلاد نتيجة للاستعمار الغربي الذي جثم على صدرها فترة من الزمن.

الجماعة، التي أُطلق عليها أخيراً "طالبان نيجيريا" أسوة بحركة "طالبان" في أفغانستان وباكستان، بدأت عملياتها العسكرية في نيجيريا في يوليو/ تموز 2009، ما أدى إلى مقتل ما يتجاوز 13 ألف شخص خلال السنوات الست الماضية، وشرّدت ما يزيد عن الثلاثين ألف شخص، وفقاً لمنظمات حقوق إنسان.

وتسيطر الجماعة بشكل شبه كامل على شمال نيجيريا، وبعد تمدد وبروز تنظيم "داعش" في العراق وسورية، ظهرت لدى الجماعة طموحات في إقامة دولة إسلامية، فتمدّدت أخيراً نحو الجزء الغربي للكونغو، حيث بدأت بتنفيذ عمليات انتحارية هناك، لا سيما في ظل عجز الحكومة في نيجيريا عن حسم المواجهة معها، على الرغم من تصنيف الجيش هناك كأفضل قوة قتالية بين دول غرب أفريقيا، فضلاً عن رفض الجنود الذهاب إلى شمال البلاد لمواجهة "بوكو حرام" بحجة عدم اتزان ميزان القوة وامتلاك الجماعة لأسلحة متطورة تفوق ما بحوزة الجيش النيجري. وسبق أن واجه ضباط وجنود حكم الإعدام بسبب ذلك الرفض، آخرها كان حكم الإعدام الذي صدر بحق 54 من القوات الخاصة منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

ويرى مراقبون أن تدخّل أفريقيا في المشهد النيجيري والكاميروني، لم يأتِ من رغبة حقيقية من تلك الدول باستثناء دول غرب أفريقيا التي تتخوّف من تمدّد الجماعة إلى أراضيها. ويعتبر المراقبون أنها محاولة من الاتحاد الأوروبي، وفرنسا خصوصاً، لحث الأفارقة على التدخل العسكري، لا سيما أن أي تدخل غربي من شأنه أن يوسّع دائرة الصراع ويقود لاستقطاب متطرفين جدد من كافة أنحاء أفريقيا لمناصرة الجماعة مع تحويل الحرب "لقتال مسلم ضد كافر".

أول تدخل عسكري للاتحاد الأفريقي في دولة عضو جرى في مايو/ أيار 2004، حين نشرت قوة لحفظ السلام من جنوب أفريقيا وإثيوبيا وموزمبيق في بوروندي للإشراف على تنفيذ العديد من الاتفاقيات العسكرية هناك، كما بدأت قوات الاتحاد الأفريقي الانتشار في الصومال وأنشأت أربع قواعد عسكرية هناك لحسم المواجهة مع حركة "الشباب" المسلحة، لكنها لم تحقق النتائج المرجوّة.

كما نُشرت قوات لحفظ السلام من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في إقليم دارفور في السودان، لكن التجربة أيضاً وُوجهت بانتقادات لاذعة، حتى أن النظام في الخرطوم شنّ هجوماً لاذعاً على تلك القوات. وتحدث الرئيس السوداني، عمر البشير، في أكثر من مناسبة عن "ضعف" قوات "اليوناميد" المنتشرة في دارفور، وأكد أنها عاجزة عن حماية نفسها وتطلب الحماية من الحكومة.

ويرى مراقبون أن غياب تجربة ناجحة يُصعّب نجاح أي قوات قتالية أفريقية في تنفيذ مهامها، فضلاً عن اختلاف المصالح الأفريقية، والتداخل القبلي والنزاعات الداخلية والحرب الأهلية التي تكاد تكون موجودة في كل بلد أفريقي وتستنزف موارده، فضلاً عن الحالة الاقتصادية السيئة التي تضرب اقتصادات عدد كبير من الدول الأفريقية التي يعجز معظمها عن مجرد تسديد اشتراكات العضوية في الاتحاد الأفريقي الذي يعتمد بدوره في تسيير مهامه على دعم المجتمع الدولي، وخصوصاً الغربي والأميركي.

ويقول مدير المركز الأفريقي لدراسات حقوق الانسان في الاتحاد الأوروبي، عبد الناصر سلم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الخطوة تأتي في إطار التحرك العالمي لإضعاف المنظمات الإرهابية والتي تمثّلها في أفريقيا "بوكو حرام".

ويوضح أن هذه الجماعة "أصبحت تُشكّل مصدر قلق كبير للدول الأوروبية والولايات المتحدة، لذا تعمد هذه الدول إلى دعم وتمويل التدخّل العسكري الأفريقي للقضاء على الحركة في نيجيريا والكونغو، وخصوصاً أن تلك القوى الدولية غير جاهزة لقتالها مباشرة بعد ما حصل في سورية والعراق، كما أن هكذا خطوة ستفتح عليها باباً لا تُحمد عقباه، فضلاً عن أن حرب الجماعة النيجيرية هي حرب عصابات".

ويؤكد سلم أن الاتحاد الأفريقي ليس بمقدوره تكوين قوات بمعزل عن مساندة الأوروبيين بسبب وضعه الاقتصادي، لأن العملية تتطلب كلفة مالية ضخمة، كما أن عملية القضاء على الجماعة تتطلب عمليات عسكرية قد تستمر لثلاثة أعوام إذا ما توفر لها الدعم الكافي، لأن قوات "بوكو حرام" متحركة ويصعب قصفها بالطيران، إضافة إلى غياب المعلومات الدقيقة بشأن عتادها وقواتها.

من جهته، يستبعد الخبير الأمني السوداني، حسن بيومي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تنجح أي قوة قتالية للاتحاد الأفريقي في إحراز تقدم على الأرض لفض النزاعات في أي دولة عضو، بسبب قلة موارد الاتحاد باعتبار أن العملية تتطلب ميزانيات ضخمة وعمليات تدريب وقيادة.

ويشير إلى أن "هناك مشكلة حقيقية ستُواجه أي قوة للاتحاد الأفريقي، تتمثّل في تباين العقيدة والفلسفة القتالية لدول القارة، فضلاً عن اختلاف المصالح وامتداد وتداخل القبائل"، معتبراً بالتالي أن "القوة المرتقبة لن تخرج عن الإرادة والتحريك والدعم الغربي وستكون لمهمة محددة تنتهي بانتهائها"، لافتاً إلى أن عمليات الانتشار التي تمت من قِبل الاتحاد الأفريقي في الصومال والسودان لم تنجح.

أما رئيس مركز دراسات السلام في جامعة جوبا، لوكا بيونق، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن "أفريقيا تفتقر للموارد التي تُمكّنها من تشكيل قوات تدخل سريع في النزاعات الإقليمية، كما أن معظم نشاطاتها حول حفظ السلام ورعاية المفاوضات ترتبط بالدعم الغربي"، مشيراً إلى أن "أي تدخّل عسكري يعتمد على أرضية اقتصادية قوية، كما أن للغرب حسابات وأغراض خاصة به".

يُذكر أن الرئيس الغاني، جون ماهاما، أعلن أن قادة دول غرب أفريقيا يدرسون تشكيل قوة عسكرية مشتركة لمواجهة "بوكو حرام" المسلّحة بعد الحصول على دعم من الاتحاد الافريقي، بينما اتجهت قوات تشادية إلى الكاميرون للمشاركة في قتال الجماعة، بعد أن صادق البرلمان التشادي على إرسال قوات إلى هناك. وهي ليست المرة الاولى التي تعمد فيها تشاد للمشاركة في قتال المجموعات المسلّحة التي تهدد الدول المجاورة لها، إذ سبق لها أن أرسلت قوات مقاتلة إلى مالي وأخرى إلى الصومال، لتُعدّ تشاد أولى الدول الافريقية المُبادِرة إلى مساندة جاراتها عسكرياً، فيما يُعدّ الجنود الأثيوبيون الأكثر انخراطاً في بعثات حفظ السلام.

المساهمون