"الشبكة السورية لحقوق الانسان" تستعرض "هولوكست" 2014

"الشبكة السورية لحقوق الانسان" تستعرض "هولوكست" 2014

01 يناير 2015
آلاف الأطفال قُتلوا في الصراع (أبو محمد/الأناضول)
+ الخط -
في بداية عام 2014 كانت (س.م 25 عاماً)، طالبة في السنة الثالثة في كلية الآداب، قسم الأدب العربي بجامعة حلب. وأثناء اقتحام قوات الأمن السوري حرم الجامعة، حاولت الشابة السورية تصوير ما يحدث، غير أنّ أحد عناصر الأمن أوقفها. ومنذ ذلك الحين، تقبع سلمى في فرع المخابرات العسكرية بحلب، حيث تناوب ستة عناصر من هذا الفرع على اغتصابها يومياً لثمانية أشهر، وتمت عمليات الاغتصاب بالتوازي مع عمليات الضرب والتعذيب.
 عندما خرجت الفتاة من الفرع كانت حاملاً بطفل في الشهر الخامس. وفي يوم السبت 13 سبتمبر/أيلول، قرابة الساعة الثانية فجراً، ألقت الفتاة بنفسها من الطابق الثالث في أحد الأبنية، ما أدى إلى تهشم جسدها، وخروج الجـنين من بطنها. حدث ذلك بعد شهر واحد من خروجها من المعتـقل.
حكاية تلك الشابة، هي واحدة من آلاف الانتهاكات، التي تعرّض لها السوريون في عام 2014، ودأب النظام السوري على ممارستها منذ بداية ثورتهم عام 2011، والتي تدخل اليوم عامها الخامس، مع تعدّد جهات الصراع وزيادة وتيرة العنف بمختلف أشكاله من قبل قوات النظام.
وعملت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" على توثيق كل تلك الانتهاكات، وأصدرت تقريرها الشامل لانتهاكات عام 2014 في سورية، العام الذي ودّعه السوريون فجر اليوم، بكل ما حمل من قتل واعتقال وتشريد وألم. وثّقت الشبكة خلال عام 2014 مقتل ما لا يقل عن 32507 أشخاص على يد قوات النظام، بينهم 24430 مدنياً، و3629 طفلاً، و3714 سيدة، مقابل 8077 من مقاتلي المعارضة المسلحة. أي إن نسبة النساء والأطفال من المجموع الكلي للضحايا المدنيين، بلغت 30 في المائة، وهو ما عدّته الشبكة مؤشراً صارخاً على تعمد قوات النظام استهداف المدنيين.
وتأسست الشبكة السورية لحقوق الإنسان في عام انطلاق الثورة 2011، وتعتمد عليها الأمم المتحدة في الكثير من إحصائياتها الصادرة عنها في تحليل ضحايا النزاع.

إمعان في الاعتقال والتعذيب
وفي ظل عدم وجود أي رادع لنظام بشار الأسد عن ارتكاب جرائمه ضدّ الإنسانية، شهد العام الماضي تصاعداً في حملات المداهمة والاعتقال والإخفاء القسري التي تنفذها قوات النظام السوري، إذ أكدت الشبكة في تقريرها أنه "ضمن سجلات المحتجزين ما لا يقل عن 6400 حالة اعتقال، بينهم قرابة 1200 امرأة، إضافة إلى ما لا يقل عن 800 طفل".

ويوضح مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني، لـ"العربي الجديد" أنّه "صحيح أن سورية ليست طرفاً في الاتفاقية المخصصة لحالات الاختفاء القسري، غير أنّها طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تُحرّم أحكامه الإخفاء القسري. وعبر الممارسة المنهجية والواسعة النطاق لجريمة الإخفاء القسري، يكون نظام الأسد قد ارتكب انتهاكات خطيرة ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، فقد تحوّل قرابة عشرة آلاف شخص إضافي إلى مختفٍ قسرياً خلال عام 2014 وحده، ليتجاوز العدد الكلي للمختفين قسرياً حاجز الـ 95 ألف شخص".
ويؤكد فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ"العربي الجديد" أنه "لا يكاد يمر يوم تقريباً دون أن يسجل فريق توثيق الضحايا مقتل 5 معتقلين بسبب التعذيب، وذلك كمعدل وسطي. وأشد الأفرع الأمنية ضراوة في عمليات التعذيب هو فرع المخابرات العسكرية 215، الذي أطلق عليه اسم "الهولوكوست السوري"، وفرع المخابرات الجوية في المزة، وفرع الأمن السياسي والمخابرات الجوية في حلب، وفرع المخابرات العسكرية في حمص، وفرع المخابرات الجوية في حماه".
وسجّلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان خلال عام 2014، مقتل ما لا يقل عن 1993 شخصاً تحت التعذيب، بينهم 1915 مدنياً، منهم 11 طفلاً، و9 سيدات، أي أن نسبة المدنيين تفوق الـ96 في المائة، مقابل 78 من مقاتلي المعارضة المسلحة.

قاتل الأطفال
لا يُميز القصف العشوائي أو المتعمد، وخاصة على المناطق السكنية، بين طفل أو رجل أو امرأة، لكن كثرة سقوط القتلى من الأطفال مؤشر على استهداف المناطق السكنية، وعشوائية القصف، الذي تتبعه قوات النظام.
فقد وثّقت "الشبكة السورية" في تقريرها مقتل ما لا يقل عن 3629 طفلاً عام 2014، 11 منهم قتلوا داخل مراكز الاحتجاز؛ بسبب تعرّضهم لعمليات التعذيب التي لا تُراعي طبيعتهم البشرية الخاصة.

كما تطرّقت الشبكة إلى الحصار الذي فرضته قوات النظام على بعض المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، كالغوطة الشرقية، ومخيم اليرموك (دمشق)، والذي تسبّب بمقتل ما لا يقل عن 152 طفلاً في عام 2014 وحده، وذلك بسبب نقص الغذاء والدواء نتيجة الحصار.

حقل تجارب
استخدمت قوات النظام السوري مختلف أنواع الأسلحة في محاولتها قمع الثورة السورية، من القنابل البرميلية، وصواريخ "سكود"، وغيرها من أسلحة القصف العشوائي على امتداد شمال البلاد وجنوبها، وقد اتصفت 95 في المائة من تلك الهجمات بعشوائيتها المفرطة التي لا تميّز بين مقاتلين ومدنيين، والـ 5 في المائة المتبقية استهدفت مقرّات مقاتلين أو مراكز عسكرية، لتحوّل قوات النظام المدنيين في سورية إلى حقل تجارب لمختلف أنواع السلاح.
وأكّد تقرير "الشبكة السورية" تعرّض مدينة داريا الواقعة في ريف دمشق إلى أكثر من 330 قنبلة برميلية، في الفترة الممتدة ما بين بداية عام 2014 حتى 20 فبراير/شباط، بينما ألقت الطائرات المروحية التابعة للنظام السوري ما لا يقل عن 508 قنبلة برميلية على أحياء سكنية في مدينة حلب، في المدة الواقعة بين 28 يناير/ كانون الثاني حتى 14 فبراير/شباط.
في حين تطرّق تقرير الشبكة إلى القتل بالقنص. وفي هذا الجانب وثّق مقتل 32 مدنياً، بينهم 4 أطفال وسيدتان برصاص قنّاصي النظام خلال عام 2014 وحده.
إلى جانب ذلك، أكّد التقرير استخدام القوات الحكومية غازات سامة، من ضمنها غاز الكلور، ما لا يقل عن 59 مرة، وذلك في 19 منطقة في سورية.

حصل كل ذلك بعد إصدار مجلس الأمن قراره رقم 2118 في 27 سبتمبر/ أيلول 2013، القاضي بحظر استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، والذي يُهدّد بالعودة إلى الفصل السابع في حال خرق القرار، وقد خرقت القوات الحكومية القرار بما لا يقل عن 59 مرة.
واعتبرت الشبكة عام 2014، من أكثر الأعوام التي استخدمت فيها قوات النظام الذخائر العنقودية، إذ نفّذت خلاله ما لا يقل عن 92 هجوماً في مختلف الأراضي السورية، أودت بحياة العشرات، بينهم نساء وأطفال.

قتل عشوائي
استمرت قوات النظام باستهدافها الأطباء والنقاط الطبية، ورجال الدين ودور العبادة، إضافة إلى الإعلاميين، سواء بالقتل المباشر، أو التعذيب في السجون، أو الخطف والتضييق. ففي عام 2014 وثّقت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 131 ناشطاً من الكوادر الطبية، بينهم 4 سيدات، على يد قوات النظام. إضافة إلى استهداف أكثر من 72 مشفى ونقطة طبية خلال العام نفسه.
لم تكن النقاط الطبية الوحيدة تحت مرمى نيران قوات النظام، إذ تمّ استهداف أماكن العبادة من مساجد وكنائس، واستخدامها في بعض الأحيان كمقرّات لقصف مناطق محيطة. وقد سجّل التقرير استهداف ما لا يقل عن 244 دار عبادة من قِبل القوات الحكومية خلال عام 2014.

في المقابل كان عام 2014 عاماً أسود على الإعلاميين في سورية، إذ استمرّ نهج النظام السوري في استهدافه للإعلاميين والصحفيين. وتتنوّع الانتهاكات التي تُمارس في حقّهم، كالقتل والاعتقال، فقد أكّدت الشبكة مقتل 211 إعلامياً، بينهم امرأة واحدة، و7 تحت التعذيب، قتلتهم قوات النظام خلال عام 2014 وحده.

المليشيات الطائفية
بدأت تظهر دلائل وجود مقاتلين وفصائل شيعية تقاتل إلى جانب نظام بشار الأسد في أواخر عام 2011، إذ اعتقل مقاتلو المعارضة المسلّحة مقاتلين ينتمون إلى جيش "المهدي"، التابع للزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر. وفي صيف 2012 ظهر لواء "أبو الفضل العباس"، ليظهر بعده "حزب الله" اللبناني في الصراع بشكل مُعلن في أبريل/نيسان 2013 في القصير وريفها.


ويؤكّد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، أن "هذه المليشيات مارستْ انتهاكات واسعة في جميع المحافظات السورية، لكن في عام 2014، تركّز وجودها في محافظة حلب التي اتجهت إليها بعد حسم معارك القصير".

ويضيف "شهدَ ريف حلب مجازر بحقّ الأهالي، وعمليات إعدام خارج نطاق القانون، إضافة إلى العديد من حالات العنف الجنسي، ما يشكّل جرائم ترتفع إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، أبرزها مجزرة خناصر بريف حلب، حيث أعدمت قوات لواء أبي الفضل العباس المسيطرة على بلدة خناصر 26 شاباً من أبناء البلدة".
كما وثّقت الشبكة عمليات سلب ونهب قامت بها تلك المليشيات، بعد عمليات القتل والإعدام والمجازر في ريفي حلب الجنوبي والشرقي.

جرائم أطراف الصراع
وثّقت الشبكة السورية في تقريرها انتهاكات من جهات مسلّحة مختلفة على الأراضي السورية خلال عام 2014، إذ أورد تقريرها أن قوات الحماية الكردية انتهجت سياسة اعتقال المدنيين؛ بهدف التجنيد القسري بشكل رئيسي، إضافة إلى النشطاء الذين ينتمون إلى تيارات سياسية معارضة لها. وبلغ عدد المعتقلين لدى قوات الحماية نحو 580 شخصاً، بينهم 48 طفلاً، و19 امرأة، تعرّض الكثير منهم لظروف احتجاز وتعذيب بالغة السوء والقهر، وقُتل بسبب ذلك 4 أشخاص حتى اللحظة.

في حين قتل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في عام 2014، ما لا يقل عن 3557 شخصاً، يتوزّعون بين 915 مدنياً، من ضمنهم 132 طفلاً، و79 سيدة، إضافة إلى 2642 من مقاتلي المعارضة المسلّحة، وذلك عبر عمليات الإعدام أو القصف العشوائي أو التعذيب.
وأكّدت الشبكة أن التنظيم قد قتل أكثر من 21 إعلامياً منذ بداية عام 2014، أبرزهم الصحفيان الأميركيان: جيمس فولي، وستيفن سوتلوف، بينما سُجل اعتقال ما لا يقل عن 1800 شخصاً، خلال عام 2014 على يد التنظيم، بينهم نحو 230 طفلاً، و210 سيدات، وقد تم الإفراج عن 122 شخصاً منهم.

في المقابل، أقدم تنظيم "جبهة النصرة" على قتل ما لا يقل عن 153 شخصاً خلال عام 2014، بينهم 124 مدنياً، ضمنهم 18 طفلاً، و17 سيدة، و29 من مقاتلي المعارضة المسلحة.
في الوقت الذي بلغ فيه عدد المعتقلين من قبل "النصرة" خلال عام 2014، ما لا يقل عن 950 شخصاً، بينهم 36 طفلاً، و21 سيدة، من ضمنهم ما لا يقل عن 450 شخصاً، هم في عداد المختفين قسرياً.
ووثق تقرير الشبكة مجموعة من الانتهاكات على يد فصائل المعارضة المسلحة خلال عام 2014، تمثلت بعمليات القصف العشوائي بقذائف الهاون على المناطق التي تخضع لسيطرة القوات الحكومية، وهذا تسبب بمقتل عدد كبير من الأهالي المدنيين، بشكل رئيسي في أحياء دمشق وحلب. وسُجّل مقتل ما لا يقل عن 1257 شخصاً يتوزعون على الشكل التالي: 1183 مدنياً، بينهم 291 طفلاً، و242 سيدة، إضافة إلى 74 مقاتلاً من عناصر المعارضة المسلّحة أنفسهم، وذلك خلال عمليات الاشتباك في ما بينهم.
في المقابل، أقدمت بعض فصائل المعارضة المسلحة على اعتقال ما لا يقل عن 650 شخصاً، بينهم 16 طفلاً، و11 سيدة، في حين أُفرج عن 36 معتقلاً، وبلغ عدد المختفين قسرياً أكثر من 760 مختفياً.
كما سجلت الشبكة انتهاكات قوات التحالف الدولي التي بدأت حملتها العسكرية الموجهة ضدّ تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" يوم الثلاثاء 23 سبتمبر/ أيلول 2014، وشنّت غارات عديدة على محافظات الرقة ودير الزور وإدلب. وخلّفت هذه الهجمات مقتل ما لا يقل عن 40 مدنياً، بينهم 8 أطفال، و6 سيدات.
ويتضمن توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان لضحايا عام 2014، العديد من التصنيفات، كضحايا الغرق في مراكب الهجرة، وضحايا التفجيرات التي لم تستطع الشبكة التحقق من منفّذيها، إضافة إلى الضحايا الذين قتلوا على يد مجموعات مسلحة مجهولة بالنسبة لها. وضمن هذا التصنيف، وثقت مقتل 1397 شخصاً على الأقل، يتوزعون على الشكل الآتي: 1254 مدنياً، بينهم 162 طفلاً، 61 سيدة، 143 مقاتلاً من المعارضة.
الأرقام والإحداثيات التي يوفّرها التقرير تؤكّد استمرار "الهولوكوست" السوري، ودخوله عامه الرابع وسط صمت دولي. أبشع الجرائم ارتُكبت على أرض سورية في العصر الحديث، فيما يجتمع ساسة العالم داخل الغرف المكيّفة والمغلقة لإعطاء الشرعية للقتلة.

المساهمون