إسرائيل ــ الروسية: لمصلحة من يعمل كل هؤلاء الروس؟

إسرائيل ــ الروسية: لمصلحة من يعمل كل هؤلاء الروس؟

31 يوليو 2014
في المتحف اليهودي ومركز التسامح في موسكو (أرشيف/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

تعدّ العلاقات الروسية الإسرائيلية، اليوم، مثالاً على العلاقات البراغماتية بين الدولتين، بعد تخفف روسيا من الإيديولوجيا الشيوعية، وإيغال إسرائيل في إيديولوجيتها الصهيونية وصولًا إلى يهودية الدولة.
وفي حين أن الهجرة إلى إسرائيل كانت عامل تباعد بين الاتحاد السوفيتي، أول المعترفين بإسرائيل، والدولة العبرية المصطنعة، فإن هذه الهجرة بالذات تحولت إلى عامل ربط بين موسكو ما بعد السوفياتية وتل أبيب.

الجالية الناطقة بالروسية في إسرائيل من العوامل المؤثرة في ما وصلت إليه العلاقات بين موسكو وتل أبيب من حُسن حال، علماً بأن هذه الجالية تتألف من مهاجرين (روس) استجرّتهم إسرائيل إلى فلسطين المحتلة على مدى تاريخها الاستيطاني، وجاء القسم الأعظم منهم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.

تتكون الجالية الناطقة بالروسية في إسرائيل من نسبة كبيرة من حملة الشهادات العليا المتخرجين في مؤسسات علمية سوفياتية، باختصاصات مهمة، مما يجعلهم فاعلين في جوانب مختلفة من حياة الكيان الصهيوني وفي العلاقات الروسية الإسرائيلية.

وهناك من يتوقع أن ينخفض مثل هذا التأثير، جيلاً بعد جيل، في حال ذوبان أجيال الأبناء والأحفاد في المجتمع الإسرائيلي، وضعف انتماؤها إلى روسيا. إلا أن المؤشرات إلى الآن تشير إلى أن روس إسرائيل يميلون إلى الانغلاق والحفاظ على هويتهم الروسية، بصرف النظر عن مغالاتهم في توكيد انتمائهم إلى إسرائيل.
ومن المنتظر، على ضوء المتغيرات التي سيعانيها الوجود الروسي في إسرائيل، بحكم التاريخ، أن تكون روسيا أكثر حرصاً على بقاء العامل الروسي في إسرائيل أكثر فاعلية، من حرص الأخيرة عليه، مما سيضمن تلقائياً المصلحة الإسرائيلية.

وفي أسوأ الحالات، سيشكل روس إسرائيل حلقة ربط بين الدولتين تجعلهما يحافظان على المصالح المتبادلة، بل والبحث عن مصالح مشتركة. وستكون القضية الفلسطينية هي الخاسر الأكبر. إذ لم يعرف عرب روسيا، ويعدّون بعشرات الآلاف، إلا أن ينفّروا الروس من التعاطف مع القضية الفلسطينية نتيجة ضعف حضورهم وتأثيرهم في الحياة الروسية، وتقديمهم صورة سلبية غالباً عن الشخصية العربية. التأثير العربي في الثقافة والإعلام في روسيا غائب تماماً، وفي الأعمال متشرذم وغير ذي شأن.
وقد يكون تفسير ذلك في تشكل الجالية العربية من تجار (الشنطة) في حقبة انهيار الاتحاد السوفياتي، وكثير منهم أميّ أو متواضع التعليم، مقابل نخبة ثقافية وعلمية وتكنولوجية استجرّتها إسرائيل في الفترة نفسها.

وفي الأفق، فقد تفوق المصلحة الإسرائيلية مصلحة روسيا المتوخاة من سياسة الكرملين المتمثلة بدعم الجاليات الروسية في العالم، عبر مؤسسة "روس سَترودنيتشيستفو" "مؤسسة التعاون الروسي"، ومنظمات "مواطنينا" المنتشرة في جميع أنحاء العالم، والمرعية من الخارجية الروسية ومن السفارات والمراكز الثقافية الروسية في بلدان مختلفة. ولا يبدو أن روس إسرائيل، على الرغم من امتعاضهم من السياسات التمييزية في (وطنهم) الجديد، سينقلبون ضد إسرائيل أو يشكلون عامل ضعضعة لوجودها. فنضالهم نحو المزيد من الحقوق سيجعلهم أكثر تعصباً لانتمائهم الجديد، حيث تتنافس المكونات الإسرائيلية في ذلك.

وربما يصلح تعصّب وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي، أفيغدور ليبرمان مثالاً على حال الروس، من خلال الأصوات التي يجنيها في الانتخابات.

وأما على المستوى الداخلي، فسوف تؤثر في أداء روس إسرائيل، السياسة الإسرائيلية حيالهم، من دون أن يعني ذلك أن العرب سيكسبون. موسكو وتل أبيب تحركان طرفي المعادلة هذه، والضحية فلسطين والفلسطينيون.

من وجهة نظر سياسية، المهاجرون الروس في إسرائيل منظمون جيداً. فمنذ عام 1996، أسسوا حزب "إسرائيل بيتنا"، ليعبّر عن مصالح القادمين من الاتحاد السوفيتي السابق ثم من رابطة الدول المستقلة في مجتمعهم الجديد. وسرعان ما أدركت السلطات الإسرائيلية جدّية هذه الخطوة، كما يقول موقع (ilgid.ru) الإسرائيلي الروسي. وإلى جانب هذا الحزب، أسس الناطقون بالروسية أحزاباً ومنظمات مختلفة، للدفاع عن مصالح "الروس" كما يقولون. وكان التنافس مع مكونات إسرائيل العرقية الأخرى يقوم على الولاء للدولة العبرية، أي العداء للفلسطينيين.

روسيّة إسرائيل
تشير المعطيات المنشورة، في المواقع الإلكترونية ذات الشأن، إلى أنه خلال الأعوام الممتدة بين 1970 و2006 هاجر من الاتحاد السوفيتي والدول التي تشكلت عقب تفككه، إلى إسرائيل حوالي 1.9 مليون (يهودي). ولكنّ بعضاً ممن غادروا الفضاء السوفيتي مستفيدين من دعم المنظمات اليهودية، حطّوا الرحال في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، مفضلين العيش هناك على إسرائيل.
وفي عام 1989 وحده، وصل إلى الأرض المحتلة أكثر من مليون مهاجر ناطق بالروسية. الروسية عند معظمهم هي اللغة الأم. واليوم، تبدو اللغة الروسية، مقارنة بلغات المهاجرين الأخرى، أكثر قابلية للحياة والاستخدام.

فهناك أكثر من 20 في المئة يتحدثون الروسية بطلاقة في إسرائيل. ويُشار هنا إلى وجود روس غير يهود في إسرائيل. وهم يشكلون حوالي 3 في المئة من سكان إسرائيل، وفقاً لموقع (ilgid.ru)، أي حوالي 200 ألف نسمة.
وفي عام 2002، تم تأسيس منظمة "الجالية الروسية" الخاصة بهم وتدافع عن حقوقهم. ومن اللافت أن 44 في المئة ممن استبين آراءهم مركز "رابين" للدراسات الاجتماعية، وسط الناطقين بالروسية في إسرائيل، يعدّون أنفسهم روساً بالدرجة الأولى. غير أن هذا السؤال الاستقطابي لن يكون فاعلًا إلا في حال نشب نزاع بين روسيا وإسرائيل، الأمر المستبعد على مدى طويل. فروسيا البوتينية البراغماتية تعلمت كيف تجني مصلحتها بعيداً عن الأيديولوجيا، وإسرائيل أخبر بلغة المصالح.

حضور في الثقافة والأدب والميديا
تقول المعطيات المنشورة على موقع (ilgid.ru) إن 32 في المئة من الناطقين بالروسية في إسرائيل يقرأون كتباً روسية بانتظام، وبين هؤلاء 2 في المئة فقط يقرأون بالعبرية أو اللادينو أو اليديش. ويشار هنا إلى أن اللغة الروسية حصلت في العام 2008، وفقاً للموقع نفسه، على وضعية اللغة الرسمية الثانية في المدارس الإسرائيلية.

ومن الجدير بالذكر أيضاً، وجود عدد غير قليل من الصحف والمجلات، تصدر في إسرائيل باللغة الروسية. وتعمل منذ العام 2002 قناة تلفزيونية ناطقة بالروسية هي "إسرائيل +".

ويتابع هذه القناة في أقل التقديرات، وفقاً للموقع المشار إليه أعلاه، 11 في المئة من المشاهدين الإسرائيليين. كما أن القنوات الفضائية والقنوات عبر الكابل التي يستخدمها 90 في المئة من الناطقين بالروسية في إسرائيل تسمح لهم بمتابعة القنوات الروسية العاملة في روسيا. يعني ذلك أن الإعلام الناطق بالروسية، حتى في روسيا الاتحادية نفسها، يعاير أداءه إلى حد ما، بكتلة المتابعين في إسرائيل، مما ينعكس على سياساته الإعلامية، فكيف إذا أضيف إليه عامل الحضور اليهودي الكبير المتعاطف مع إسرائيل أو المتفهم لسياساتها الاستيطانية والعدوانية ضد الفلسطينيين في الإعلام الروسي المرئي والمقروء والمسموع.

الروس في الوظائف العليا والجيش الإسرائيلي

لا تتجاوز نسبة الموظفين الحكوميين بين الإسرائيليين ذوي الأصول السوفياتية 2 في المئة، على الرغم من أن نسبتهم بين العاملين في إسرائيل تفوق 15 في المئة. ولا تتجاوز نسبة الناطقين بالروسية في إدارات الدولة 0.8 في المئة، وهم في حدود 0.2 في المئة فقط في قيادات الشرطة، بينما يغيبون تماماً عن المواقع القيادية في وزارة الدفاع والمؤسسات الأمنية.
ويجري الحديث، في الموقع الإلكترونية اليهودية الروسية، عن أن معاناة الناطقين بالروسية الأقل هي في الجيش الإسرائيلي. ولذلك، فهو الطريق الوحيد بالنسبة لكثيرين منهم للترقي الاجتماعي، وإثبات الحضور وسط جيل الشباب.

وفي السياق، تشير معطيات المكتب الصحافي في جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى أن المجندين الجدد يشكلون حوالي 20 في المئة من تعداد الجيش، وأن 65 في المئة بينهم من أصول سوفياتية. أي أن الروس يشكلون حوالي 13 في المئة من عدد أفراد جيش الاحتلال، وتصل نسبتهم في وحداته المقاتلة إلى 25 في المئة، وفقا لموقع (ilgid.ru). وربما ينبغي التذكير هنا بكتيبة "جدود علياء" التي جرى تشكيلها في إسرائيل للقتال في أوكرانيا، وباستطلاع رأي نشر نتائجه موقع (isra.com) الروسي الإسرائيلي، في 8 مارس/ آذار، حول الأزمة الروسية الأوكرانية، أجاب من خلاله 59.36 في المئة من المستطلعة آراؤهم بأنه لا ينبغي لإسرائيل مساندة الغرب في موقفه من روسيا، وأنه ينبغي على تل أبيب أن تحافظ على علاقة جيدة مع موسكو.

عودة فاعلة ومؤشرات دالة
وفيما يروج بعض العرب لدلالات خاصة يرونها في الهجرة المعاكسة من إسرائيل، ويرون فيها بداية لزوال الكيان الصهيوني، يبدو أن هذه الظاهرة تخدم إسرائيل وتعزز حضورها في غير مكان من العالم، ولا سيما في فضاء الاتحاد السوفيتي السابق، وفي روسيا على وجه الخصوص.

وفي السياق، يشير موقع (isra.com) الإسرائيلي الروسي، إلى أن الهجرة العكسية من إسرائيل، بلغت حداً، تساوت معه، في العامين 2007-2008، مع الهجرة إلى إسرائيل، وتم الحديث عن نزوع نحو ميزان هجرة سلبي.
لكن المهم هنا أن الذين يغادرون إسرائيل يبقون إسرائيليين. ففي سنة 2010، عاد حوالى 90 ألفًا من المهاجرين السوفييت السابقين إلى روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، وهي نسبة الهجرة المعاكسة الأعلى بين الجماعات اليهودية في إسرائيل. لكن معظم الذين يرجعون إلى بلدانهم الأصلية يحتفظون بالجنسية الإسرائيلية.
فاليوم، يعيش في موسكو حوالي 50 ألف إسرائيلياً، كثير منهم يعملون في وظائف هامة ذات صلة بالمال والأعمال والإعلام. وليس في أسواق السلع الرخيصة والخدمات المتواضعة كحال العرب.

 

دلالات