فضائح ساركوزي تضع المحامين في مواجهة القضاة

فضائح ساركوزي تضع المحامين في مواجهة القضاة

12 مارس 2014
ساركوزي ترنّح لكنه لم يسقط (فاليري هاش ــ GETTY)
+ الخط -

 يحفل الإعلام الفرنسي بالحديث عن قضية التنصّت على رئيس الجمهورية الفرنسية السابق نيكولا ساركوزي ومحاميه تيري هيرزوغ. ويبدو أن الجدل من حول المسألة سائر في اتجاه اخراج قضية التمويل الليبي المفترض لحملة ساركوزي الانتخابية سنة 2007 من إطارها الخاص، إلى مناقشة وضعية المحامي وحرية مصادر معلوماته، وهو ما يجعل المحامين اليوم في مواجهة مفتوحة مع القضاة.

كان هناك ترقب لفتح ملفات ساركوزي مع القضاء، فالرجل تنتظره قضايا كثيرة، وقائمة المستفيدين من متاعبه الفضائية طويلة، تبدأ من رفاقه في الحزب اليميني (الاتحاد من أجل حركة شعبية) وتنتهي بالرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند الذي يخشى عودة هذا "الوحش السياسي"، كما يسميه الكثيرون، إذ لا يَزال يعتبر الشخصية اليمينية الأكثر شعبية في فرنسا.

ولكن ما هو أساس المشكل؟ العدالة الفرنسية تتهم رئيس الجمهورية السابق ساركوزي بطلب تدخل من قاضٍ سامٍ فرنسي (جيلبيرت أزيبيرت) لتسريب معلومات تخص ملفاته مع القضاء، في مقابل حصول هذا القاضي على منصب باذخ في موناكو. وتتلخص مهمة القاضي الفرنسي في إخبار نيكولا ساركوزي مُسبقاً بما يروج داخل المؤسّسة القضائية العليا حول ملفاته، وخصوصا أجنداته الرئاسية التي تمّ إلحاقها بملفّ قديم يعود إلى صيف سنة 2010 (ملف فضيحة بيتانكور). وعلى الرغم من خروجه سالماً من ملف تلك القضية، فإن القضاة أصرّوا على إلحاقها بملف آخر "تابي - بنك لوكريدي ليوني"، حيث يُشتَبَهُ في دور لساركوزي خلال رئاسته، في حصول الوزير السابق ورجل الأعمال بيرنار تابي من دون وجه حق، على تعويضات كبيرة جداً من الدولة الفرنسية.

لا يعترف القاضي السابق والسياسي اليميني الحالي جورج فينيش، صراحةً، بوجود "مؤامرة" ضد ساركوزي، كما يتصور المتعصبون من أنصار الرئيس السابق، والذي ينتظرون عودته كما يُنتظَر المسيح المخلص، وفي مقدمتهم زوجة الرئيس السابق جاك شيراك. لكن القاضي يشكك في دور ما للمؤسسة القضائية الفرنسية التي لا تكنّ وُدّاً لساركوزي، وهذا يعود للإصلاحات التي قامت بها وزيرة العدل في بدايات حكم ساركوزي، رشيدة داتي، والتي لَمْ تَرُق القضاة في غالبيتهم. ويقول فينيش إنه "حينما نرى الطريقة التي عُومِل بها نيكولا ساركوزي في ملف بيتنكور... وتكون النتيجة براءته! القضاة الذين لا يُكنوّن وُدّاً له ويُشعِلون الحرائق: قضية كاراتشي، بيتنكور، أو التمويل الليبي. وانطلاقاً من هنا فلا توجد حدودٌ: يَعتَبِر القضاة أنهم في مهمة مطلوبة وتستخدم وسائل استثنائية، من تنصت وتحقيقات وتحريات، كما لو كانوا في مواجهة عصابة إجرامية منظمة".

الحقيقة أن وضع رئيس سابق للجمهورية تحت التنصت أثار في البداية بعض الصدمة لدى شريحة من الرأي العام الفرنسي، وخصوصا اليميني، ولكنه سرعان ما أصبح أمراً عادياً، لأنه يُفترض أن يكون الناسُ سواسية أمام القضاء، لكن وضع المحامي تحت التنصت هو ما يجعل المواطن الفرنسي يشكك في العدالة، ويكتشف أن سلطة القاضي أكبر وأهمّ من دور صغير للمحامي. ومن هنا سبب هبّة المحامين جميعاً للدفاع عن حقوقهم وبعض سلطتهم، وهو ما سنراه مع مشاريع قوانين في البرلمان لتحديد عمل المحامي. كما أن ما تعرض له تيري هيرزوغ، محامي ساكوزي، من تحقيق وتفتيش دام عشر ساعات لمكتبه وبيته ولمقر سكن زوجته وبيت ابنه ومصادرة جهاز هاتفه المهني وإلزامه ترك باب الحمّام مفتوحاً، جعل المحامين ينتفضون لهذه المعاملة التي لا يحظى بها سوى المجرمين. أمر دفع لإنشاء تجمع للمحامين، تجاوز على الفور، عدد 400 محام لإطلاع الرأي العام الفرنسي على المخاطر التي تتهدد الديومقراطية في فرنسا: "أن تصير مَكاتِب المحاماة، اليوم، أماكن مفضلة لدى القضاة يتخيلون العثور فيها على براهين وأدلة، فهذا يثير القلق. وأن يتعرض السرّ المهني، عماد الدفاع والضمانة الأساسية للحريات الفردية في دولة قانون، لتجاوزات وتعديات، فهو أمرٌ يُهدِّد مهنة المحاماة واستقلاليتها".

لكن ماذا لو أنّ عمليات التنصت والاتهام للقاضي أزيبيرت كانت باطلة؟ ماذا لو أن القاضي أزيبيرت بريءٌ ومتهم خطأً؟ لقد حاول هذا الأخير الانتحار لولا أن محاولته لم تُكلَّل بالنجاح. وظلّ المحامي هيرزوغ، يصرّ على أنه لم يكن بمستطاع القاضي أزيبيرت تقديم المساعدة المزعومة لنيكولا ساركوزي، لأنّ لا علاقة له بالقضاة الذين يجتمعون في غرفة القضايا الإجرامية، وبالتالي فإنه لن يستطيع الحصول على معلومات "ملف بيتنكور". والذين يعرفون القاضي يقولون بأنه شخص أنوف أحس بأن كرامته قد أهينَت فقرر الانتحار.

لم يقل القضاء كلمته بعدُ، حتى يتحدد الدور الحقيقي لهذا القاضي، وحتى يقترب الحبل أكثر أو يتراجع عن رقبة نيكولا ساركوزي. ولكن الذين يعرفون الرجل يُفاجأون برباطة جأشه، وخصوصا أن كل يوم تشرق فيه الشمس يأتي باتهام ومؤامرة وطعنة جديدة من الخلف لهذا السياسي، الذي لا يزال يُخيف الكثيرين إنْ في عائلته السياسية، أو في قصر الإليزيه.

قال الكثيرون إن نيكولا ساركوزي سيسقط ويتخلى عن السياسة. وحين ظهرت تسريبات التسجيلات غير القانونية التي قام بها مستشاره السياسي السابق باتريك بويسون الأسبوع الماضي، قال مُقرَّبون من ساركوزي إنها جرحته كثيراً. لكن الرجل ترنّح، فعلاً، ولم يسقط. إنه يؤمن، إيماناً عميقاً، بأن فرنسا على موعد معه، ولن تؤثر في هذا "اللقاء" عقباتٌ يضَعُها القضاةُ هنا والسياسيون الحقودون أو الصحافيون هنالك. إنهُ "آتٍ ليحرِّرَ فرنسا، إنه المسيح المخلّص". على الأقل هذا ما تراه بيرناديت شيراك.

المساهمون