موريتانيا في ذكرى استقلالها: حلم الدولة مؤجل

موريتانيا في ذكرى استقلالها: حلم الدولة مؤجل

30 نوفمبر 2014
اعتقال المرشح الرئاسي اعبيدي خلال تظاهرة حقوقية (فرانس برس)
+ الخط -

تحيي موريتانيا في الثامن والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، ذكرى استقلالها عن الدولة الفرنسية عام 1960، والتي تصادف هذا العام الذكرى الرابعة والخمسين. وتحلّ ذكرى الاستقلال هذا العام، وسط جدال حول ما حققته البلاد خلال المرحلة الماضية بفعل التحديات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، التي جعلت البلاد تتصدّر دول العالم، لناحية ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة، وضعف الخدمات التعليميّة والصحيّة، فضلاً عن استمرار الحكم العسكري، بشكل غير مباشر.
من الناحية السياسيّة، لا تزال البلاد ترزح تحت الحكم العسكري وإن كان بشكل غير مباشر. وباستثناء فترة حكم الرئيس المؤسّس المختار ولد داداه، والتي استمرت ثمانية عشر عاماً (من عام 1960 إلى 1978)، وباستثناء سنة واحدة من حكم الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله (من 2007 إلى 2008)، كانت البلاد تحت قبضة الحكم العسكري المباشر ومنذ عام 1978 حتى العام 1991، حين خلع الرئيس العسكري حينها معاوية ولد الطائع، البزة العسكرية وأجرى انتخابات ضمن بها البقاء، حتى إسقاطه بانقلاب عسكري.

وعلى الرغم من دخول البلاد عهد التعدّديّة الحزبيّة منذ عام 1991، ووجود أحزاب سياسيّة معارضة عريقة، لكنّ الأنظمة العسكريّة المتعاقبة، كانت قادرة بأساليبها المختلفة على ترويض أحزاب المعارضة وتفكيكها من داخلها وزرع الخلافات بين قادتها ومكوّناتها. وهكذا بقي الحكم مؤمماً من قبل العسكريين، وباتت الانقلابات العسكريّة المجال الوحيد المتاح للتغيير في موريتانيا، فيما بقيت وظيفة الأحزاب السياسيّة في الغالب، تأزيم الأوضاع وتهيئة الأجواء لانقلاب عسكري جديد.

وبعد إعادة انتخابه لولاية رئاسيّة ثانية، في شهر يونيو/حزيران الماضي، يزاول الرئيس الحالي، محمد ولد عبد العزيز، مهامه الجديدة، وهي الأخيرة له بحسب الدستور، في ظلّ قطيعة مع المعارضة ووجود اضطرابات اجتماعية، ناتجة عن ارتفاع وتيرة الصراع في دولة متعددة الأعراق والشرائح.
وكانت السلطات الموريتانية قد ألقت القبض على ناشطين خرجوا في مسيرة حقوقيّة، للتنديد بالعبوديّة، يتزعّمها المرشح الرئاسي السابق بيرام ولد اعبيدي، في الحادي عشر من الشهر الحالي. وأعادت الحادثة الجدل والسجال حول العبوديّة في موريتانيا والتهميش الذي تعاني منه شريحة "الحراطين"، وهي تسمية تُطلق على الأرقاء السابقين في موريتانيا، والذين يعانون تاريخياً من الإقصاء والحرمان.
وفي موازاة تأكيد الرئيس الموريتاني في خطابه بذكرى الاستقلال، أنّ "المجتمع والدولة سيقفان بحزم في وجه كل ما يمسّ وحدتنا الوطنية، من قريب أو من بعيد"، اتهم وزير العدل الحقوقيين المعتقلين بـ "إثارة الفتنة والعنصريّة"، فيما تضامنت معظم أحزاب المعارضة مع الناشطين المعتقلين، محذرة النظام من طريقة معالجته للأزمة الاجتماعية.

المعارضة مفكّكة
في المقابل، تعاني أحزاب المعارضة من ضبابيّة في مواقفها السياسيّة، وارتفاع وتيرة خلافاتها الداخليّة، مع رفض معظم مكوّنات "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة"، الذي يضم 14 حزباً معارضاً، دعوات الحوار التي وجهها الوزير الأول (رئيس الوزراء)، يحيى ولد حدمين، قبل أسابيع، معتبرة إياها "غير جديّة". ويعمّق ذلك اتساع الفجوة بين النظام والمعارضة، وسط حالة من القطيعة، يُخشى أن تؤدّي إلى مزيد من الأزمات السياسيّة.
ونتيجة القطيعة مع النظام، رفضت أحزاب المعارضة، باستثناء حزب تواصل الإسلامي المشاركة في الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة، ما فتح الباب واسعاً أمام تعزيز الخط الراديكالي داخل المعارضة، بسبب بقائها في الشارع وعدم تمثيلها داخل البرلمان والمجالس المحليّة.
وتسبّبت مشاركة حزب "تواصل"، في الانتخابات التشريعيّة والبلديّة، بخلاف بقية أحزاب المعارضة، في أزمة جديدة داخل الجسم المعارض، مع تسلّم الحزب، باعتباره أكثر أحزاب المعارضة تمثيلاً في البرلمان، رئاسة مؤسّسة المعارضة (مؤسّسة دستوريّة)، وهي المؤسّسة التي كان يترأسها رئيس حزب التكتل أحمد ولد داداه. وفي خطوة بدت رداً على هذا الأمر، سارعت بقية الأحزاب المعارضة، في السابع والعشرين من الشهر الحالي، إلى تعيين الأخير رئيساً لمنتدى المعارضة، على الرغم من أن رئيسه الدوري، الشيخ سيد أحمد ولد باب مين، الذي ينتمي إلى قطب الشخصيات المستقلة، أُبلِغ بالتجديد له منذ أشهر قليلة. وهكذا عادت المعارضة إلى مربّع الخلافات الداخليّة من جديد.
اقتصاد مترهّل
ويجد الجدل الذي يتجدّد سنوياً في موريتانيا، عند حلول ذكرى الاستقلال، ما يبرّره. تتمتّع البلاد بموارد طبيعيّة هائلة، على رأسها الحديد والنحاس والذهب والفوسفات وغيرها من المعادن الثمينة، إضافة إلى الموارد البحريّة من الأسماك، على مختلف أنواعها. ويُعدّ الشاطئ الموريتاني من أغنى الشواطئ بالأسماك النادرة، إذ تُقدّر الثروة البحريّة القابلة للاستغلال سنوياً بـ1.5 مليون طن، تضمّ 600 نوع تجاري من الأسماك، فضلاً عن مناطق صالحة للزراعة وثروة حيوانية هائلة، تُقدّر بعشرات ملايين الرؤوس من البقر والغنم والإبل، حسب إحصاءات وزارة التنمية الريفيّة.
ولم تدفع هذه المقوّمات الاقتصاديّة البلاد إلى التقدّم، بل إنّ معدلات الفقر تلامس حدود 40 في المائة، وتحتلّ موريتانيا مرتبة متدنية على قائمة الدول لناحية مستويات الشفافيّة.

وفي آخر مظاهر الفساد، انتشر مقطع مصوّر يظهر أحد العسكريين المتقاعدين، وهو يتحدث خلال مهرجان انتخابي عن حصوله سنوياً على ما يقارب 13 مليون و800 ألف دولار (أربعة مليارات أوقية)، حين كان يترأس مندوبية الرقابة البحرية، وقد أثار الفيديو ردود فعل واسعة وصلت إلى قاعة البرلمان.
من جانب آخر، تحذّر مصادر إعلامية، نقلا عن وزير المالية أتيام جمبار، من أنّ البلاد على حافة الإفلاس، بسبب تدهور أسعار الحديد وحلول آجال سداد المديونيات، التي تمثّل 31 في المائة من موازنة الدولة، وفق جمبار.
ولم يتأخر الرئيس الموريتاني، في خطاب الاستقلال، بالردّ على هذه الأنباء، مطمئناً المواطنين إلى الوضع الاقتصادي، ومعلناً زيادة في رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، تصل إلى 50 في المائة لأصحاب الرواتب الضعيفة والمتوسطة و30 في المائة لأصحاب الرواتب المرتفعة.
وفيما تتكرّر مظاهر الاحتفال بالاستقلال سنوياً، لناحية تدشين مراكز ومؤسّسات تعليميّة وخدماتيّة، لكنّ بناء دولة قويّة لا يزال أشبه بالحلم المؤجّل ولو إلى حين.