سورية جمهورية المعابر: السلطة لمَن يمسك المنافذ البرية

سورية جمهورية المعابر: السلطة لمَن يمسك المنافذ البرية

20 نوفمبر 2014
معبر كسب تسيطر عليه قوات النظام (فرانس برس)
+ الخط -
باتت المعابر الحدودية التي تربط سورية بدول الجوار، في صلب الأزمة السورية، وتحديداً بعد إغلاق معظمها، بفعل تدهور الأوضاع الأمنية على الجانب السوري من الحدود. دفع هذا الأمر مئات الآلاف من السوريين الهاربين من القصف والاشتباكات المستمرة في المدن السورية، إلى الاعتماد على مهرّبي البشر، الذين باتوا يتمتعون بسلطة كبيرة على الحدود بين سورية والدول المجاورة. وأدى ذلك إلى تحمّل الفارّين من سورية مخاطر العبور بشكل غير قانوني عبر الحدود، بالإضافة إلى دفع مبالغ طائلة للمهرّبين.

وكانت الحكومة التركية قررت إغلاق معبر باب الهوى الحدودي، الذي يصل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في ريف إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي في الأراضي التركية، بعد يومين من الاشتباكات التي اندلعت داخل منطقة المعبر وفي محيطه، بين حركة "أحرار الشام" من جهة و"جيش الإسلام" و"ألوية صقور الشام" من جهة ثانية.

وكانت المجموعات تتشارك معاً في إدارة واستخدام موارد المعبر الحدودي، الذي بات، في الأشهر الأخيرة، يُعدّ الرئة التي تتنفس منها المناطق، التي تسيطر عليها المعارضة السورية شمال غرب سورية، بحكم اعتماد السوريين المقيمين في هذه المناطق على البضائع التركية، التي تدخل من المعبر.

وبالتزامن مع إغلاق معبر باب الهوى، أصدرت إدارة معبر باب السلامة الحدودي، الواقع بالقرب من مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، بلاغاً يدعو المواطنين الراغبين في السفر إلى تركيا، إلى تأجيل سفرهم في حال كونه اضطراريّاً.

وجاءت الدعوة بسبب الضغط الكبير والازدحام في الأيام الأخيرة في المعبر، الذي بات المعبر البري الوحيد الذي يصل شمال سورية بالأراضي التركية. الأمر الذي أدى بحسب الناشط مروان الحلبي، إلى تأخير كبير للمسافرين فيه، ليبيت المئات منهم، في كراجات المعبر ليوم أو أكثر، قبل أن يتمكنوا من العبور في اتجاه الأراضي التركية. كما اصطف من يملك سيارات منهم، في طوابير طويلة لمدة ثلاثة أيام أو أكثر، قبل تمكنهم من عبور الحدود بسياراتهم.

وسبق أن أغلقت الحكومة التركية، في شهر فبراير/شباط الماضي، معبر تل أبيض الحدودي، الواقع شمال مدينة الرقة، ومعبر جرابلس الحدودي الواقع في ريف حلب الشرقي، بعد سيطرة قوات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على المعبرين، إثر اشتباكات مع قوات "الجيش الحر"، انتهت بهزيمتها وسيطرة تنظيم "الدولة" على المعبرين.

إلى ذلك، تواصل الحكومة التركية، وللعام الثاني على التوالي، إغلاق المعابر الحدودية التي تصل المناطق التي تسكنها غالبية كردية، في أقصى شمال شرق سورية بالأراضي التركية. ويتواصل إغلاق معبر راس العين الحدودي، ومعبر القامشلي، منذ ما يزيد عن العام والنصف.

وأدّى ذلك إلى لجوء السوريين الراغبين في السفر إلى الأراضي التركية، إلى الاتصال بمهرّبي البشر، الذين نشطوا بشكل كبير في السنوات الثلاث الأخيرة، على طول الحدود السورية التركية، وهربوا عشرات الآلاف من اللاجئين والشبان الراغبين في العمل، عبر الحدود السورية التركية في اتجاه تركيا.

ولفت الناشط، إسماعيل شريف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "معبر القامشلي الحدودي يفتح في حالات استثنائية لمرور قوافل الإغاثة، التابعة للأمم المتحدة من الأراضي التركية نحو المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام السوري وقوات الحماية الشعبية بشكل مشترك، شمال شرق سورية".

من جهة أخرى، تحتفظ قوات النظام السوري، بالسيطرة على معبر حدودي واحد فقط، يصل المناطق التي تسيطر عليها بالأراضي التركية، وهو معبر كسب الحدودي، الواقع شمال مدينة اللاذقية، بعد أن تمكنت قوات النظام من استعادة السيطرة عليه في شهر أيار/مايو الماضي، إثر اشتباكات استمرت أياماً عدة مع قوات المعارضة التي كانت تتمركز فيه. ومعبر كسب مغلق هو الآخر، بسبب سوء العلاقات بين النظام السوري والحكومة التركية.

ولا تتوقف الأمور عند هذا الحدّ، فبعد أقل من أسبوع على سيطرة "داعش" على مناطق واسعة في محافظتي الأنبار والموصل العراقيتين، في شهر يونيو/حزيران الماضي، قام التنظيم باستخدام الجرافات في عملية إزالة الساتر الترابي على الحدود السورية العراقية، ثم سمح لتجار المحروقات من سكان المناطق التي يسيطر عليها في الجانب السوري، باستخدام الطريق الموازي للحدود من الجانب العراقي، كما سمح بانتقال البضائع والمواد الغذائية بين سورية والعراق من دون أية رقابة.

وسيطر التنظيم بشكل متزامن على معبر القائم الحدودي، المقابل لمعبر البوكمال من الجانب السوري، قبل أن يزيل الحواجز الحدودية، المحيطة بالمعبر والسماح بعبور السوريين والعراقيين من الجانبين، من دون وثائق سفر أو تعريفات جمركية للبضائع التي يحملونها.

كما يستمر إغلاق معبر اليعربية الحدودي، الذي يصل الأراضي العراقية بالأراضي السورية، للعام الثالث على التوالي، بعد أن تم تبادل السيطرة على الجانب السوري من المعبر، مرات عدة، بين قوات "داعش" وقوات "حماية الشعب" الكردية، لتستقر السيطرة في الأشهر الثلاثة الأخيرة لصالح قوات "حماية الشعب"، التي بسطت سيطرتها على الجانب السوري من المعبر، في الوقت الذي تسيطر فيه قوات "البيشمركة" الكردية العراقية التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق، على الجانب العراقي، لكن الخلافات السياسية بين الجانبين، بالإضافة إلى الخلافات حول آلية عمل المعبر، وقفت عائقاً أمام تشغيله.

في السياق ذاته، يستمر إغلاق معبر فش خابورـ سيمالكا، الذي يصل مناطق سيطرة قوات "حماية الشعب" في سورية قرب مدينة المالكية بإقليم كردستان العراق، حيث ما يزال المعبر مغلقاً منذ أشهر، مع سماح القوات المسيطرة عليه بمرور الحالات الإنسانية، المتمثلة في النازحين والمرضى والطلاب بين الجانبين، وبمرور قوافل الإغاثة.

ويربط معبران بريان جنوب سورية بالأراضي الأردنية، وهما معبر درعا ومعبر نصيب. وسيطرت قوات المعارضة على الجانب السوري من معبر درعا، منذ أكثر من سبعة أشهر، الأمر الذي دفع الحكومة الأردنية إلى إغلاق المعبر، ليضطر آلاف السوريين النازحين من جنوب سورية إلى عبور الحدود نحو الأردن عبر مناطق صحراوية وعرة، بمساعدة مهربين يتقاضون من النازحين مبالغ طائلة مقابل تمريرهم.

وفي الوقت الذي تسيطر فيه قوات النظام السوري على معبر نصيب الواقع شرق مدينة درعا، يعمل المعبر التجاري بشكل شبه طبيعي، وتمرّ من خلاله يوميّاً عشرات الشاحنات، التي تحمل البضائع في اتجاه الأراضي الأردنية، آتية من لبنان.

وذكر مصدر مطّلع من المنطقة، رفض الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد"، عن "ضغوط من قوى إقليمية مورست على قوات المعارضة في درعا، لتمتنع عن مهاجمة معبر نصيب الذي يعتمد عليه الأردن، في استيراد الكثير من المواد الأولية الصناعية والغذائية".

أما معبر القنيطرة الحدودي، الذي يقع في المنطقة المقابلة للجولان السوري المحتلّ في المنطقة العازلة، التي تديرها قوات الأمم المتحدة، فقد أصبح منذ شهرين تحت سيطرة قوات المعارضة، بعد التقدم الكبير الذي أحرزته على حساب قوات النظام السوري.

من ناحية أخرى، ما تزال قوات النظام السوري تحتفظ بالسيطرة الكاملة على جميع المعابر البرية على الحدود السورية اللبنانية، وما زالت هذه المعابر تعمل حتى اليوم بصورة شبه طبيعية، ويمر من خلالها يوميّاً آلاف السوريين من جانبي الحدود.

المساهمون