أوغندا وحرب جنوب السودان: مصالح وصفقات سلاح

أوغندا وحرب جنوب السودان: مصالح وصفقات سلاح

19 أكتوبر 2014
يقاتل الجيش الأوغندي إلى جانب قوات الجنوب (فرانس برس)
+ الخط -


لم تتأخّر دولة جنوب السودان، في تجديد العمل بمذكرة تفاهم عسكريّة، موقّعة مع حكومة أوغندا في يناير/ كانون الثاني الفائت. وتجيز المذكّرة قتال الجيش الأوغندي إلى جانب الجيش الجنوبي، ضدّ المتمردين بقيادة رياك مشار، عقب الحرب التي اشتعلت في الدولة الجديدة منذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول من العام الفائت، كما يسمح الاتفاق بتمويل كمبالا جوبا بالسلاح.

ومن المتوقّع أن "تبدأ أوغندا في شراء أسلحة ومعدات عسكرية لحكومة الجنوب بموجب ذلك الاتفاق"، وفق ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، يوم الجمعة الماضي، وهو ما يثير خشية الأوساط الجنوبية، من أن تقود هذه الخطوة نحو تأجيج القتال في الجنوب، خصوصاً وأنها ستسهم بشكل كبير في تقوية الجيش الجنوبي، الذي فقد كثير من عناصره ومعداته إبّان الحرب، التي استنزفته خلال العشرة أشهر الفائتة.

ولعلّ انعدام الحلول السلميّة وعرقلة المفاوضات، التي توسّطت فيها الهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق افريقيا "إيغاد"، بهدف الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، واتفاق سلام ينهي الحرب المستعرة بين الحكومة في جوبا والمتمردين بقيادة رياك مشار، يساهم في جعل خيارات تصاعد الاقتتال أكثر رسوخاً، خصوصاً بعد انتهاء موسم الخريف، الذي أسهم بشكل كبير في تراجع المعارك.

وفي وقت يعتبر فيه المتحدث باسم الجيش الأوغندي، بادي انكوندا، أنّ "من شأن الاتفاقية، تعزيز التعاون العسكري بين البلدين"، ينفي المتحدث باسم الجيش الجنوبي، فليب أقوير، لـ"العربي الجديد"، أن "تسهم الاتفاقية في زيادة وتيرة الحرب"، موضحاً أنّ "الاتفاق الذي تمّ أخيراً مع أوغندا مجرّد تجديد لمذكّرة التفاهم العسكريّة، التي وقعت بين الدولتين".

وتتضمّن الاتفاقية، بحسب أقوير، "التعاون في كافة الجوانب، بما فيها اللوجستية، والتدريب وتبادل المجرمين، وليس جديداً القول إنّ قوات أوغنديّة تقاتل في الجنوب، وفقاً لتلك المذكرة".

ولا تحتاج جوبا، وفق المسؤول الجنوبي، "لاتفاق حتى تمدّها أوغندا بالسلاح، باعتبار أنّ التعاون بين الطرفين لم يتوقف في هذا المجال". ويضيف: "نحن في جوبا، لا تواجهنا أزمة سلاح لأّن مخازننا مليئة، فضلاً عمّا نستورده من كافة الدول، سواء النامية أو المتطوّرة، منذ وقت بعيد".

ومن المتوقّع أن يُستخدم السلاح المقبل من أوغندا في دعم الأمن، بحسب ما نقلته صحيفة "وول ستريت" عن وزير الدفاع الجنوبي، كول ماتيانج، الذي تعهّد بعدم خرق اتفاق وقف إطلاق النار، والذي وقّعته جوبا سابقاً مع المتمردين في أديس أبابا".

في المقابل، يعتبر المتمرّدون، بقيادة رياك مشار، الخطوة بمثابة محاولة من كمبالا لتمكين نظام الرئيس سلفاكير ميارديت ضدّهم، بحسب الناطق الرسمي باسم جيش المتمردين، جيمس داك.

وانحازت كمبالا، منذ اندلاع النزاع الجنوبي ــ الجنوبي إلى جانب الحكومة في جوبا، وأوفدت جيشها لقتال المتمردين ونجحت في عرقلة تحرّكهم نحو العاصمة. ويمكن تفسير هذا الانحياز بمصالح أوغندا في الجنوب، الذي يعدّ أكبر أسواقها ويستوعب العمالة الأوغندية، فضلاً عن الصراع التاريخي بين الرئيس اليوغندي، يوري موسفني وزعيم المتمردين رياك مشار.

ويرى مراقبون أنّ من شأن خطوة التسليح زيادة حدّة التوتّر، والإطاحة بجهود دول شرق أفريقيا "إيغاد"، الرامية لإيجاد حلّ سلمي، خصوصاً وأنّ تدخّل جيش كمبالا في الحرب الجنوبيّة ــ الجنوبيّة، استهلك قدراً من زمن المفاوضات، إذ ظلّ المتمردون يعترضون على هذا التدخل، ما زاد في تعقيد التفاوض.

وتؤكد مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أنّ "الاتفاقية الأخيرة تعدّ سبباً أساسياً في تأجيل المفاوضات بين الحكومة والمعارضة، والتي كان يُفترض أن تنطلق الخميس الفائت، وجرى تأجيلها حتى الإثنين المقبل، بعد رفض مشار خطوة التسليح الأوغندية، خصوصاً وأنّ أوغندا جزء من منظومة "إيغاد".

وليس مستبعداً أن تفتح الخطوة الباب أمام دول أخرى، لدعم مجموعة رياك مشار بشكل مباشر، وسط قلق الخرطوم من التغلغل الأوغندي في الجنوب، لا سيّما وأنّ الطرفين في حالة عداء تاريخي طويل.

وتتّجه الأنظار حالياً نحو أروشا في تنزانيا، والتي تحتضن خلال ستة أيام اجتماعات المكتب السياسي للحركة الشعبيّة، عبر ممثلين لأطراف الصراع الثلاثة "الحكومة والمتمردين، فضلاً عن مجموعة المعتقلين الأحد عشر، بقيادة الأمين العام للحركة المقال، باقان أموم".

ويؤمل من هذه الاجتماعات، في حال نجاحها، أن تساهم بنقل الجنوب إلى وضع أفضل، خصوصاً وأنّ بداية النزاع في الأصل كانت سياسيّة. وبعد إبعاد الرئيس سلفاكير الأخير، لمستشاره تيلار دينق عن المشهد، عبر تعيينه سفيراً لجوبا في روسيا، يصبح الحوار أقرب إلى النجاح بعيداً عن وساطة "إيغاد"، التي يطعن الجميع في حيادها. ويُعدّ دينق، أحد المسؤولين عن الحرب، بحسب الأوساط الجنوبية والأطراف المتنازعة مع الحكومة.