انتخابات أوكرانيا البرلمانية: تكريس الانفصال؟

انتخابات أوكرانيا البرلمانية: تكريس الانفصال؟

26 أكتوبر 2014
الانتخابات لن تشمل الأقاليم الانفصالية (ديفيد راموس/Getty)
+ الخط -

تخوض أوكرانيا انتخابات برلمانية عاجلة بعد حل برلمانها، على خلفية أزمة سياسية، بل وجودية تهدّد وحدة الدولة، دون أقاليمها الانفصالية، في خطوة تبدو شكلية ترجئ حل مشاكل. وحلول هذه المشاكل، موجودة من حيث المبدأ خارج برلمان أوكرانيا، فيما تدفع أجواء الحرب الأهلية بالقادة الميدانيين إلى الواجهة، طمعاً بممارسة سياسة مؤسسة على الاستقطاب الحاد والعنف.

فما هي القوى التي تتنافس اليوم على مقاعد الـ"رادا"(البرلمان)، ومن يمثلها؟

خُصص للانتخابات البرلمانية الأوكرانية المبكرة، اليوم الأحد، 112 مركزاً انتخابياً خارج أوكرانيا، في 72 دولة، علماً بأن العدد الأكبر منها سيكون في روسيا، حيث من المقرر افتتاح ستة مراكز، مقابل خمسة في ألمانيا، وأربعة في كل من إيطاليا وبولندا والولايات المتحدة.

ويبدو أن هذه الانتخابات لا تولي اهتماماً لدرجة إقبال الناخبين، فهي ستُعدّ فعلية، بصرف النظر عن درجة الإقبال على صناديق الاقتراع.

فقانون الانتخابات الأوكراني الذي ستُجرى وفقه، أقرب إلى حالة توافقية مُعلّقة، ذلك أن القانون السابق، وعلى الرغم من الجدال والمناقشات العديدة حوله، في البرلمان وفي الأوساط الشعبية والسياسية، بقي من دون تغيير، وتم التوصل إلى توافق إجرائي في صدده.

وذلك يعني أن الانتخابات ستُجرى وفق القواعد التي تم التوافق عليها بين الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش، والمعارضة سنة 2012. وتبعاً لها، سيتم انتخاب نصف عدد النواب من قوائم حزبية، والنصف الآخر وفق الدوائر الانتخابية، علماً بأن التوافق المشار إليه أعلاه يمنع مشاركة تكتلات سياسية في الانتخابات، ويحدد عتبة المشاركة في البرلمان بنيل خمسة في المائة كحد أدنى من أصوات الناخبين المشاركين.

ونقل موقع "سي في كا.غوف.يو آي"، عن لجنة الانتخابات المركزية الأوكرانية، أن 6670 مرشحاً تم تسجيلهم لخوض الانتخابات المقبلة، سيُنتخب 424 شخصاً منهم لشغل المقاعد البرلمانية، بدلاً من 450 كما يقتضي القانون. هذا الاختزال في العدد، يعود إلى خروج شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول من قوام أوكرانيا وانضمامهما إلى روسيا الاتحادية، بنتيجة استفتاء شعبي عام لم تعترف كييف، كما العالم، بشرعيته. وقد كان القرم وسيفاستوبول يضمان 12 دائرة انتخابية.

كما أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الأوكرانية عن استحالة إجراء الانتخابات في 14 من 32 دائرة انتخابية في دونيتسك، التي سبق أن أقرت انفصالها عن كييف، معلنة ما يسمى بـ"جمهورية دونيتسك الشعبية" غير المعترف بها من قبل أي دولة إلى الآن.

وهي، إلى جانب "جمهورية لوغانسك الشعبية" التي كمثل سابقتها لم يعترف بها أحد، اتفقتا على أن أي انتخابات تريدها السلطات الأوكرانية لن تُجرى على أراضيهما. فالانفصاليون عازمون على انتخاب رئيسين وبرلمانين في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وفقاً للمعطيات المنشورة، يبلغ عدد الأحزاب السياسية التي ستشارك في الانتخابات 29 حزباً، علماً بأن حزب فيكتور يانوكوفيتش (الأقاليم)، الذي فاز في انتخابات 2012، يقاطع الانتخابات البرلمانية في دورتها الاستثنائية الحالية، بحجة عدم إمكانية مشاركة الناخبين من إقليم دونباس بشكل حر وعلني.

إلى ذلك، نشرت المواقع الإلكترونية تقديرات لباحثين اجتماعيين وخبراء الرأي العام، تؤكد أن كتلة الرئيس الحالي بترو بوروشينكو تتصدّر الحملة الانتخابية. وتشير التقديرات إلى حظوظ خمسة أحزاب أخرى بدخول البرلمان الأوكراني، هي:

"الحزب الراديكالي" الذي يتزعمه أوليغ لياشكو، المعروف بمواقفه الغريبة المستفزة، بل "الفاحشة" كما يسميها بعض الإعلام الأوكراني والروسي؛ وحزب "الوطن" الذي تتزعمه يوليا تيموشينكو، رئيسة الوزراء السابقة التي أخرجها الانقلاب الأخير من السجن؛ وحزب "الجبهة الشعبية"، ومن الشخصيات البارزة التي تتقدم صفوفه: رئيس الوزراء الأوكراني الحالي أرسيني ياتسينيوك، ورئيس البرلمان الأوكراني، ألكسندر تروتشينوف؛ وحزبا "أوكرانيا قوية"، بزعامة سيرغي تيجينكو، و"الكتلة المعارضة"، مع زعيمها يوري بويكو.

ويستبعد الباحثون الاجتماعيون أن يتمكن الشيوعيون الأوكرانيون، بزعامة بيوتر سيمونينكو، من تجاوز عتبة الخمسة في المائة لدخول البرلمان، ويبشّرون بمصير مشابه لحزب "الحرية" القومي بزعامة أوليغ تياغنيبوك، والحزب المتطرف "القطاع اليميني" وزعيمه ديمتري ياروش، علماً بأن الحزبين الأخيرين لديهما تشكيلات مسلّحة تخوض الحرب ضد الأقاليم الانفصالية، ومتهمة من جانب الانفصاليين والروس، بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك محرقة أوديسا التي أسّست للحرب الأهلية الأوكرانية.

قد لا يكون مفاجئاً أن تتضمن كل قوائم الأحزاب المتنافسة على مقاعد البرلمان، أسماء نشطاء من "الميدان" وصحافيين وقادة ميدانيين في وحدات المتطوعين التي تقاتل الانفصاليين في شرق البلاد، علماً بأن جميع المتنافسين على المقاعد البرلمانية الأوكرانية، وخلافاً للانتخابات السابقة، يكادون يلتقون على الدعوة في برامجهم الانتخابية لتكامل أوكرانيا مع أوروبا، ولا مركزية السلطة، وتعزيز قدرات البلاد الدفاعية.

وربما لا يكون مفاجئاً أيضاً أن تخلو برامج المرشحين من الحديث عن اللغة الروسية كلغة رسمية ثانية في البلاد. ولا يُخفى الدور الذي لعبته إجراءات السلطة الجديدة، التي انتقصت من حقوق روس أوكرانيا، في موقف موسكو من مجمل الأزمة الأوكرانية، وفي تضامن الشعب الروسي مع الانفصاليين.

اندفاع حَمَلة السلاح لشغل مقاعد البرلمان، دفع مدير معهد "استراتيجيات العولمة"، فاديم كاراسيف، إلى القول، وفقاً لما نقلته وكالة "ريا نوفوستي" عنه، إن "مجلس الرادا (البرلمان) سيكون حربياً ـ ثورجياً، وراديكالياً، ومسيّساً وناشطاً. وسيكون فيه الكثير من النشطاء السياسيين الاجتماعيين، والمهنيون، وقلّة من الذين يدركون حقيقة عمل النائب وطبيعة العمل السياسي التشريعي".

كما نقلت الوكالة إياها عن مدير وكالة "نمذجة الأوضاع" فيتالي بالا، قوله: "أميل إلى القول إنه برلمان انتقالي، واستمراره سيرتبط بالمزاج الاجتماعي، وبكيفية تطور الأحداث، وبالدرجة الأولى في المجال الاجتماعي ـ الاقتصادي. ولكن إذا حصلت معجزة وسار كل شيء على ما يرام، فلن يدور الحديث عن حلّ البرلمان" الذي على وشك أن يُنتخب.

سيتابع نزاهة الانتخابات البرلمانية الأوكرانية وشفافيتها 304 مراقبين من 21 دولة، إضافة إلى 2017 مراقباً من 20 منظّمة دولية. وكانت روسيا، تقليدياً ولكن قبل الأزمة، في عداد الدول التي ترسل العدد الأكبر من المراقبين إلى الانتخابات الأوكرانية، إلا أنّ موسكو وشقيقاتها في رابطة الدول المستقلة، لم تتلقَ هذه المرة دعوة لأداء دورها التقليدي، ومن المستبعد أن تُرسل مراقبيها الرسميين أو يشارك مراقبون روس غير معتمدين في هذا الحدث.

إلا أن ذلك لا يلغي مشاركة أعضاء من الدوما الروسية في مراقبة الانتخابات الأوكرانية، إنما سيفعلون ذلك في عداد بعثة منظمة الأمن والتعاون الأوروبية.

ومن أجل تغطية الانتخابات إعلامياً، رخّصت اللجنة المركزية للانتخابات لصحافيين أوكرانيين وأجانب يبلغ عددهم 980 صحافياً، علماً بأن النتائج الأولية ستم الإعلان عنها صباح اليوم التالي للانتخابات. بينما ينبغي على لجنة الانتخابات المركزية إقرار النتائج الرسمية في تاريخ لا يتعدى العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل والإعلان عنها في تاريخ لا يتعدى الخامس عشر منه.

فهل لبرلمان مولود من رحم الحرب أن يأتي بالسلام، أم ستعصف به الحرب كما عصفت بأسس الحياة الطبيعية في البلاد وأدت إلى تصدعها نحو تقسيمها الفعلي؟

المساهمون