يهود أميركا ونقاشات الحرب على غزة: مخاوف جدية على إسرائيل

يهود أميركا ونقاشات الحرب على غزة: مخاوف جدية على إسرائيل

17 مارس 2024
انعكس هذا التخوف في الخطاب الأميركي الرسمي والسياسي (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الأحداث الأخيرة في قطاع غزة أدت إلى إعادة تقييم واشنطن والأوساط اليهودية الأميركية لمفهوم أمن إسرائيل، مما أحيا فكرة حل الدولتين وخلق خلاف بين إدارة بايدن ونتنياهو حول تصور الدولة الفلسطينية.
- نقد غير مسبوق من النخب اليهودية الأميركية تجاه السياسات الإسرائيلية، مع تحول في الخطاب يعكس احتمالية تبني واشنطن لمواقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل، بما في ذلك فرض عقوبات.
- تزايد الضغط على الإدارة الأميركية لاتخاذ مواقف أكثر حزماً تجاه إسرائيل، مع مخاوف من تفاقم التوتر وتآكل العلاقة الخاصة بين البلدين، ودعوات للاعتراف بالدولة الفلسطينية وفرض قيود على المساعدات العسكرية.

تكشف المداولات والقراءات والمواقف، تحديداً في الفترة الأخيرة، أن أهم ما استخلصته واشنطن، ومعها معظم الأوساط اليهودية الأميركية، مما حصل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ومن ثم الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، هو أن ضمان استمرار أمن إسرائيل بات مرهوناً بإحداث تغييرات في شكل المنطقة التي كانت عليه حتى قبل بدء الحرب على غزة. 

وفرضت عملية "طوفان الأقصى"، وكذا فجور حروب الإبادة والتجويع في غزة، وعدم تمكن إسرائيل من تحقيق أغراض حربها حتى الآن، مقاربة جديدة مفادها أن الوضع الذي كان قائماً قبل الحرب لم يعد بالإمكان الرجوع إليه. خلاصة كانت في أساس إحياء إدارة بايدن حل الدولتين وخلافها مع نتنياهو بشأنه، بصرف النظر عن الصورة الفضفاضة للصيغة التي تتصورها واشنطن عن الدولة الفلسطينية، والتي لا شك أنها تريد أن تأتي مفصّلة على القياسات الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، كانت هذه الخلاصة ولا تزال في جوهر الجدل الدائر واللافت، في الأيام الأخيرة، في صفوف القيادات والنخب اليهودية الأميركية، والتي لم يسبق أن طاولت الأساسيات والشأن الإسرائيلي الداخلي. وقد بلغ ذلك ذروته، الخميس الماضي، خلال كلمة زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور اليهودي شاك شومر، الذي انتقد نتنياهو لوقوفه "عقبة في طريق السلام".

سابقاً، كانت هذه الجهات تنأى عن هذه المسائل بحجة أنها سيادية لا تتدخل فيها، ولم يسبق لسيناتور، وبالأخص يهودي، أن خاطب رئيس حكومة إسرائيل خلال جلسة رسمية لمجلس الشيوخ، بهذه اللغة، ولا حتى بما يقاربها، لكن المشهد تغيّر والتوازنات تخلخلت ومعها تخلخل ما كان بمثابة الثوابت.

ويبدو أن ذلك انعكس في الخطاب الأميركي الرسمي والسياسي، وفي هذا السياق جاء كلام شومر الذي قد يكون له جانب سياسي انتخابي، وربما جاء بالتنسيق مع البيت الأبيض، بحيث يبدو أنه موجه باسم معظم القوى اليهودية الأميركية، على اعتبار أن صاحبه شومر يشغل أعلى منصب يحتله يهودي في الدولة، وفي ذلك ما يسعف الرئيس بايدن في التعامل مع مشاكسات نتنياهو، سواء لتطويع هذا الأخير، أو لزيادة عزلته على طريق عزله من منصبه، وهو احتمال متداول وبشكل لافت، وكثير من الأوساط اليهودية الليبرالية مشاركة فيه من باب أن رئيس الحكومة الإسرائيلي صار عبئاً على إسرائيل وهبوط صورتها وسمعتها. 

لكن وراء هذه الحيثية يكمن التخوف لدى بعض هذه الأوساط من أن يتسبب نتنياهو في مفاقمة التوتر مع واشنطن وإجبارها في النهاية على اتخاذ تدابير ولو خفيفة في البداية، لكنها قد تتطور لاحقاً بحيث تؤدي إلى تآكل الخصوصية في علاقتها مع إسرائيل، لو استمرت هذه الأخيرة في ركوب رأسها لحسابات وقناعات ونوايا معروفة لدى رئيس حكومتها، منها فرض عقوبات جديدة، الأسبوع الماضي، على 3 مستوطنين، وهي المرة الثانية التي تتخذ فيها مثل هذه الخطوة مؤخراً. وثمة من يحث الإدارة على فرض عقوبات رداً على "الضم والتوسع الاستيطاني". 

كما تتعالى المطالبة في الكونغرس، خاصةً في صفوف الديمقراطيين، بوضع قيود على استخدام الأسلحة الأميركية التي يجرى تزويد إسرائيل بها. تجاهل الإدارات الأميركية السابقة مثل هذه الخطوات، على رمزيتها، كان غلطة "مكلفة". وفي السياق، توالت دعوات لشد أزر الإدارة الأميركية في منع إسرائيل من تنفيذ عمليتها العسكرية في رفح، ولدفعها لممارسة المزيد من الضغوط على حكومة نتنياهو لحملها على وضع تصوراتها بشأن "خريطة طريق" لحل سياسي، وإن لم يكن في الوقت الحاضر، على أن تكون الدولة الفلسطينية "نواة" التداول بشأنها. ويبدو أن إسرائيل "بحاجة إلى مثل هذا المخرج لتبقى آمنة"، بتعبير هاس الذي كرر مآخذه على تراخي بايدن مع نتنياهو بشكل خاص وإسرائيل بشكل عام.

هذا الحرص على أمن إسرائيل في المدى البعيد يكمن أساساً في خلفية الصحوة على خيار الدولتين وليس على حقوق الشعب الفلسطيني، ولترجمته ثمة من يستعجل البيت الأبيض لإعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل ولادتها بصيغتها النهائية، لكن بايدن ليس من قماشة قيادية تتخذ مثل هذا القرار، إذ تمنعه خصوصية تعلقه بإسرائيل من القيام بمثل هذه الخطوة، فضلاً عن حساباته الانتخابية، حيث يقف الجمهوريون له بالمرصاد، وهم نفسهم من أثاروا الكثير من الجدل على شومر بسبب ملاحظته عن نتنياهو، رغم أن السيناتور معروف ومشهود له بأنه كان وما زال، على طول الخط، من مفاتيح ونواطير إسرائيل المؤتمنين في الكونغرس، منذ أن كان نائباً وبعد أن انتقل إلى مجلس الشيوخ.

مع ذلك، يبقى التخوف اليهودي قائماً لأن بايدن قد يضطر، في حال واصل نتنياهو انفلاته ومضى في اقتحام رفح، إلى الرد ولو بإجراء رمزي قد يفتح الباب لانحسار الوضع الممتاز الذي تنعم به إسرائيل في واشنطن. ويُشار إلى أنه وعلى الرغم من طبيعة العلاقة العضوية بين واشنطن وتل أبيب، إلا أن الأجواء الأولى لم تعد بنفس مستوى الحميمية المتوارثة، لا سيما في أوساط الديمقراطيين، وحتى عند بعض الجمهوريين في الكونغرس الذين اقترحوا مؤخراً أن تُقرّ حزمة المساعدات التي طلبها الرئيس بايدن لإسرائيل (بقيمة 14 مليار دولار)، كقرض وليس كمنحة، باعتبار أن هذه الأخيرة "دولة غنية"، لكن المشروع حتى الآن لا يزال مجمداً في مجلس النواب.