وجوه متعددة للمعارضة السورية

وجوه متعددة للمعارضة السورية

14 نوفمبر 2021
تصف معارضة الداخل الفصائل السورية بـ"الإرهابية" (بكر القاسم/فرانس برس)
+ الخط -

من البديهي أنّ المكان الطبيعي والصحي لأيّ معارضة سياسية هو البلد نفسه للحزب، أو التيار المعارض، وذلك كي تكون على تماس مباشر مع جمهورها. ومع كلّ ما يحدث في البلد، تعمل المعارضة بشكل لا يتم اتهامها بالارتهان لأيّ جهة خارجية، أو على الأقل لا يتم اتهامها بالعمالة وتنفيذ أجندات خارجية، إلّا أنّ هذه القاعدة تصلح في الدول المستقرة التي تتمتع أنظمة الحكم فيها بقدر من الديمقراطية. أما في الدول التي تتمتع بأنظمة ديكتاتورية وقمعية، كما هو الحال في سورية، فالمعارضة تكون إما داخلية سرية أو معارضة علنية تنشط في الخارج، لأنّ النظام وأجهزته الأمنية لا يسمحان بقيام أيّ جهة تعارضه بشكل علني ضمن مناطق سيطرته. والنظام السوري أساساً، حتى قبل قيام الثورة السورية، كان يلاحق أي تجمع معارض وينكل بأفراده، وبالمقابل كان يؤسس تيارات وأحزابا، عبر أجهزته الأمنية، تدور في فلكه، وتعارض حسب توجيهات القيادة السياسية والأفرع الأمنية، كنوع من البريستيج، لإظهار أن هناك تعدداً سياسياً في البلد.
وخلال فترة الثورة السورية ازداد النظام شراسة وعدوانية تجاه من يعارضه، ورفع شعارات مثل "الأسد أو نحرق البلد"، أو "الأسد أو لا أحد"، ولكن في الوقت نفسه الذي كان مصير من يعارض النظام القتل أو الاعتقال مع احتمالية الموت تحت التعذيب، ظهرت تيارات سياسية تحت اسم المعارضة الداخلية، تعقد اجتماعاتها على مرأى من الأجهزة الأمنية، وتنعت النظام بالدكتاتوري، وتطالب بتغيير سياسي، وتتبنى أهداف الثورة، إلّا أنّها تختلف ببعض الرؤى عن معارضة الخارج. وعلى الرغم من ذلك تأخذ قيادات تلك المعارضة أذونات سفر من قبل النظام للقاء معارضة الخارج، التي يحاربها النظام، كما أنّه لا مانع لديها من التنسيق مع الدول الداعمة للنظام، قبل العودة لحضن الوطن بسلام. لكن، من خلال متابعة نشاط قيادات معارضة الداخل، نجد أنّها حين تلتقي بمعارضة الخارج فإنّ خطابها يكون منحصراً بالحديث عن التغيير السياسي والخلاص من النظام الديكتاتوري والتنديد بقمعه، وحين تلتقي ممثلي الدول الداعمة للنظام، فإن خطابها يتغير باتجاه المطالبة بتغيير سياسي مع عدم الممانعة في بقاء رأس النظام كجزء من الحل. أما حين تلتقي في الداخل السوري بمؤيدي النظام، فيتحول الخطاب إلى الحديث عن معارضة الخارج وارتهانها للدول التي تحتضنها، وإلى تحول فصائل المعارضة إلى فصائل إرهابية.

هذه الطريقة الموشورية (نظام هندسي) ذات الأوجه المتعددة، في التعاطي مع الثورة السورية من قبل معارضة الداخل، وقبول النظام بسقف مطالبها، والسماح لها بالتحرك بحرية في مناطق سيطرته، تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول ماهية تلك المعارضة، ودورها، كما ينذر بإمكانية تغيير مواقفها في أيّ لحظة.