واشنطن والإشارات الملتبسة حول احتمالات حرب الجبهتَين

واشنطن والإشارات الملتبسة حول احتمالات حرب الجبهتَين

13 أكتوبر 2023
أنتوني بلينكن في لقاء صحافي مشترك مع بنيامين نتنياهو في تل أبيب (جاكلين مارتن/ فرانس برس)
+ الخط -

تفيد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأنّها "تعتزم، وكذلك إسرائيل، ألا تكون ثمّة جبهة ثانية أو ثالثة" لحرب "طوفان الأقصى"، بحسب ما أوضحه وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أنتوني بلينكن في لقائه الصحافي في تل أبيب، أمس الخميس. وقد قصد ربّما أنّ توسيع الحرب غير وارد في الوقت الراهن.

أولاً، لم يتحدّث بلينكن بلغة الجزم عن عدم فتح جبهات أخرى، لا حالياً ولا بعد اجتياح غزة المتوقّع أن يبدأ في أيّ لحظة. هو ترك باب هذا الاحتمال مفتوحاً. "لا أريد التخمين بشأن أحداث المستقبل"، بحسب ما قال في معرض شرحه غرض الردع من نشر القوة البحرية غير الاعتيادية في شرق المتوسط.

ثانياً، لأنّ الوقائع، أقلّه على الصعيد الإسرائيلي، تشي بخلاف ذلك. فالغرض من استدعاء 300 ألف من قوات الاحتياط بدا، لجهة الحجم، أبعد من قطاع غزة. ثمّ المناوشات والاستعدادات العسكرية الإسرائيلية على الحدود مع لبنان، والتي استأثرت بالأضواء والتساؤلات في الأيام الأخيرة. يُضاف إلى ذلك تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّ ردّ إسرئيل "سوف يغيّر الشرق الأوسط"، والذي فُسِّر كإشارة إلى مواجهة تذهب إلى ما بعد غزة، وبما يطاول المعادلة القائمة في المنطقة، وبالتحديد إيران وامتداداتها. وأتى تأليف حكومة طوارئ عقب إعلان إسرائيل حالة الحرب، وللمرّة الأولى منذ خمسين عاماً، ليعزّز احتمالات اشتعال الجبهة الثانية، في أثناء اجتياح القطاع أو بعده.

الإدارة الأميركية في هذا الخصوص غير واضحة. شدّدت منذ البداية، وما زالت، على أنّ لا دليل لديها حتى الآن بأنّ إيران كانت على علم مسبق بعملية "طوفان الأقصى"، ولا بمشاركتها في تخطيطها أو في إعطاء الضوء الأخضر لتنفيذها. كذلك، فإنّ الرئيس بايدن لم يأتِ على ذكر إيران في المرّات الثلاث التي تحدّث فيها عن العملية. لكنّ إدارته، في الوقت ذاته، تتّهم طهران بـ"التواطؤ"، بحسب مستشار الرئيس جيك سوليفان، وهو توصيف قابل للتأويل.

وقد تردّد، مساء أمس الخميس، أنّ البيت الأبيض تراجع وعاد إلى تجميد 6 مليارات دولار كانت قد حُوّلت أخيراً من مصارف كوريا الجنوبية إلى بنك قطر المركزي، من ضمن صفقة مقايضة المساجين بين واشنطن وطهران.

ومع أنّ هذه الخطوة، التي استبعدتها إيران، ربما تكون لإسكات الاعتراضات المحلية، خصوصاً من قبل الجمهوريين، على الإفراج عن هذا المبلغ وقطع الطريق على توظيفه في الحملة الانتخابية ضدّ بايدن، لكنّ توقيتها يضعها في سياق الحدث وتداعياته.

ويبدو كلّ ذلك أقرب إلى لغة حفظ خطّ الرجعة، في حال انفجر الوضع على الجبهات الأخرى. وثمّة أكثر من سيناريو متداول أو غير مستبعد، من قبيل "إقدام حزب الله على فتح الجهة الشمالية إذا ترجمت إسرائيل تهديدها باجتياح غزة"، أو استدارة إسرائيل نحو الشمال بعد غزة "لتغيير المشهد" في المنطقة.

وهنا يُسجَّل تخوّف من تكرار سيناريو حرب العراق بعد أفغانستان ونهايته الكارثية. الوزير بلينكن يقول إنّ دروس ما سبق "قد تنطبق وقد لا تنطبق على الحالة الراهنة" في حرب غزة، إذ إنّ المطلوب تحقيقه الآن هو "دفاع إسرائيل عن نفسها والتأكّد من أنّ ما حصل لن يتكرّر". هو غطاء واضح للاجتياح، مع تذكير خجول لإسرائيل بأن تضبط عمليتها العسكرية وفقاً لقواعد القانون الدولي. لكنّ لا كلام حول قطع المياه والكهرباء وإمدادات التموين الغذائي ولا حتى حول وقف إطلاق النار.

في الوقت الراهن، تتحرك إدارة بايدن على مستوى قضية الرهائن، لعلّ إيجاد مخرج لها يساهم في قطع الطريق على خطر الانفجار في الجبهة الثانية، وهي تستعين في ذلك بدول المنطقة.

عند مغادرته واشنطن، كان برنامج زيارة الوزير بلينكن يقتصر على إسرائيل والأردن. وأتت إضافة أربع عواصم أخرى لزيارته، في الشقّ الأهمّ منها، لبحث احتمالات حلّ هذه العقدة. وعلى هامشها، النظر في الوضع الإنساني المتدهور في غزة، لتخفيف الضجة المتوقعة على حمّام الدم. ومن الخيارات المتداولة ترتيب ممرّ آمن لخروج المدنيين، لأنّ إسرائيل ترفض إدخال الاحتياجات الأساسية لسكان القطاع، من دون اعتراض أميركي معلن.

وتواكب ذلك حملات تعبئة وتأليب كاسحة تضغط في الاتجاه ذاته، والنقمة في وسائل التواصل كما في الكونغرس عارمة. وبعض من تلك الحملات يأتي بلغة المواجهة مع إيران وضرب منشآتها النفطية (على سبيل المثال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام). من جهتها، شدّدت صحيفة "وول ستريت جورنال"، للمرّة الثانية، على دور إيراني مباشر. وفي افتتاحيتها، أمس الخميس، كتبت أنّ "إيران أعطت موافقتها على هجوم حماس، في اجتماع جرى في بيروت يوم الثاني من أكتوبر/ تشرين الأوّل الجاري". كلام يعزّز خطاب ما تسمّيه "وول ستريت جورنال" بـ"تصفية الحساب" مع طهران.

في وقت سابق من اليوم الجمعة، وصل وزير الدفاع لويد أوستن إلى إسرائيل. معه يكتمل فريق الإشراف الأميركي الدبلوماسي والعسكري على بداية حرب مفتوحة على كوارث وسيناريوهات غير مسبوقة في نوعيتها وتداعياتها.

المساهمون