هونغ كونغ: قانون صارم للأمن القومي

هونغ كونغ: قانون صارم للأمن القومي

09 مارس 2024
الناشطة ألكسندرا وونغ تتظاهر أمس ضد القانون الجديد (هولمز تشان/فرانس برس)
+ الخط -

وسط إجراءات أمنية مشددة، بدأ المجلس التشريعي في هونغ كونغ المؤيد لبكين، أمس الجمعة، مناقشة مشروع قانون جديد للأمن القومي، والمعروف باسم المادة 23، المبني على قانون الأمن القومي الشامل، والذي فرضته الصين على المدينة عام 2020، عقب الاحتجاجات المناهضة للحكومة في 2019.

ويتضمن المشروع الجديد عقوبات تصل إلى السجن مدى الحياة لتهم الخيانة والتمرد والتخريب، و20 عاماً للتجسس، و10 سنوات للجرائم المرتبطة بإفشاء أسرار الدولة والتحريض على "الفتنة"، فيما يهدف إلى معالجة ما يسميه المسؤولون في هونغ كونغ "الثغرات" في نظام الأمن القومي الشامل، إذ يُدرج 5 فئات جديدة من الجرائم، وهي الخيانة والعصيان والتجسس وسرقة أسرار الدولة وتخريب الأمن القومي والتدخل الخارجي.

يهدف القانون إلى معالجة الثغرات في نظام الأمن القومي

ومن المتوقع إقرار المشروع، وفق ما قاله نوّاب لصحافيين أمس، قبل منتصف إبريل/ نيسان المقبل. وكان وزير الأمن كريس تانغ، قد قال في بيان الأسبوع الحالي، إن ما يقرب من 99 في المائة من المشاورات العامة بشأن مقترح القانون كانت إيجابية، مضيفاً أن الاعتراضات جاءت من "منظمات خارجية مناهضة للصين أو فارين"، فيما قال رئيس المحكمة العليا، بول لام، في تصريح صحافي نهاية الشهر الماضي، إنه لم يسمع أي اعتراضات على مقترح القانون الجديد خلال شهر من المشاورات العامة.

من جهته حثّ رئيس السلطة التنفيذية في هونغ كونغ، جون لي، المشرعين على تمرير المشروع "بأقصى سرعة"، مضيفاً في بيان الحكومة، أول من أمس الخميس، أن "الأوضاع الجيوسياسية أصبحت تزداد تعقيداً، ولا تزال مخاطر الأمن القومي وشيكة". وتابع: "الوسائل التي اتخذت لتعريض الأمن القومي للخطر يمكن أن تأتي بأشكال مختلفة، فيما قد يظهر التهديد فجأة"، مضيفاً أنه يجب سد الثغرات الأمنية.

قلق من مشروع القانون الجديد في هونغ كونغ

وفي السياق يرى بعضهم أن الرغبة في تسريع إقرار مشروع القانون مثيرة للقلق لقطاع الأعمال والمستثمرين في الجزيرة الاقتصادية. ويقول أندرو كولير، العضو المنتدب في مركز أبحاث "أورينت كابيتال" ومقره في هونغ كونغ، في حديث لـ"رويترز"، إن التسريع في تمرير المادة 23، أي القانون الجديد للأمن القومي، يُظهر مدى القلق من ردود الفعل المعارضة تجاهه، مضيفاً أن مجتمع الأعمال سيكون "غير سعيد" ما لم تكن هناك خطوط ومحددات معينة في القانون "تحمي الحقوق الفردية".

من جهته قال سايمون يونغ، أستاذ القانون في جامعة هونغ كونغ، إن التعريفات الواسعة للجرائم، خصوصاً تلك المرتبطة بالتدخل والتواطؤ الأجنبي، يمكن أن تشكّل تحدياً للشركات، مضيفاً، لـ"رويترز"، أن الشركات أو المجموعات التي لها صلة ما بالحكومات الأجنبية "قد تقع تحت الرادار" باعتبارها "قوة خارجية".

وتتزايد الخشية من تصاعد ملاحقة مؤيدي الاستقلال عن الصين في المركز المالي الذي يتعرض بالفعل لحملة قمع تقودها بكين على المعارضة، إذ إنه إلى جانب نفي بعضهم، ألقي القبض على نحو 300 شخص، واتهم أكثر من 170 شخصاً، منذ دخول قانون بكين حيز التنفيذ، مستهدفاً سياسيين ونشطاء، ولا سيما أن رئيس السلطة التنفيذية جون لي، ألمح في خطابه السنوي نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، إليهم بوصفهم بـ"التيارات الخفية التي تحاول خلق مشكلات، تحديداً (ما يتعلق) ببعض أفكار هونغ كونغ المستقلة، والتي لا تزال راسخة في أذهان بعض الناس".

وأضاف أن "بعض الدول تحاول المساس بالصين وبتطبيق مبدأ بلد واحد ونظامين"، والذي ينص على حكم ذاتي جزئي لهونغ كونغ، منذ أن سلّم البريطانيون الأخيرة إلى بكين في عام 1997، إذ تكون الهياكل القانونية والمحاكم منفصلة.

كما ردّت هونغ كونغ، نهاية الشهر الماضي، على انتقادات الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين اعتبرتا أن القانون سيحد من الحريات في الجزيرة، بالقول إن واشنطن ولندن لديهما قوانينهما الخاصة بالأمن القومي. كذاك قال الاتحاد الأوروبي في بيان لـ"رويترز"، أمس، إنه أوضح في مذكرة دبلوماسية "قلقه البالغ" من الأحكام في مقترح القانون بشأن "التدخل الخارجي"، وامتداده (تطبيق القانون) خارج الحدود الإقليمية.

أحكام صارمة في قانون الأمن القومي الجديد

ويتابع دبلوماسيون أجانب ومؤسسات، وفق "رويترز"، من كثب مشروع القانون الذي طُرحت مسوّدته على البرلمان في هونغ كونغ أمس، فيما قال بعض المحامين الذين حلّلوا المسوّدة إن عناصر الأحكام المعدلة لبعض الجرائم، مماثلة للأحكام الغربية، لكن بعض الأحكام مثل تلك المتعلقة بالتحريض على "الفتنة" و"إفشاء أسرار الدولة" أوسع نطاقاً، وربما أكثر صرامة.

فالمقترح يتضمن السجن مدى الحياة عقوبةً قصوى للخيانة والعصيان والتخريب، والذي "يعرّض الأمن القومي للخطر، وتحريض أفراد القوات المسلحة الصينية على التمرد"، كما يعيد صياغة جريمة "الفتنة" التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية في هونغ كونغ، لتشمل التحريض على الكراهية ضد القيادة الشيوعية والنظام الاشتراكي في الصين، مع رفع العقوبة القصوى من سنتين اثنتين إلى 10 سنوات.

وكان النقاد، بما في ذلك جماعات الدفاع عن وسائل الإعلام، قد أشاروا إلى أن الشق المتعلّق بالـ"الفتنة" يمكن استخدامه لقمع حرية التعبير ووسائل الإعلام.

ينص مقترح القانون على أن الجرائم المرتكبة خارج هونغ كونغ تقع ضمن سلطتها القضائية

وبموجب مشروع القانون المقترح، يمكن للسلطات أن تتقدم بطلب إلى المحكمة لاحتجاز المعتقل لمدة تصل إلى ما بين 14 و16 يوماً من دون تهمة، ومنعه من التشاور مع المحامين أثناء احتجازه، مقارنة بـ48 ساعة حالياً. وكما هو الحال مع القانون الأمني الشامل، ينص المقترح على أن الجرائم المرتكبة خارج هونغ كونغ تقع ضمن سلطتها القضائية.

وتقترح المسوّدة تعريفاً متعدد الجوانب لـ"أسرار الدولة"، إذ يجرّم الوصول إلى أسرار الدولة وحيازتها والكشف عنها بطريقة غير قانونية، وبطريقة لا يغطي جانب التكنولوجيا فحسب، بل "القرارات السياسية الرئيسية" و"التنمية الاقتصادية والاجتماعية" والعسكرية للمدينة "دفاعاً عن المصلحة العامة". وقال بعض المحامين، وفق "رويترز"، إن تلك الأسرار تتعلق بحكومتي الصين وهونغ كونغ وعلاقتهما كذلك.

غير أن مشروع القانون أشار إلى بعض الأحكام المتعلقة بالحقوق، كوجوب "احترام حقوق الإنسان وحمايتها"، وحماية "الحقوق والحريات، بما في ذلك حرية التعبير والصحافة والنشر، وحرية تكوين الجمعيات".

لكن سارة بروكس، مديرة برنامج الصين في منظمة العفو الدولية، قالت في بيان أمس، إن مشروع القانون المقترح للأمن القومي في هونغ كونغ "يستورد المفاهيم القانونية للبر الرئيسي الصيني"، بشأن "الأمن القومي" و"أسرار الدولة"، بطريقة مقلقة للغاية لمستقبل المدينة. وتابعت: "وثقنا (المنظمة) منذ فترة طويلة كيف تم استخدام هذه القوانين" في الصين "لانتهاك الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي".

(رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس)