هل يمكن حرمان روسيا من عضوية مجلس الأمن وحق استخدام الفيتو؟

هل يمكن حرمان روسيا من عضوية مجلس الأمن وحق استخدام الفيتو؟

02 مارس 2022
عزل روسيا بشكل تام وهي قوة نووية قد تكون له عواقب وخيمة (تاس)
+ الخط -

هل يمكن حرمان روسيا من حق التصويت أو من حقوقها المتعلقة بعضويتها في الأمم المتحدة؟ قد تبدو الإجابة عن هذا السؤل بسيطة لكنها معقدة وطرحت أخيراً في ظل الاجتياح الروسي لأوكرانيا.

وكان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قد قال في تغريدة له على "تويتر" إنه طلب خلال محادثة مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، حرمان روسيا من حق التصويت في مجلس الأمن كردٍ على هجومها على أوكرانيا واستخدامها الفيتو ضد قرار يدينها في مجلس الأمن. وجاء في نص التغريدة: "تطرقت خلال محادثتي مع الأمين العام للأمم المتحدة (لمواضيع) تتعلق بحرمان الدولة المعتدية (روسيا) من حق التصويت في مجلس الأمن الدولي، ولتصنيف الممارسات والبيانات الروسية على أنها إبادة بحق الشعب الأوكراني، والمساعدة في تسليم جثث الجنود الروس".

تصريحات مشابهة أدلى بها السفير الأوكراني للأمم المتحدة، سيرغي كسليتسا، خلال عدد من الجلسات المتعلقة بالاجتياح الروسي لبلاده، والتي شكك من خلالها في أحقية روسيا بمقعدها بمجلس الأمن. وتحدث السفير الأوكراني عن أمرين أولهما المادة الرابعة لميثاق الأمم المتحدة تحت الفصل الثاني حول عضوية الدول الأعضاء. وجاء فيها أن "العضوية في الأمم المتحدة مباحة لجميع الدول المُحبة للسلام، والتي تأخذ بالالتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق، وترى الهيئة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة فيها".

وبحسب السفير الأوكراني، فإن الهجمات على أوكرانيا تتعارض مع هذا المبدأ. لكن السفير الأوكراني أشار إلى أمر آخر متعلق بسقوط الاتحاد السوفييتي وتأسيس الاتحاد الروسي، ورأى السفير الأوكراني تلك "الوراثة" غير شرعية لأن ميثاق الأمم المتحدة يشير إلى الاتحاد السوفييتي كدولة مؤسسة وليس روسيا، خاصة وأنه لم يكن هناك قرار بالجمعية العامة بذلك، بحسب السفير الأوكراني. ثم طلب أن يوزع الأمين العام للأمم المتحدة مذكرة قانونية "كتبها المستشار القانوني للأمم المتحدة بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 1991 والتي تسمح للاتحاد الروسي بالانضمام إلى مجلس الأمن خلفاً للاتحاد السوفييتي". وبحسب السفير الأوكراني فإن هذه المذكرة بمثابة دليل على أنه لا يحق لها أخذ مقعد الاتحاد السوفييتي دون تصويت.

ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد" في هذا السياق؛ قال الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، حول "الرسالة" آنفة الذكر: "لقد أجرى مكتب الشؤون القانونية مراجعة للملفات ذات الصلة ولم يتمكن من تحديد وثيقة مؤرخة بـ19 ديسمبر/كانون الأول 1991 حول هذا الموضوع. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد مكتب الشؤون القانونية أنه لا يوجد رأي قانوني من المستشارين القانونيين الحاليين أو السابقين بشأن القضية المطروحة. ورأي المكتب القانوني هو أن مسألة العضوية في الأمم المتحدة وأي دولة عضو في الأمم المتحدة يجب أن تبت فيها بشكل أساسي الدول الأعضاء". وجاءت تصريحات دوجاريك خلال المؤتمر الصحافي اليومي الذي يعقده في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأمم المتحدة لا تنشر نصوص المشاورات القانونية أو الفتاوى، التي يقدمها مكتب الشؤون القانونية (التابع) للأمين العام والأمانة العامة، فهي سرية بطبيعتها. لكنها قامت في هذه الحالة باستثناء ربما لقطع التكهنات والجدل حول الموضوع. وهذا يترك الادعاءات الأوكرانية والطعن في أهلية روسيا لمقعدها غير صحيحة، وفي أحسن الأحوال محل جدل قانوني ربما.

وعلى الرغم من أنه نظرياً هناك بنود أخرى في الفصل الثاني لميثاق الأمم المتحدة (المادة 5 والمادة 6) حول عضوية الدول الأعضاء وشروطها التي تشير إلى إمكانية حرمان دولة ما من حقوقها كعضوة، بما فيها التصويت في الجمعية العامة؛ فإن ذلك يتطلب قراراً من مجلس الأمن، مما يحيلنا مجدداً إلى أنه يمكن لروسيا استخدام "الفيتو" في هذه الحال، على الأقل نظرياً. وحتى لو لم تتمكن روسيا من استخدامه فمن المستبعد أن تتخلى الصين عن حليفتها. والمواد المتعلقة بذلك تنص على أنه يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن بحقه إجراء احتياطياً أو منعاً، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناءً على توصية مجلس الأمن. ولمجلس الأمن أن يعيد لهذا العضو تلك الحقوق والمزايا. والمادة السادسة تشير إلى أنه "إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق؛ جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناءً على توصية مجلس الأمن".

وبحسب خبراء، فإن خطوة من هذا القبيل (أي طرد روسيا أو تجميد عضويتها في مجلس الأمن أو حقها بالتصويت) شبه مستحيلة. ويحذر هؤلاء من أن عزل روسيا بشكل تام وهي قوة نووية وقوة فاعلة على الساحة الدولية؛ قد تكون له عواقب وخيمة. لكن هناك إمكانيات أخرى لا تعني بالضرورة تجميد عضويتها، وقد أشار إليها بعض الخبراء، ومنها إمكانية الطلب من روسيا الامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن لأنه متعلق بعدوانها. وفي هذا السياق، تنص المادة الـ27 تحت الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة على أنه "تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه، تكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت".

ولكن اللافت في هذا السياق، أن بقية الدول دائمة العضوية (فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والصين) لم تطرح تفعيل ذلك البند أو حتى نقاشه. وصرح دبلوماسي غربي رفيع المستوى، لـ"العربي الجديد" في نيويورك في هذا السياق: "لقد طرح هذا الموضوع من خارج الدول الأعضاء في مجلس الأمن. لكن وبصراحة لم تكن هناك رغبة بنقاشه. أعتقد أن الدول دائمة العضوية تدعم بعضها في الحفاظ على مكاسبها حتى لو كانت على النقيض السياسي من بعضها البعض. لا أحد يريد أن يكون في الموقف نفسه في المستقبل".

وربما هذا ما يفسر تصريحات للسفيرة الأميركية، ليندا توماس غرينفيلد، عندما سئلت في مقابلة على قناة "سي أن أن" الأميركية حول تصريحات الرئيس الأوكراني ومطالبته بحرمان روسيا من حق التصويت، فقالت: "إن روسيا عضوٌ دائمٌ في مجلس الأمن، وينص ميثاق الأمم المتحدة على ذلك. ولكن سنحاسب روسيا على عدم احترامها لميثاق الأمم المتحدة. ولقد تم عزلها بطرق مختلفة". وأضافت بهذا السياق": "على سبيل المثال، انضمت إلينا 80 دولة لتبني نص مشروع قرار مجلس الأمن. كما انضمت إلينا أكثر من 50 دولة على المنصة في بيان (أمام مجلس الأمن بعد فشل تبني المجلس للقرار بسبب الفيتو الروسي)، أشرنا فيه للعدوان الروسي، لذا فإن حقيقة جلوسهم في مجلس الأمن لا تعني أنهم محميون من النقد ومحصنون من العزلة والإدانة".

ولعل الكثيرين يتذكرون حال نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التاريخي، والذي اتخذته في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1974، حيث علقت فيه مشاركة جنوب أفريقيا في أعمالها، بسبب المعارضة الدولية لسياسة الفصل العنصري. ما حرم جنوب أفريقيا من التصويت والحديث. وفي حينه دعم قادة الدول الأفريقية، وعلى رأسها الجزائر، تلك الحملة والمجهودات وعارضتها بشدة الدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة، التي كانت تدعم نظام الفصل العنصري. وأعيد قبول جنوب أفريقيا في الأمم المتحدة في عام 1994 بعد انتقالها إلى نظام ديمقراطي.