يتركز الحديث في الآونة الأخيرة، سواء في الأوساط التركية أو في الشارع شمالي سورية حيث تسيطر المعارضة المدعومة تركياً، عن إمكان حصول عمل عسكري مشترك جديد بين الجيش التركي وقوات المعارضة السورية، المدعومة من أنقرة، ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي تتلقى دعماً مباشراً من الولايات المتحدة. وتتجه الأنظار نحو تل رفعت ومحيطها، المدينة التي تقطنها غالبية عربية، فيما تسيطر عليها الوحدات الكردية منذ العام 2016، بعد هجوم عنيف تلقى خلاله المسلحون الأكراد دعماً جوياً روسياً، ما أحدث دماراً بالبنى والممتلكات وأدى إلى نزوح الكثير من سكان المدينة ومحيطها عنها.
وعلى الدوام، طالبت أنقرة الروس والأميركيين بالضغط على "قسد" للانسحاب من ثلاث مدن رئيسية تقع على خطوط التماس مع مناطق نفوذها، التي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية المدعومة منها، وهي تل رفعت ومنبج وعين العرب (كوباني)، وجميعها في الريفين الشمالي والشمالي الشرقي من حلب، وتلك الأخيرة متاخمة تماماً للحدود التركية من جهة شمال حلب. وتهدف أنقرة للسيطرة على كامل الشريط الحدودي مع سورية، بعمق حوالي 30 كيلومتراً، ضماناً لأمنها القومي، كما يقول المسؤولون الأتراك الذين ركزوا طوال الأعوام الأربع الماضية على إبعاد المجموعات الكردية عن الحدود، لا سيما المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية غرب نهر الفرات، أي مدينتي منبج وتل رفعت ومحيطيهما.
مصدر تركي: أردوغان بات مقتنعاً بإزالة تهديدات "قسد"
وكان العميد عدنان الأحمد، نائب رئيس هيئة الأركان في "الجيش الوطني" المعارض والحليف لتركيا، قد أجرى أول من أمس الخميس، إلى جانب عدد من ضباط "الجيش الوطني"، زيارة لنقاط رباط "الجبهة السورية للتحرير" الفاصلة بين سيطرة قوات المعارضة السورية من جهة، و"قسد" وقوات النظام من جهة أخرى، غرب مدينة الباب الواقعة ضمن ما يُعرف بمنطقة "درع الفرات" شمال شرقي محافظة حلب، أي على مقربة من مدينة تل رفعت التي تدور حولها تكهنات اندلاع معركة جديدة لاستردادها من قبل المعارضة.
وقالت مصادر عسكرية، لـ"العربي الجديد"، إن الهدف من زيارة الأحمد هو تكثيف عدد نقاط الرباط وزيادة عدد العناصر على خطوط التماس، خصوصاً في الآونة الأخيرة، بعد تكثيف "قسد" محاولات التسلل إلى مواقع "الجيش الوطني" على خطوط التماس شمالي محافظة حلب. كما أجرت "غرفة القيادة الموحدة - عزم"، التي تضم عدة فصائل من "الجيش الوطني"، اجتماعاً مساء الخميس الماضي، وذلك لبحث آخر المستجدات المحلية وسبل التعاون والتنسيق مع باقي مكونات "الجيش الوطني".
كما قال مصدر تركي مقرب من الحكومة في أنقرة، لـ"العربي الجديد"، إن إطلاق عملية عسكرية جديدة، بالشراكة بين المعارضة والجيش التركي، أمر بات بالفعل مطروحاً داخل الأروقة الضيقة للحكومة التركية، مضيفاً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بات يطلع على كثير من التفاصيل التي تحيط بالمعطيات الميدانية شمال حلب، ولا سيما الخروقات التي يقوم بها مسلحو "قسد"، وبات مقتنعاً بإزالة التهديدات من أساسها. وأشار المصدر إلى أن أبرز الخيارات عند أردوغان والقيادة العسكرية هو عملية عسكرية جديدة لدحر "قسد" عن بعض المواقع، لا سيما في تل رفعت، وإزالة التهديدات، بعد فشل الولايات المتحدة والروس بإقناع "قسد" بالالتزام بالاتفاقيات.
وأول من أمس، هدد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بأن بلاده ستقوم باللازم في المكان والزمان المناسبين لوقف الهجمات الإرهابية شمالي سورية، بحسبه، موضحاً أن أنقرة ستقوم باللازم لحماية حقوقها ومصالحها والحفاظ عليها في المكان والزمان المناسبين تحت قيادة أردوغان، بحسب ما نقلت عنه وكالة "الأناضول" التركية. وأشار أكار إلى وجود تغيرات وتحولات جادة في المنطقة والعالم، خصوصاً في قضايا الأمن والدفاع، مؤكداً أنهم يراقبون ذلك عن كثب لاتخاذ كافة الإجراءات المناسبة. وأضاف أن بلاده تحترم حقوق وسيادة دول الجوار، وفي حال عدم اتخاذ أي خطوة تجاه لجم الإرهابيين هناك (سورية) فإن تركيا ستقوم باللازم، مشدداً على أن أنقرة لم ولن تسمح إطلاقاً بإنشاء ممر إرهابي، وأنه سيتم القضاء على كل من يسعى من الوحدات الكردية للقيام بذلك. وحول الاتفاقيات المبرمة مع الولايات المتحدة وروسيا بشأن شمالي سورية، قال أكار: "نحن، كتركيا، نقوم بواجبنا على أكمل وجه، ونفي بالتزاماتنا".
طه عودة أوغلو: الجميع بانتظار ساعة الصفر لإطلاق العملية العسكرية ضد الوحدات الكردية
وكان أردوغان أكد، الاثنين الماضي، نفاد صبر أنقرة حيال بؤر الإرهاب شمالي سورية، وعزمها على القضاء على التهديدات في مهدها، ما عد إشارة إلى التجهيز لعملية عسكرية شمالي سورية. وسابقاً، نفذت أنقرة ثلاث عمليات عسكرية، بالمشاركة مع "الجيش الوطني" المعارض المدعوم من قبلها، كانت الأولى صيف 2016 حين دحر الجيش التركي وقوات المعارضة تنظيم "داعش" عن مدينتي الباب وجرابلس ومحيطيهما شمالي حلب، ضمن ما عرف بعملية "درع الفرات". وكانت الثانية ضد "قسد" ربيع العام 2018، التي أبعد من خلالها الجيش التركي والمعارضة "قسد" عن مدينة عفرين ومحيطها، ضمن ما عرف بعملية "غصن الزيتون".
وشنت المعارضة السورية والجيش التركي عملية عسكرية أخرى ضد "قسد" خريف العام 2019، وتمكنت من دحر الوحدات الكردية عن منطقة واسعة تبدأ من مدينة تل أبيض بريف الرقة وتصل إلى مدينة رأس العين في ريف الحسكة الغربي. وكان الجيش التركي يهم بتوسيع نطاق السيطرة لولا تجميد المعارك بناء على اتفاق أميركي ـ تركي، ثم اتفاق آخر روسي - تركي أنهى العمليات، مقابل شروط تركية تطالب بانسحاب "قسد" من مناطق سيطرتها على الحدود نحو الجنوب بعمق حوالي 30 كيلومتراً. وأخيراً، زادت وتيرة المناوشات الجانبية بين "قسد" من جهة، وفصائل المعارضة والجيش التركي من جهة أخرى، قرب خطوط التماس لكل من سيطرة الطرفين. ويقول الأتراك إن عمليات التسلل من قبل المسلحين الأكراد باتت تهدد الجيش التركي أكثر من ذي قبل.
وتعليقاً على ذلك، قال الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو إن التصريحات التركية، التي صدرت عن كبار المسؤولين الأتراك، والتي كان آخرها لأكار، تنذر بأن العملية العسكرية في الشمال السوري ضد الوحدات الكردية باتت قريبة. وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كافة المعطيات (السياسية والعسكرية) التركية، وحتى وسائل الإعلام المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، تشير إلى أن الجميع بانتظار ساعة الصفر لإطلاق العملية العسكرية ضد الوحدات الكردية، والمتوقعة في تل رفعت". وكشف عودة أوغلو أنه "في المقابل، ما زالت التقارير الأمنية تصل إلى أردوغان عبر مستشاريه، والتي تقول إن أنقرة حالياً تبحث عن مخرج للتصعيد الأخير من قبل قسد، والمتناغم مع التصعيد الروسي، من خلال عملية عسكرية مختلفة عن العمليات الماضية، ولكن يبدو أن هناك خطة جاهزة حالياً على طاولة أردوغان- أكار بانتظار التوقيع عليها أو إجهاضها في الدقيقة الـ91 من عمر الأزمة الحالية".