نواب لبنانيون يطالبون بمحاسبة النائب العام التمييزي على "مخالفاته"

40 نائباً لبنانياً يطلبون محاسبة النائب العام التمييزي على "مخالفاته"

27 يناير 2023
النواب تلوا بيانهم على وقع انقطاع الكهرباء في مبنى البرلمان (حسين بيضون)
+ الخط -

تشهد الساحة القضائية في لبنان "هدوءاً حذراً"، اليوم الجمعة، بعد القرارات التي اتخذها النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بملف انفجار مرفأ بيروت، بانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من مستجدّات، ولا سيّما على جبهة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، الذي يصرّ على مواصلة مهامه حتى إصدار قراره الاتهامي في القضية، والتمسّك بمواعيد جلسات الاستجواب التي تبدأ في 6 فبراير/ شباط المقبل، والتي قد تخرج بمذكرات توقيف غيابية بحق المدعى عليهم في حال تغيّبهم.

في المقابل، خرقت "الهدوء" على مستوى القرارات القضائية مطالبة 40 نائباً في البرلمان (من أصل 128)، يمثلون قوى معارضة وتغييرية، بمحاسبة فورية للنائب العام التمييزي، "لما قام به من مخالفات فاضحة وتدخل مباشر في ملف موجود لدى المحقق العدلي وإخلاء سبيل موقوفين من دون صلاحية".

وكان لافتاً أيضاً قول المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي، اليوم الجمعة: "بيروت أمّ الشرائع، فلا تجعلوها أمّ الشوارع"، وذلك في معرض إجابته عن أسئلة الصحافيين حول موقفه من استدعاءات القاضي البيطار والتي طاولته.

وشهدت شوارع بيروت، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، سيناريو دامياً عُرف بـ"أحداث الطيونة"، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى خلال تظاهرة نفذها مناصرو "حزب الله" و"حركة أمل" (يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري) لإقالة القاضي البيطار، واتهموا فيها "حزب القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع بتنفيذ كمين لهم في محاولة لإحداث فتنة وإشعال حرب أهلية.

وفي تعليقه على سماح الأمن العام بسفر المخلى سبيله في القضية محمد العوف، مسؤول الأمن في مرفأ بيروت، والذي يحمل الجنسية الأميركية، إلى الولايات المتحدة علماً أنّ قرار إخلاء السبيل، الذي أصدره القاضي عويدات بحق جميع الموقوفين، تضمن في الوقت نفسه منع سفر، اكتفى اللواء عباس إبراهيم بالقول "نحن لا نقوم بشيء مخالف للقضاء".

نواب يضيئون على مخالفات النائب العام التمييزي   

وعلى الرغم من قطع التيار الكهربائي عن البرلمان، عقد النواب مؤتمراً صحافياً في المجلس النيابي، شددوا خلاله على أنّ "النائب العام التمييزي، الذي تنحّى عن ملف انفجار مرفأ بيروت سابقاً وقُبِلَ تنحّيه، ينقلب اليوم على أبسط النصوص القانونية وحقوق الضحايا والمتضرّرين بكشف الحقيقة والوصول إلى العدالة"، مطالبين وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري بـ"مصارحة الشعب بما أصاب القضاء وكيفية معالجة الاختلال الذي أصابه".

واعتبر النواب أنّ "الشعب اللبناني يشهد منذ صباح الأربعاء الأسود انقلاباً مدمّراً بدأ بضربته الأولى باغتيال العدالة عبر قرارات ووسائل فاقدة للشرعية وسريالية، بوجه العدالة والحق، الأمر الذي لم نشهد له مثيلاً في الديكتاتوريات الغادرة ولن نقبل به، إذ لا مساومة على دم أبرياء 4 آب (أغسطس)".

وأشاروا إلى أنّ "هذا الانقلاب مستمرّ بضرباته المتتالية، ومن جملة ما هو هادف إليه تكريس سطوة نظام بوليسي مقيت لن نرضخ له إطلاقاً، وسنواجهه بشتّى السبل القانونية والدستورية والسلمية المتاحة مستندين إلى التفاف شعب جامع يتوق إلى تكريس العدالة وإقامة دولة القانون".

ولفت النواب إلى أنّ "ما تعرّض له المحقق العدلي منذ تعيينه، وحتى تهديد شخصه وتعريض السلم الأهلي للبلاد للخطر، خير دليل على إرادة واضحة بعرقلة التحقيق وتغييب العدالة".

الصورة
40نائباً لبنانياً يطالبون بمحاسبة فورية للنائب العام التمييزي (حسين بيضون)
40 نائباً لبنانياً وقّعوا على البيان (حسين بيضون)

كما عبّروا عن رفضهم المساس بصلاحيات المحقق العدلي لجهة إشراك أي قاضٍ رديف بملف عكف على إعداده قاضٍ لا يزال معيّناً أصولاً للتحقيق فيه، مطالبين بمتابعة القاضي البيطار التحقيق من النقطة التي وصل إليها والإسراع في إصدار القرار الاتهامي وإحالته إلى المجلس العدلي، مشيرين إلى أنّ أي مأخذ على عمل المحقق العدلي أو أي قرار يتخذه إنما يقدّم أمام المجلس العدلي صاحب الصلاحية النهائية والحصرية في الفصل بالملف، بكل مراحله وتحقيقاته.

واستنكر النواب "التعرّض للشعب وممثليه في مشهدٍ همجي لا يليق بالعدالة ولا بالقيّمين عليها من سياسيين وقضاة"، داعين إلى "فتح تحقيق فوراً لكشف الاعتداءات الحاصلة وتحديد هوية الفاعلين ومرجعياتهم والمسؤولين عن دسّهم داخل قصر العدل وإنزال أشدّ العقوبات بهم"، طالبين معرفة هوية الشخصين اللذين جرى توقيفهما.

وعرّج النواب الذين يعتصم بعضهم منذ أكثر من أسبوع في البرلمان، على الملف الرئاسي، محذرين من مخاطر الشغور في سدة رئاسة الجمهورية وفي ظل الانهيار الدراماتيكي القاتل للوضع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني المترافق مع انقلاب قضائي، مكررين دعوتهم إلى عقد دورات متتالية ومن دون انقطاع حتى انتخاب رئيس.

وتحوّل قصر العدل، أمس الخميس، إلى حلبة صراعٍ شهدت بشكل غير مسبوق اعتداءات على نواب من قبل عناصر وصفها هؤلاء بـ"حرّاس وزير العدل"، عدا عن المناوشات التي حصلت بين محتجين وعناصر أمنية خلال تحرّك نفذه أهالي الضحايا رفضاً لـ"الانقلاب على التحقيق والشرعية القانونية"، ودعماً لعودة القاضي البيطار وقراراته المتخذة.

مجلس القضاء الأعلى يبحث موضوع انعقاده الأسبوع المقبل   

ولم يعقد مجلس القضاء الأعلى، أمس الخميس، جلسته في ظل استمرار الخلاف بين أعضائه على مقاربة ملف انفجار مرفأ بيروت، وتفضيلهم عدم اتخاذ أي قرار في ظلّ الغضب الشعبي والضغط الحاصل في الشارع، الرافض كلياً لأي إجراء قضائي يتخذه المجلس ويبعد القاضي البيطار عن القضية، سواء بتعيين قاض رديف له أو بديل عنه.

ويقول مصدرٌ قضائيٌّ مطلع على القضية لـ"العربي الجديد"، إنّ "مجلس القضاء الأعلى يبحث في إمكانية عقد جلسة الأسبوع المقبل في حال هدأت الأمور نسبياً، ولكنه يعاني بدوره من انقسامات حادة، ولا سيما لناحية الموقف من تعيين قاض بديل عن القاضي البيطار، لإدراكه تماماً أنّ قراراً من هذا النوع من شأنه أن يؤجج الوضع أكثر ويصوّب الغضب الشعبي نحو المجلس برمّته".

على صعيدٍ متصل، أشار نادي قضاة لبنان (جمعية هدفها تحقيق استقلالية السلطة القضائية، حسب تعريفه)، إلى أنّ قرارات القاضي عويدات "خارجة عن الضوابط والأصول بشكل صارخ يهدد أساسات العدالة والقانون"، داعياً "كل من ارتضى أن لا يتصرّف كقاضٍ ورهن نفسه لخدمة السلطة السياسية واللاعدالة، أن يبادر إلى الاستقالة تمهيداً للمحاسبة والمساءلة".