نسبة وفيات كورونا في مصر تكشف عجز المنظومة الرسمية

نسبة وفيات كورونا في مصر تكشف عجز المنظومة الرسمية

05 فبراير 2021
لا تسيطر الدولة على انتشار الحالات في الشارع (فاضل داوود/Getty)
+ الخط -

في تكرار شبه متطابق للحالة التي دخلتها مصر في يوليو/تموز الماضي، من إشاعة رسمية لأجواء تفاؤل بتخطي الموجة الحادة من انتشار فيروس كورونا، بدأت وزارة الصحة والأذرع الإعلامية للسلطة، في نشر معلومات وبيانات وأرقام، تُخلّف لدى الرأي العام انطباعاً بنجاح الدولة في تجاوز ذروة الموجة الثانية من الجائحة واتجاه التفشي إلى الانحسار. وتأتي هذه البيانات والمعلومات، من دون إعلان الظروف الحقيقية التي أدّت إلى التذبذب الأخير في أعداد الإصابات "المسجلة رسمياً والمعلنة"، في ظل ارتفاع غير مسبوق في نسبة الوفيات، منذ بدء الجائحة، بوصولها إلى 5.7 في المائة من إجمالي الإصابات. فالزيادة الملحوظة في عدد الوفيات (متوسط 50 يومياً لأكثر من شهر)، والتي لا تتناسب مع انخفاض حالات الإصابة المسجلة يومياً إلى ما دون 600 إصابة منذ بداية الأسبوع الماضي، أدت إلى تسجيل نسبة تشير إلى خلل كبير في أعمال التتبّع والترصد الوبائي والتشخيص والتعامل السريع مع حالات الإصابة، بحسب مصادر طبية في منظمة الصحة العالمية في القاهرة، وأخرى في وزارة الصحة، تحدثت لـ"العربي الجديد".

ارتفاع غير مسبوق في نسبة الوفيات منذ بدء الجائحة، بوصولها إلى 5.7 في المائة من إجمالي الإصابات

وكانت نسبة الوفيات خلال الموجة الأولى من انتشار الجائحة، قد وصلت إلى 4.9 في المائة في نهاية ذروتها. وخلال فترة الذروة، كانت قد وصلت هذه النسبة، إلى 3.6 في المائة (أدنى معدلاتها) نتيجة التوسع الكبير في التشخيص واستقبال الحالات بين شهري إبريل/نيسان ويونيو/حزيران الماضيين، قبل التوسع في اتّباع إجراءات العزل المنزلي لتخفيف الضغط على المنظومة الصحية الرسمية.

وما يزيد ارتفاع نسبة الوفيات خطورة، وفقاً للمصادر، انتشار الوفيات في دوائر رسمية وبين مجموعات وثيقة الصلة بنظام الحكم وأجهزة الدولة، كتسجيل عشر حالات وفاة بين القضاة وأكثر من 20 وفاة بين العاملين في دواوين الوزارات وسط القاهرة خلال الأسبوع الماضي. ويعني ذلك ارتفاع أعداد الوفيات في أوساط تجد من السهل الوصول إلى المستشفيات والخضوع للعلاج، ما يطرح تساؤلات عن مدى دقة الأعداد المسجلة في أوساط اجتماعية يصعب عليها الوصول للمنظومة الصحية.

ووفقاً للمصادر، فإن النسبة الإجمالية لشغل الأسرّة في المستشفيات الحكومية المعدّة لعزل المصابين حالياً، لا تزيد على 40 في المائة. لكن في الوقت الذي قد يُعتقد فيه أن هذا مؤشر على تجاوز الأزمة بعد الوقت الصعب الذي مرّت به البلاد في بداية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، والذي شهد أزمة إمدادات الأكسجين ونقص الطاقة الاستيعابية، إلا أنه من منظور موضوعي آخر، يعتبر مؤشراً على عدم سيطرة الدولة على انتشار الحالات في الشارع خارج المنظومة الصحية الرسمية. وينطبق ذلك خصوصاً على حالات العزل المنزلي، والحالات التي لم تشخص، والحالات المتعاملة بصورة اعتيادية مع إصابتها، وتمثل الفئة الأخيرة، بحسب المصادر، النسبة العظمى من مصابي الفيروس في مصر.

وشرحت المصادر أن التعامل المتأخر مع الحالات المصابة من أصحاب الأمراض المزمنة، والنقل المتأخر للمصابين بحالات خطيرة إلى المستشفيات، والذي بدوره يساهم في زيادة نسب الوفيات، يعبّر عن أزمة انفصال الشارع عن المنظومة الصحية الرسمية. ويأتي ذلك خصوصاً بعد اكتساب المواطنين خبرة تراكمية للتعامل مع الأعراض الخفيفة والمتوسطة للإصابة، من خلال انتشار بروتوكولات العلاج المختلفة وتوصيات الأطباء عبر صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. كما ساعد على هذا الأمر توافر الأدوية في الصيدليات والمستشفيات الخاصة، وعدم حدوث عجز كبير في الأدوية الأساسية، والسماح للمعامل الخاصة بإجراء تحاليل "بي سي آر"، والاعتماد في العموم على الفحوصات والأشعة. وزاد تأثير ذلك كلّه بتخوف المواطنين المطرد من التوجه للمستشفيات، بسبب شكاوى المصابين وذويهم من ضعف الإمكانيات وعدم توافر الأسرّة، خصوصاً في وحدات الرعاية المركزة. وتسبب هذا الأمر في وجود عدد كبير من المصابين خارج المنظومة الصحية لم يتم تسجيلهم، واعتمدوا على أنفسهم أو على أطباء في التشخيص بواسطة الأعراض.

تسجل أزمة انفصال الشارع عن المنظومة الصحية الرسمية، وذلك لأسباب عدة

وساهم في هذا المشهد أيضاً التوسع الرسمي في العزل المنزلي. فعلى الرغم من أن وزارة الصحة عادت لربط صرف العلاج من المستشفيات بوجوب إجراء تحليل "بي سي آر" إيجابي للحالة، إلا أن المستشفيات الإقليمية تجيز صرفها بناء على الأشعة أو التشخيص الطبي الصادر من طبيب للحالة، طالما كانت معزولة منزلياً ولا يتطلب الوضع دخولها المستشفيات، ما ساهم في توفير العلاجات الرسمية أيضاً للمصابين، وبالتالي استمرار عزلهم خارج منظومة التسجيل. ومن العوامل التي أدّت أيضاً إلى انخفاض نسب الإشغال في المستشفيات على الرغم من زيادة عدد الوفيات، ارتفاع نسب الشفاء الرسمية بعدم اشتراط تحول التحاليل إلى سلبية لإخراج المصاب من المستشفى، والاكتفاء بانقضاء عشرة أيام بعد انتهاء ظهور الأعراض الأساسية (وليس الآثار اللاحقة للإصابة)، ما تسبب في وفرة الأسرّة بالنسبة التي تتحدث عنها المصادر.

يذكر أن عملية التلقيح ضد كورونا على المستوى الوطني تواجه صعوبات حالياً، بسبب انخفاض كميات الجرعات التي استوردت حتى الآن، وهي 50 ألفاً من لقاح "سينوفارم" الصيني المدعوم من الإمارات، ومثلها من "أسترازينيكا -أكسفورد" المصنوع في الهند. ولم تطلق وزارة الصحة حتى الآن منظومة التسجيل الإلكترونية للتلقيح.
وسبق أن كشفت مصادر حكومية في مجلس الوزراء ووزارة الصحة، أن المنظومة الإلكترونية التي ستوضع لتسجيل المواطنين الراغبين في الحصول على اللقاح، لن تعمل على أساس ترشيح الأعداد لاستثناء القادرين على الدفع، بل على العكس ستقوم على ترشيحها لاستثناء غير القادرين، ما يعني أن الغالبية العظمى من اللقاحات ستوزع مقابل مبلغ مالي على أن يختلف حسب نوعها، وربما يختلف أيضاً حسب مقدم الخدمة ذاتها، أي ما إذا كان المواطن سيحصل عليها في المراكز العامة الخاصة باللقاح أو المستشفيات أو بمعرفته الشخصية.

وسجّلت مصر تذبذباً على مدار أسبوعين صعوداً وهبوطاً، بين الخمسمائة والستمائة حالة إصابة يومياً، من دون أن تعلن وزارة الصحة أسباب ذلك، مع استمرار تسجيل أكثر من خمسين حالة وفاة في المستشفيات يومياً بكورونا. ووصل العدد الإجمالي لحالات الإصابة في مصر إلى 167525، ويرتفع عدد الوفيات إلى 9460، وتصل نسبتها إلى 5.7 في المائة لإجمالي الإصابات، في حين ارتفعت أعداد المتعافين داخل المنظومة الرسمية إلى 130912 شخصاً.

 

المساهمون