موظفو "روزا لوكسمبورغ" في الأردن وفلسطين: يُقمع حقنا في رفع أصواتنا

موظفو "روزا لوكسمبورغ" في الأردن وفلسطين: يُقمع حقنا في رفع أصواتنا

27 أكتوبر 2023
تستمرّ جرائم الإبادة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة (عبد زقوط/الأناضول)
+ الخط -

أرسل العديد من الموظفين العاملين في مؤسسة "روزا لوكسمبورغ" في الأردن وفلسطين رسالة إلى إدارة المؤسسة الألمانيّة ومكاتبها في كلّ أنحاء العالم، يعبّرون فيها عن موقفهم من الحرب الإسرائيليّة المتواصلة على قطاع غزّة، وعن استيائهم ممّا أسموه "إسكات الأصوات الفلسطينيّة في المؤسسة"، الأمر الذي يتعارض مع الالتزام المشترك بالعدالة وحقوق الإنسان، بحسب الرسالة الداخليّة التي حصل "العربي الجديد" على نسخة منها بعد تسريبها باللغة الألمانية.

وتُعتبر مؤسسة "روزا لوكسمبورغ" واحدة من ست مؤسساتٍ سياسيةٍ في جمهورية ألمانيا الاتحادية المرتبطة مع الأحزاب السياسية، وتعمل على توفير التثقيف، وهي مرتبطة بشكلٍ وثيق مع حزب اليسار، وتأسست عام 1990 على اسم المناضلة اليساريّة روزا لوكسمبورغ، وهي تمثل التيار الرئيسي للاشتراكية الديمقراطية مع تركيز دولي.

وتعتبر المؤسسة نفسها ملتزمةً بوجهة نظر راديكالية في ما يخص التنوير والنقد الاجتماعي، وهي تقف مع أعراف الحركات العمالية والنسائية، وكذلك ضد الفاشية وضد العنصرية، وتدعو إلى الحوار المتكافئ بين دول الشمال والجنوب.

وأثارت مواقف "روزا لوكسمبورغ" تحفظات لدى عدد من المؤسسات الشريكة معها في العالم العربي خلال الأيام الماضية، وصلت إلى حدّ إعلان عدد من المؤسسات التونسيّة مقاطعة العمل معها.

وأصدرت ثلاث مؤسسات تونسيّة، هي "خرائط للمواطنة" و"الورشة الإعلاميّة" و"مرصد السيادة الغذائية والبيئية"، بياناً مشتركاً، أعلنت فيه استنكارها ما أسمته "مساواة الجلاد الصهيوني والضحايا الفلسطينيين مسلوبي الأرض"، وأعلنوا قطع العلاقات مع "روزا لوكسمبورغ"، والامتناع عن أي شراكات مستقبليّة.

وعلم "العربي الجديد" أن فروعاً أخرى للمؤسسة الألمانيّة حول العالم ومؤسسات شريكة لها تتحضر لإصدار بيانات قريباً حول الموضوع، تدين فيه موقف "روزا لوكسمبورغ".

وجاء في رسالة موظفي المؤسسة في الأردن وفلسطين، التي تُنشر للمرّة الأولى باللغة العربيّة: "نكتب هذه الرسالة بإلحاح كبير. لقد شهدنا إبادة جماعية مستمرة في فلسطين، والتي تؤثر علينا كفلسطينيين وكموظفين في مؤسسة روزا لوكسمبورغ. كل كلمة في هذه الرسالة مهمة بالنسبة لنا (...). خلال الأيام الخمسة عشر الماضية، يُقتل فلسطيني في غزة كل سبع دقائق، بما في ذلك أطفال رضع في الحاضنات. هذه الصور الرهيبة محفورة في حاضرنا وذاكرتنا الجماعية. إنها تحمل وزناً استثنائياً في سرد وجودنا كأمة مهددة بالتطهير العرقي منذ 75 عاماً".

وأضافت الرسالة: "نشعر بوضوح شديد أن حقوقنا الأساسيّة في رفع أصواتنا والتعبير عن آلامنا يجرى قمعها"، مشيرة إلى أن "القمع المنهجي للأصوات الفلسطينية وإدامة رواية المضطهِد أمران مألوفان بشكل محبط. منشورات حديثة، مثل تلك الموجودة على صفحة إنستغرام الخاصة بمؤسسة روزا لوكسمبورغ العالمية في 19 أكتوبر 2023 (جرى نشرها بعد ساعات فقط من مذبحة المستشفى التي قُتل فيها 700 فلسطيني في دقيقتين)، والتي تضمنت كلمات مدير المؤسسة في تل أبيب تحت عنوان "وسط الرعب، الأصوات التقدمية في إسرائيل -فلسطين تخترق منطق التصعيد"، يجعلنا نتساءل: أي أصوات فلسطينية؟ أصواتنا تُسكت، وتُحرم من منصة تُسمع فيها. هذا هو واقعنا العاري".

وتابعت الرسالة: "لقد طلبنا حذف هذا المنشور لأنه لا يمثلنا، ونعتبره إهانة وتجريداً من إنسانيتنا، وقد حُذف، ونحن نقاوم هذا الظلم منذ 75 عاماً، ونخوض معركتنا منذ بدايات استعمار فلسطين. لقد كُبتت أصواتنا، وكُتمت قصصنا، وهُمّش وجودنا. وعلى الرغم من كل هذا، فإن العالم ينتبه إلى محنتنا المستمرة".

وأَضافت الرسالة: "ما يقلقنا بشدة هو حقيقة أنه ليست لدينا مساحة حتى داخل منظمتنا، التي كانت تمثل دائماً مُثُلاً يسارية متطرفة، ومن المؤسف أن مقرنا لم يقم بعد بإدانة الإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين بشكل لا لبس فيه"، مشددة على أن "هذا الصمت مقلق، خاصة أن لدينا زملاء وشركاء فلسطينيين يعيشون في غزة. نحن نعيش في خوف دائم على حياتهم، ومع كل دقيقة تتواصل فيها هذه الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، يزداد الخطر على حياتهم".

وتساءل الموظفون: "كيف يمكن لهذا الصمت أن يتماشى مع التزامنا المشترك بالعدالة وحقوق الإنسان ومكافحة الظلم؟ كيف يمكن لمنظمة وقفت باستمرار ضد الظلم والقمع أن تتردد في اتخاذ موقف حازم ضد الجرائم الجسيمة التي ترتكب بحق شعبنا؟"، مضيفين: "شهدنا موجة عالمية من التضامن من أجل القضية الفلسطينية، وكنا نأمل أن تنضم روزا لوكسمبورغ، المتجذرة بعمق في الراديكالية، إلى هذه الموجة المتنامية من المسؤولية الثوريّة والعدالة".

وتطرق الموظفون إلى التحديات التي تواجه الدفاع عن القضية الفلسطينية، خاصة في ظل تزايد التطرف اليميني في أوروبا والعالم، مؤكدين أن الدفاع عن الاشتراكية يتوجب عليه "الوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ، وهو واجب أخلاقي يتجاوز أي عقبات قد نواجهها". وطالبوا جميع زملائهم في مكاتب روزا لوكسمبورغ في كلّ أنحاء العالم برفع صوتهم والوقوف ضد الإبادة الجماعيّة في فلسطين.

محاولات إسكات

كما تطرقت الرسالة إلى تركيز وسائل الإعلام الغربيّة على إدانة حركة "حماس" قائلة: "من الأهمية بمكان أن نعترف بأن الأزمة الحالية في غزة لا يمكن أن تعزى فقط إلى الإجراءات الأخيرة (7 أكتوبر 2023)، ويجب أن يُفهم ذلك في سياق النضال التاريخي للشعب الفلسطيني منذ عام 1948"، مشيرة إلى أن "غزة عانت من حصار دام 16 عاماً، ونجت من العديد من الاعتداءات الإسرائيلية على مر السنين".

وتابعت: "لسوء الحظ، فإن التصريحات الصادرة عن مختلف مكاتب روزا لوكسمبورغ، سواء كان ذلك في المقر الرئيسي لروزا لوكسمبورغ، أو مكتب شمال أفريقيا، كانت محبطة للغاية بالنسبة لنا. على سبيل المثال، على الموقع الرئيسي للمؤسسة في 10 أكتوبر 2023، امتنع البيان عن تناول فداحة الظلم. لقد تحدثوا نيابة عنا مستخدمين خطاب "كلا الجانبين"، متجنبين مصطلحات مثل "جرائم الحرب"، أو "الاستعمار"، أو "الإبادة الجماعية"، أو "الحصار" في ما يتعلق بالفظائع المستمرة ضد الشعب الفلسطيني".

وأضافت "في هذه الأوقات المضطربة، من المفارقة المريرة أن تُمنح المنصّات الإسرائيليّة، التي ينظر إليها شعبنا على أنها مضطهدة ومحتلة، مساحة غير مقيدة لرواياتها، ما يؤدي إلى إغراق أصوات المحتلين. لقد شهدنا حالات لا حصر لها جرى فيها إسكات أصواتنا ومحوها، ما دفعنا إلى ممارسة الرقابة الذاتية، إلى حد حرماننا من حريتنا المشروعة في التعبير. ويكون الألم أكثر وضوحاً عندما نحرم من أصواتنا بشكل منهجي، وتُوضع معاناتنا الجماعية في غياهب النسيان في سجلات أحد أحلك الفصول، وأكثرها بشاعة في تاريخ البشريّة - الإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين".

وأشارت الرسالة إلى انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في استخدام الفوسفور الأبيض، واستخدام التجويع وسيلةً للقتل، وحرمان أكثر من مليونين من سكان غزة من الماء والكهرباء والدواء، والهجمات المنظمة التي يشنها المستوطنون الصهاينة في الضفة الغربية، متحدثة عن "ممارسة ممنهجة للعنف والتكميم ضد أبناء شعبنا في المخيمات الفلسطينية والشتات، وحرمانهم من حقهم الأساسي في العودة. ويستمر هذا القمع في التصاعد، ما يتركنا مثقلين بثقل الظلم الذي لا يطاق".

وخلصت الرسالة إلى القول "بالوحدة والعزم الذي لا يتزعزع، نناشد مكاتب روزا لوكسمبورغ في كلّ أنحاء العالم أن تقدم صوتها للصرخة العالمية من أجل وضع حد للإبادة الجماعية المستمرة، والوقوف بحزم في التضامن مع زملائك الفلسطينيين. نأمل أن يحتفل التاريخ بهذا العمل من الالتزام الاشتراكي الثوري والعادل والحازم. نحن نقف ضد الظلم والاستعمار، وندعم الإرادة الشعبية للتحرر. نحن نقف مع شركائنا الذين وثقوا بنا دائماً على أساس التوافق السياسي والممارسة السياسية المشتركة".

المساهمون