ما الذي تريد روسيا تغييره في الدستور الأوكراني؟

ما الذي تريد روسيا تغييره في الدستور الأوكراني؟

07 مارس 2022
التعديلات جاءت بطلب من الرئيس السابق بيترو بوروشينكو (الأناضول)
+ الخط -

تزامناً مع وصول الوفدين الروسي والأوكراني لعقد جولة ثالثة من المفاوضات قرب الحدود البيلاروسية البولندية، اشترط الكرملين، اليوم الإثنين، إدخال تعديلات في الدستور الأوكراني من أجل وقف الحرب الروسية المتواصلة جواً وبراً وبحراً على أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط الماضي.

وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، في تصريحات لوكالة "رويترز" اليوم، إنه "يجب عليهم (الأوكرانيين) تعديل دستورهم بحيث ترفض أوكرانيا أي هدف يؤدي للانضمام إلى أي كتلة. تحدثنا أيضاً عن حقيقة أنه يجب عليهم الاعتراف بأن شبه جزيرة القرم هي أراض روسية، والاعتراف بدونيتسك ولوغانسك كدولتين مستقلتين. وهذا كل شيء". وأشار إلى أن الجانب الأوكراني تبلغ هذه الشروط.

يؤكد الدستور الأوكراني على "الهوية الأوروبية للشعب الأوكراني وعدم التراجع عن المسار الأوروبي والأوروبي الأطلسي لأوكرانيا"

تعديلات تسعى روسيا لإلغائها من الدستور الأوكراني

ويتضمن الطلب الروسي التراجع عن نص في ديباجة الدستور المعدل الذي أقره البرلمان الأوكراني في فبراير/ شباط 2018، بطلب من الرئيس السابق بيترو بوروشينكو، والذي أدخل يومها كذلك تعديلات إضافية على المادتين 30 المتعلقة بأصول المحاكمات على الاعتداء على ملكية الدولة والملكية الفردية، و141 المتعلقة بكيفية انتخاب رؤساء المناطق والمجالس المحلية.

وجاء في الديباجة التي عدلت في 2018، أنه بناء على الفقرة الخامسة من القانون، الذي وافق عليه الراد العليا (البرلمان) الأوكراني، يتم التأكيد على "الهوية الأوروبية للشعب الأوكراني وعدم الرجوع عن المسار الأوروبي والأورأطلسي لأوكرانيا"، وأن "الرئيس يجب أن يكون ضامناً للدفع بهذا المسار".

وفي جلسة برلمانية عام 2018، مخصصة للذكرى الخامسة لبدء "العدوان الروسي المسلح" على أوكرانيا، (في إشارة إلى سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014)، وقع بوروشينكو قانوناً بشأن التوجه الإستراتيجي للبلاد نحو العضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

وأضافت التعديلات فقرة خامسة للديباجة بعد عبارة "السلم الأهلي في أرض أوكرانيا"، عبر تضمين عبارة "وتأكيد الهوية الأوروبية للشعب الأوكراني وعدم التراجع عن المسار الأوروبي والأوروبي الأطلسي لأوكرانيا".

كما تضمن التعديل، الفقرة الخامسة من الجزء الأول في المادة 85 التي تتحدث عن مهام البرلمان، عبر إضافة الفقرة التالية: "تحديد مبادئ السياسة الداخلية والخارجية، وتنفيذ المسار الاستراتيجي للدولة للحصول على العضوية الكاملة لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي".

كما تم استكمال المادة 102 التي تتحدث عن مهام الرئيس الأوكراني بصفته الاعتبارية كرأس للدول والمتحدث باسمها، والضامن لسيادة الدولة، وسلامة أراضي أوكرانيا، ومراعاة دستور أوكرانيا، ببند ثالث هو أن "رئيس أوكرانيا هو الضامن لتنفيذ المسار الاستراتيجي للدولة للحصول على العضوية الكاملة لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي".

ومن التعديلات الإضافية التي أدخلت يومها، استكمال المادة 116 التي تتحدث عن مهام مجلس الوزراء، وتحديداً في ما يتعلق بالفقرة الأولى، إذ تمت إضافة عبارة "يضمن مجلس الوزراء تنفيذ المسار الاستراتيجي للدولة للحصول على العضوية الكاملة لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي".

روسيا تهدف من طلبها بشأن هذه التعديلات، إلى حسم حياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي

سعي روسي لحسم حياد أوكرانيا

ومن الواضح أن روسيا تهدف بطلبها بشأن هذه التعديلات، حسم حياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، كما أن العبارة الخاصة بهوية الشعب الأوكراني الواردة في الدستور غير مقبولة بالنسبة للكرملين. وقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أكثر من مرة، على أن الشعبين الروسي والأوكراني شعبان شقيقان.

وفي ما يخص فقرة أن الرئيس هو الضامن لتحقيق الأهداف بشأن الانضمام إلى حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، فإنها تعني عملياً أنه حتى وإن استطاعت موسكو فرض رئيس مقرب منها، كما كان الحال في عهد الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش في 2014، فإنه لن يكون قادراً على التقارب مع روسيا ومشروع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وبالتالي فإن موسكو معنية بشطب هذه الفقرة.

كذلك، يتضمن الطلب الروسي تعديلات في المادة الأولى من الدستور التي تنص على أن الدولة تمارس سيادتها على المناطق والحدود التي كانت عليها أوكرانيا السوفيتية حين خرجت من الاتحاد السوفييتي وأعلنت استقلالها وسيادتها عليها في أغسطس/آب 1991.

دفع أوكرانيا للتخلي عن القرم ودونيتسك ولوغانسك

وعملياً، فإن روسيا تطلب من أوكرانيا التخلي عن سيادتها على الجمهوريتين الانفصاليتين بمساحة تقدر بنحو 56 ألف كيلومتر مربع، إضافة إلى الإقرار بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم البالغة مساحتها 26 ألف كيلومتر مربع، ما يعادل قرابة سدس مساحة أوكرانيا، والتخلي عن أهم ميناء لصادرات المواد الزراعية والمعادن على بحر آزوف.

وفي حال أوفت روسيا بتعهداتها، فإن الأمور تعود للسيناريو الأساسي وهو تمكين الانفصاليين من استعادة كامل أراضي منطقتي دونيتسك ولوغانسك بحدودها الإدارية في 2014، وبالتالي يجب على روسيا الانسحاب، بعد إقرار البرلمان الأوكراني التعديلات المطلوبة.

وتكون روسيا بذلك قد وسّعت عملياتها العسكرية لتحقيق عدة أهداف أهمها تدمير قدرات أوكرانيا العسكرية وعدم تمكينها من الوصول إلى إنتاج سلاح نووي، ومقايضة الأماكن الإضافية التي احتلتها للضغط من أجل الاعتراف بسيادتها على القرم، والاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين. 

ورغم أن تنفيذ المطالب الروسية أقرب ما يكون إلى إعلان استسلام من قبل أوكرانيا، فإن عدم تشجع موسكو للمطالبة بمنح وضع خاص لأقاليم أخرى تغلب على تركيبتها الإثنية الروسية والناطقين بالروسية، ربما يعود إلى المقاومة التي واجهتها في تلك المناطق، لكن هذا لا يعني أنها قد لا تعمل مستقبلاً على مواصلة تفتيت أوكرانيا وخاصة في مناطق الشرق والجنوب الشرقي.