ماذا وراء تصعيد السلطة في تونس ضد قيادات حركة "النهضة"؟

ماذا وراء تصعيد السلطة في تونس ضد قيادات حركة "النهضة"؟

21 سبتمبر 2022
خلال احتجاج على التحقيق مع الغنوشي والعريض بقضية "التسفير لبؤر التوتر" 19 سبتمبر (Getty)
+ الخط -

تخضع حالياً قيادات أمنية ورجال أعمال، وقيادات من حركة "النهضة"، للتحقيق أمام قاضي التحقيق بقطب مكافحة الإرهاب، في ما يُعرَف بملف "التسفير إلى بؤر التوتر"، بعد الاستماع إليهم لدى باحث البداية (التحقيق التمهيدي) في ثكنة بوشوشة خلال الأيام الماضية، في ظروف وصفها المحامون الحاضرون بأنها "تنكيل ممنهج وحصة تعذيب، وليس استنطاقاً".

وتعتبر قراءات عديدة في تونس ملاحقة رئيس "حركة النهضة"، راشد الغنوشي، ونائبه علي العريض، على وجه التحديد، تطوراً مهماً في صراع السلطة مع معارضيها عموماً، ومع أهم مكوناتها، وخاصة حركة "النهضة"، وإيذاناً بدخول مرحلة جديدة من هذا الصراع، بعد تجاوز مرحلة جسّ النبض التي استمرت لأشهر.

وخلال الندوة الصحافية لـ"جبهة الخلاص الوطني" المعارضة في تونس، الثلاثاء، قال أحد أعضائها، المحامي رضا بلحاج، إن الرئيس الغنوشي تعرّض للتنكيل، منتقداً إبقاءه، وهو في عمر يتجاوز 80 سنة ينتظر 14 ساعة لاستنطاقه، وهو الرئيس الشرعي والمنتخب للبرلمان.

وأضاف بلحاج أن حيثيات ما حصل، ليلة الاثنين إلى الثلاثاء، "تنطبق عليه تصريحات رئيس جمعية القضاة، أنس الحمادي، الذي حذّر من أن إعفاء القضاة حصل حتى تكون مفاتيح السجون بيد قيس سعيّد"، على حد تعبيره.

وبيّن بلحاج أن هناك "خطراً كبيراً يُهدد البلاد"، مشدداً على أن القضاء في وضعه الحالي سيكون خطراً على الجميع، بحسب تعبيره. واستنكر ما اعتبره "توظيف القضاء لتصفية الخصوم السياسيين، وإن الملف يتعلق بضرب الحريات".

لا خطوط حمراء أمام السلطة

ويعتبر متابعون أن استهداف رئيس حكومة سابق وإيقافه يومين، بالرغم من فراغ ملف الاتهامات، بحسب المحامين، وإبقاء رئيس البرلمان ورئيس واحد من أكبر الأحزاب السياسية، لمدة تفوق 14 ساعة، ليومين متتاليين في التحقيق، استهدافٌ مقصود هدفه ضرب رموز الحركة بغاية "بثّ الرعب في قواعدها"، خصوصاً أنها أكبر قاعدة شعبية معارضة في البلاد، وكذلك توجيه رسالة للجميع بأنه "لم تعد هناك خطوط حمر أمام السلطة، وأن فسحة التسامح انتهت تماماً".

وقال المتحدث الرسمي باسم "حركة النهضة"، عماد الخميري، خلال الندوة نفسها، إن "الغاية الأساسية مما حصل هو التنكيل والتشويه والإساءة للقادة الوطنيين، وأيضاً إخماد الأصوات الشرسة المعارضة للانقلاب، وتدشين زمن الخوف من سلطة الانقلاب، ويعكس رغبة حقيقية في الزج بالقادة السياسيين في ملفات مفبركة من أجل إلجام الأصوات الحرة المناهضة للانقلاب".

وفي تحليله لهذه التطورات، يعتبر عضو "جبهة الخلاص الوطني"، جوهر بن مبارك، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التحقيق مع الغنوشي والعريض "إشارة تحوّل جديد في الصراع بين السلطة والمعارضة، وأن هناك حالياً تصعيداً كبيراً واضحاً".

مناخات تحيل على فترة بداية التسعينيات

ولفت بن مبارك إلى أن "المؤشرات تحيل على مناخات فترة بداية التسعينيات، من خلال الشيطنة، ثم إعداد الرأي العام والهرسلة المتواصلة، ويبدو أن جزءاً من المنظومة القضائية أصبحت تعمل تحت طائلة الخوف من الإجراءات القمعية، وخصوصاً بعد عزل 57 قاضياً لم يستجيبوا لتعليمات السلطة، وربما يكون جزء من هذه المنظومة أصبح مرتبكاً يعمل تحت الخوف".

وتابع: "النظام القائم ينفّس على نفسه من أزمة البلاد الاجتماعية والاقتصادية، من خلال التضييق على خصومه وتقديم أكباش فداء وإلهاء الرأي العام بالهرسلة القضائية لقيادات من النهضة وعلى رأسهم الغنوشي والعريض، وقد أكد المحامون أن الملفات فارغة".

وشدد عضو "جبهة الخلاص الوطني" على أن "هناك أزمة كبيرة يعيشها النظام القائم حالياً، تتبين من خلال محاولته تصفية حساباته، وهناك تصعيد واضح حالياً، وأنا أخشى من محرقة حقوقية في الطريق"، مبيناً أن "عملية جسّ النبض هذه إن مرت فإن النار ستأكل الأخضر واليابس".

وأوضح المتحدث ذاته أن "السهام موجهة بالأساس الآن إلى الحركة الإسلامية، ولكن هذه هي المقدمة، وسبق وعشنا التجربة في التسعينيات، عندما انطلقت أيضاً ضد الإسلاميين، ثم انتهى الأمر إلى محرقة طاولت الجميع وكل القوى السياسية، والتاريخ يعيد إنتاج نفسه بذات الأخطاء والخطابات والمناخات والآليات".

وأشار بن مبارك إلى أن "هناك محاولات لإعداد الرأي العام للتطبيع مع ما يحدث من استهداف للحريات وضرب المعارضين".

واعتبر بن مبارك أن ما يدور في بعض الدوائر القضائية والأمنية والإعلامية ضدّ المعارضين هو "إعداد المناخات لمحرقة حقوقية قادمة، ونحن ندرك هذا جيّداً، وبصدد مواجهته وكشفه، وقدرنا هو المقاومة بشرف والصمود بشجاعة، ونحن على يقين أن المنظومة الفاشية المنهارة وبيادق الانقلاب ومعاوله ترمي بأوراقها الأخيرة قبل أن تنهار، ولذلك تلجأ إلى ما تبقى لها من أدوات الشيطنة والقمع".

محاولة للتغطية على الفشل

من جهته، اعتبر القيادي في حركة النهضة، نور الدين العرباوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التصعيد الحالي ضد النهضة مفهوم، فكلما اشتدت أزمة النظام في إدارة شؤون الدولة وكان عاجزاً عن توفير القوت للتونسيين، لجأ إلى حل واحد، وهو التصعيد ضد الطرف السياسي الأهم في البلاد، وهو حركة "النهضة"".

وأكد العرباوي أن "ما يجري اليوم محاولة فاشلة للتغطية على الفشل وإلهاء الرأي العام وتضليله حتى لا ينتبه إلى حقائق الأمور، وإلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي".

ولفت المتحدث ذاته إلى أن "دعوة الغنوشي وعلي العريض تمت في ذات الوقت الذي حصلت فيه زيادات هامة في الأسعار بالتحديد، كما صدر قبلها بيوم قانون الجرائم الإلكترونية، ومن قبله القانون الانتخابي، في محاولة واضحة للتغطية عليها"، مضيفاً أن "المأزق السياسي والاجتماعي واضح، وبالتالي إن الحل أمام الفاشلين للأسف هو الذهاب نحو استهداف الطرف السياسي الأقوى والأكثر تجذراً".

وبيّن أن "التنكيل برموز "النهضة" واضح"، وأن حركته تندد بما حصل مع الغنوشي، حيث قضى 14 ساعة في انتظار التحقيق، و"هذا غير مقبول، لأنه كان بالإمكان الإبقاء عليه في منزله ودعوته عند انطلاق التحقيق، ولكن هذا لم يحصل، ولم يتم استنطاقه، لأن الهدف الحقيقي هو التنكيل به، كذلك الأمر مع علي العريض، لأنه تم الحديث معه في قضايا وأشياء لا علاقة له بها، ولا قيمة لها قانونياً".

وأكد أنهم "متأكدون أن الملف فارغ، وأن استهداف رموز "النهضة" غايته التنكيل بهم"، معرباً عن أمله في "ألا يتكرر ما حصل"، لافتاً إلى أن "السلطة حالياً في مأزق، ويبدو أن لا حلول أمامها سوى توجيه انتباه الرأي العام نحو قضايا فارغة".

المساهمون