أُعلن الخميس الماضي في تونس عن استحداث الممر التجاري القاري التونسي الليبي نحو بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، بإشراف وزيرة التجارة وتنمية الصادرات التونسية كلثوم بن رجب، ووزير الاقتصاد والتجارة في حكومة الوحدة الوطنية الليبية محمد علي الحويج. ويهدف المشروع إلى إرساء شراكة فعالة ثلاثية الأبعاد تونسية ليبية أفريقية، بحسب الوزيرين، وبحث تنفيذ الخطط التي تقود إلى ذلك فعلياً.
يطرح توقيت هذا الإعلان أسئلة كثيرة على البلدين، سياسية واقتصادية بالضرورة، ولكنها أخلاقية قبل كل شيء؛ فالبلدان متهمان معاً بسوء معاملة المهاجرين الأفارقة، في الأسابيع الأخيرة بشكل خاص. ووثّقت المنظمات الدولية والجمعيات الإنسانية خلال السنوات الأخيرة العديد من التجاوزات بحق الأشقاء الأفارقة، بالإضافة إلى الخطاب الرسمي في البلدين، الذي يضيق بالمهاجرين الأفارقة، ويرقى أحياناً إلى تمييز واضح.
مرّ زمن طويل منذ كانت ليبيا ملجأ آلاف أفارقة جنوب الصحراء، وآلاف التونسيين، الذين يتوجهون إليها مهاجرين باحثين عن الرزق. واليوم أصبحت للأسف منطلقاً لهجرة أخرى نحو أوروبا. ومرّ كذلك زمن طويل منذ كانت تونس قادرة على احتضان الهاربين إليها، تؤويهم وتخفف آلامهم. غير أن كل ذلك تغيّر اليوم، صحيح أن الأزمات في البلدين لا تنتهي، وعدم الاستقرار في كليهما لا يرقى إليه شك، والظروف الاقتصادية متردية للغاية، ولكن على ليبيا وتونس ألا ينسيا أن أولئك الأفارقة ساهموا في إعمار ليبيا على مدى عقود، وقد كشفت الأرقام الأخيرة في تونس أنهم أيضاً وراء تحويلات مالية كبيرة إليها، حاولت السلطة أن تثبت أنها مبعث للشك، وقد يكون الأمر صحيحاً، ولكنه رقم اقتصادي مهم.
ولكن على ليبيا وتونس أن تطرحا اليوم سؤالاً جوهرياً على نفسيهما، ماذا تريدان من أفريقيا تحديداً؟ أخطأ العقيد الليبي الراحل معمر القذافي عندما تغلغل في أفريقيا وحاول أن يكون وصياً على بعض الدول بقوة المال، وأخطأ الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة ومن بعده الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، عندما فعلا العكس تماماً وأدارا الظهر لأفريقيا. اليوم يريد البلدان ربح كل شيء من قارة تنمو بقوة وتتوجه إليها أنظار العالم كله، بينما يرفضان دفع أي ثمن مقابل ذلك، بل ويمعنان في خطابات تُبيّن أنه ليس هناك احترام حقيقي وعميق للأشقاء، أو على الأقل للشركاء.
وإذا لم تفهم تونس وليبيا أنهما بحاجة إلى سند يحمي الظهر، وهو ما تؤكده جغرافيا القارة، فيسخسران كثيراً من الوقت والجهد والثروة. ولا يبدو أن هناك وعياً حقيقياً بذلك، لأن النقاش لم يُطرح بعمق في كلا البلدين إلى اليوم.