أُجري الدور الثاني من الانتخابات التشريعية التونسية، أمس الأحد، بدعوة من الرئيس قيس سعيّد، لاستكمال مسار سياسي بدأه منذ 25 يوليو/ تموز 2021 بوضع يده على كل السلطات، بعد أن حلّ البرلمان المنتخب وأقال الحكومة وجمّد كل المؤسسات الدستورية المنتخبة انتخاباً شفافاً وديمقراطياً. وكتب دستوراً بمفرده ووضع قانوناً انتخابياً بمفرده أيضاً، وها هو يصل إلى وضع برلمان أغلب أعضائه من مناصريه، بعد أن قاطعته كل المعارضة من دون استثناء.
ويطرح تونسيون، ومراقبون من الخارج أيضاً، سؤالاً مهماً: ماذا بعد هذه الانتخابات وماذا بعد هذا البرلمان؟ وإلى أين تسير تونس، وهل سيعصف هذا المسار باستقرارها واستقرار المنطقة من حولها؟ وهي أسئلة موضوعية، ذلك أن الانقسام في هذا البلد بلغ أقصاه، مع تمسك سعيّد بخطاباته المعهودة من دون أي تنازل ولا مدّ يد الحوار أو الإنصات لأحد، بينما يقف الجميع ضده تقريباً، حتى من كان يؤيده أو من كان يتصور أنه يمكن التلاعب به واستغلاله لضرب خصومه، وإن كان بعضهم لا يزال يحلم بذلك.
والمؤكد أن هذا الانقسام السياسي الواضح أصبح يهدد قوت التونسيين وحياتهم اليومية، خصوصاً أن الكارثة الاقتصادية أصبحت حقيقة ماثلة أمام الجميع.
ومساء السبت، صُعق التونسيون بخفض جديد للتصنيف السيادي لتونس من وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، التي غيّرت أيضاً التوقعات المستقبلية إلى سلبية، ما يعني تعرض الحكومة والمصرف المركزي لمخاطر مالية عالية.
وقال الخبير المالي التونسي آرام بالحاج، إن تصنيف "موديز" الأخير لتونس "مؤشر خطير"، مضيفاً عبر صفحته على "فيسبوك" أن هذا التصنيف "يعني للأسواق أن الدولة التونسية على حافة الإفلاس، وأن التمويلات التي ستُقدّم لتونس مستقبلاً تُعتبر مخاطرة كبيرة".
وأمام هذه الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن لسعيّد ولا لمناصريه أو معارضيه الاختلاف حولها، يمكن وضع 50 برلماناً للخطابات الرنانة والشعارات الجوفاء، لأن كثيراً من الشعوب لا تكترث بمن يحكمها في الحقيقة، ولكن كيف يحكمها وماذا سيقدم لها؟
وقد يتناسى سعيّد أن الظروف الاقتصادية الصعبة هي التي هيأت له الطريق، التي كانت بالتأكيد أفضل بكثير مما هي في عهده، فهل يتصور أن التونسيين سيشبعهم برلمان بلا صلاحيات وسيصبرون على ضرب حرياتهم كل يوم؟ المشكلة أن تونس تتوغل يوماً بعد يوم في نفقها المظلم أكثر فأكثر، والمشكلة الأكبر أن نُخَبَها لا تكترث بهذا الظلام، ولا تزال تناور من أجل أفكار بالية قديمة تجاوزتها أمم كثيرة، بينما هم في الحقيقة يضيعون حلم أمة في الديمقراطية والحياة الكريمة.