ليبيا: اغتيالات تطاول شخصيات أمنية وقيادات مسلحة وسط صمت رسمي

اغتيالات تطاول شخصيات أمنية وقيادات مسلحة وسط صمت رسمي

01 ابريل 2021
يرى مراقبون أن الاغتيالات في ليبيا تقوم بها أطراف نافذة لتنظيف سجلاتها (Getty)
+ الخط -

تثير الأنباء بشأن موجة الاغتيالات التي استهدفت عدداً من الشخصيات الأمنية وقيادات المجاميع المسلحة في ليبيا، شرقاً وغرباً، تساؤلات حول توقيتها وأهدافها في وقت يرجح فيه مراقبون أن أطرافاً نافذة في المشهد الليبي بدأت بتنظيف سجلاتها، استباقاً لفتح باب التحقيق في ملف الانتهاكات والجرائم التي شهدتها البلاد طيلة سنوات. 

ورغم الجدل والاهتمام الواسع بحادثة اغتيال قائد الإعدامات، المقدم محمود الورفلي المطلوب للعدالة الدولية، في بنغازي في 24 مارس/آذار الماضي، إلا أن حوادث ومحاولات اغتيال، تناقلتها وسائل إعلام ليبية في الآونة الأخيرة ولم تعلن عنها أي جهة رسمية في البلاد، طاولت عدداً من الشخصيات الأمنية والقيادات في شرق ليبيا، من بينها اغتيال الضابط في جهاز الأمن الداخلي في بنغازي، ربيع الشركسي، في 28 مارس/ آذار الماضي، ومحاولة اغتيال ضابط الاستخبارات العسكرية في طبرق، صالح المريمي، الثلاثاء الماضي، كما لا يزال مصير الضابط بقوات الصاعقة، ناصر الدرسي،  مجهولاً بعد أن أكد آمر القوات الخاصة، اللواء عبد السلام الحاسي، اعتقاله من قبل "جهات أمنية" قبل اغتيال الورفلي. 

وفي غرب ليبيا تم تناقل أنباء عن عدة اغتيالات لقيادات من الصف الثاني داخل المجاميع المسلحة، من بينها اغتيال أسامة ميلود، أحد قادة كتيبة الخضراوي، الأحد الماضي بمدينة الزاوية، ومحمد الدامونة، أحد قادة لواء الصمود بطرابلس، الاثنين الماضي، وعبد المالك المصراتي، آمر سجن ابوسليم وسط طرابلس، الثلاثاء الماضي. 

ومؤخراً، أعلنت وزيرة العدل في حكومة الوحدة الوطنية، حليمة عبد الرحمن، عن بدء تشكيل لجنة بمشاركة دولية في غضون 15 يوماً، تهدف إلى "حث الجهات غير الخاضعة للدولة الليبية على الإفراج عن المعتقلين في سجونها"، مطالبة كل الجهات غير المعترف بها من قبل الدولة بـ"الإفراج السريع وغير المشروط عن المواطنين الليبيين المسجونين بغير وجه حق ومن دون وجود أيّ تهم أو أوامر قبض في حقهم". ومنذ ذلك الحين، شهدت البلاد جملة من التغييرات والإجراءات السريعة في الملفات المتعلقة بالجانب الجنائي والحقوقي، خصوصاً بعد العثور على 10 جثث ملقاة في الهواري إحدى ضواحي مدينة بنغازي، شرق ليبيا، في وقت طالب فيه رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، مكتب النائب العام بفتح تحقيق في ذلك، مؤكداً أنّه "لا يمكن لمثل هذه الأحداث أن تتكرر مرة أخرى، والتسامح معها أو التغطية عليها تحت أيّ ذريعة لن يكون مقبولاً"، وهي خطوة تعكس طريقة تعامل الحكومة الجديدة مع الملفات الجنائية بنقلها للجهات العدلية تلافياً لعدم جرها لتعقيدات تلك الملفات من جانب، ومن جانب آخر تعكس إصراراً من الحكومة على فتح ملفات الانتهاكات، وفق قراءة الناشط السياسي من بنغازي جمال دعيب. 

ويلفت دعيب إلى أن الرابط بين كل الشخصيات التي استهدفت بعمليات اغتيال هو تورطها في انتهاكات كبيرة، موضحاً أن "الورفلي بدأ يشكل خطراً على حفتر وربما حلفائه في الخارج أيضاً، كونه يتوفر على أسرارهم وربما وثائق تؤكد تلقيه أوامر بالقتل خارج القانون"، وحول الدامونة وميلود يشير إلى تورطهم في حوادث اختطاف وإشراف على معتقلات سرية، وربما التورط أيضاً في جرائم قتل خارج القانون، خصوصاً أن المصراتي هو آمر سجن بطرابلس التي لا تزال تخضع لسلطة المجاميع المسلحة. 

ويتابع: "الرابط الآخر يربط بين المريمي والشركسي والدرسي كونهم شخصيات أمنية، ربما تكون على علم بمجريات التحقيقات في حادث اغتيال الورفلي، أو تمتلك شهادات وأدلة على ذلك"، مؤكداً أن مجمل تلك الحوادث تكشف عن محاولات من جانب شخصيات متنفذة في المشهد اليوم، سواء في الشرق أو الغرب، لإخفاء أي آثار أو روابط تربطها بملفات الجرائم الجنائية. 

وفيما طالبت عدة قبائل في شرق ليبيا، في بيانات منفصلة خلال الأسابيع الماضية، بفتح التحقيق في الانتهاكات التي طاولت أبناء مدينة بنغازي، يؤكد فرج الفيتوري، عضو المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية ( أهلي)، أنها مطالبات تؤشر على تغير الأوضاع نتيجة تراجع القبضة الأمنية، ونجاح العملية السياسية في إفراز حكام جدد لا علاقة تربطهم بقادة المشهد السابق، المتوجسين من فتح باب التحقيق في الانتهاكات الكبيرة، ويشدد الفيتوري على أهمية الحفاظ على أراشيف ومضابط النيابات والمحاكم في مختلف أنحاء البلاد من الأيدي العابثة التي قد تطاولها. 

ومع انتخاب أول سلطة تنفيذية موحدة في البلاد بعد ست سنوات من الانقسام الحكومي تتزايد الفرص لإحلال الأمن تحت مظلة مؤسسات أمنية وقضائية موحدة، لكن التحدي الأكبر أمام الحكومة يتمثل في إزاحة المجموعات المسلحة من المشهد بنزع سلاحها، بحسب الفيتوري، مشيراً إلى أنها خطوة فشلت فيها الحكومات السابقة، بسبب رفض قادة المجاميع المسلحة إدماج مجموعاتهم بشكل فردي وفضلوا العمل تحت مسميات أجهزة أمنية وعسكرية. 

ويضيف: "حوادث اغتيال الشخصيات المشبوهة ومحاولة إسكات أصوات شخصيات أمنية، تعد أول اختبار حقيقي للحكومة الجديدة ومدى جديتها في فتح باب للمصالحة يقوم على تفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب"، مشيراً إلى أن إثبات تورط قادة عسكريين كبار في الشرق الليبي باغتيال الورفلي قد يحتاج وقتاً، أما السؤال عن المستفيد من اغتيال الورفلي، فتبدو إجابته واضحة لدى الرأي العام. 

ولكن السؤال الأبرز عند الفيتوري هو: "هل ستتوقف موجة الاغتيالات؟"، يقول: "يمكنني التكهن بأن سلسلة الاغتيالات لا تزال أولها، فالملف الجنائي مثقل، هناك المقابر الجماعية في ترهونة وتهريب البشر والمجازر الجماعية في أكثر من منطقة، وكذلك المطالب المستمرة بالكشف عن مصير المغيبين من سياسيين ونشطاء وغيرهم، كما أن ملف الفساد المالي من أوسع ملفات الجرائم الاقتصادية". 

المساهمون