قمة الاتحاد الأفريقي: فصل جديد من المواجهة المغربية-الجزائرية

قمة الاتحاد الأفريقي: فصل جديد من المواجهة المغربية-الجزائرية

06 فبراير 2021
اعتراف أميركا بمغربية الصحراء سيؤثر على القمة (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

عادت القارة الأفريقية ومؤسساتها من جديد لتكون ساحة للمواجهة الدبلوماسية المستمرة بين المغرب والجزائر منذ أكثر من 45 سنة، على خلفية نزاع الصحراء، وذلك بالتزامن مع مؤشرات تصعيد لتلك المواجهة، خلال القمة العادية للاتحاد الأفريقي، المنتظر عقدها عن بُعد اليوم وغداً، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وتوازياً مع المواجهة الدبلوماسية المتواصلة بين الرباط والجزائر، منذ تأمين القوات المسلحة الملكية لمعبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد أسابيع من إغلاقه من قبل محسوبين على جبهة "البوليساريو"، وما تبع ذلك من تصاعد التوتر في المنطقة، ومن تطورات أحدثها اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بمغربية الصحراء، انطلق، خلال الأيام الماضية، حراك دبلوماسي مغربي مكثف، في مسعى لتطويق التحركات الجزائرية الأخيرة في غرب أفريقيا.

إعادة بعث المغرب الروح في مشروع خط الغاز سيجعل نيجيريا خارج المعادلة الانفصالية

كما هدف ذلك الحراك إلى استباق معركة دبلوماسية، تبدو أنها ستكون حامية داخل أجهزة الاتحاد الأفريقي، في ظل محاولات الجزائر وجنوب أفريقيا إخراج ملف الصحراء من المسؤولية الحصرية للأمم المتحدة، ودفع مجلس السلم والأمن الأفريقي إلى اتخاذ قرارات، تهدف إلى "خلق ظروف ملائمة لاتفاق جديد حول وقف إطلاق النار، ودعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى تعيين مبعوث خاص للصحراء"، وذلك كردّ على إمكانية تقديم المغرب مقترحاً يقضي بتجميد عضوية "البوليساريو" في المنظمة الإقليمية.

ومع بدء العد العكسي لانطلاق القمة الـ34 للاتحاد الأفريقي، كان لافتاً تسريع المغرب تحركاته الدبلوماسية، إذ أجرى العاهل المغربي الملك محمد السادس، الأحد الماضي، مباحثات هاتفية مع الرئيس النيجيري محمد بخاري، أعرب الطرفان خلالها عن عزمهما المشترك على مواصلة المشاريع الاستراتيجية بين البلدين وإنجازها في أقرب الآجال، ولا سيما خط الغاز نيجيريا-المغرب، وإنشاء مصنع لإنتاج الأسمدة في نيجيريا. ويقرأ مراقبون مغاربة في إعادة بعث الروح في مشروع خط الغاز، الذي كان قد صودق عليه خلال زيارة قام بها العاهل المغربي إلى لاغوس، في ديسمبر/كانون الأول 2016، اعترافاً ضمنياً بمغربية الصحراء، ويجعل نيجيريا خارج المعادلة الانفصالية، إذ يشير التصور الأول للمشروع إلى أنه سيتخذ خطاً ساحلياً يبدأ من منطقة الكركرات في الصحراء وينتهي في طنجة (شمال المغرب).

وفي سياق التحضير للقمة الأفريقية، استبق المغرب رئاسة الكونغو للمنظمة الإقليمية، باستقبال وزير الخارجية ناصر بوريطة، الإثنين الماضي، في الرباط، المستشار الخاص لرئيس الكونغو الديمقراطية في مجال الأمن، فرانسوا بيا، وذلك بالتزامن مع حديث عن دعم البلد الأفريقي لمساعي المملكة لتمرير مقترح طرد "البوليساريو" من الاتحاد الأفريقي في القمة المقبلة.
وكانت الدبلوماسية الجزائرية قد دشنت، خلال الأسابيع الماضية، سلسلة خطوات دبلوماسية لافتة في غرب القارة الأفريقية، في سياق سعيها إلى فك ما اعتبرته "تهميشاً وحصراً للأدوار الجزائرية في المنطقة". إذ زار وزير الخارجية، صبري بوقادوم، عدداً من الدول الأفريقية الحليفة لبلاده، والتقى الرئيس النيجيري محمد بخاري ووزير الخارجية جيفري أونياما، وبحث معهما سلسلة ملفات سياسية واقتصادية، ثنائية وإقليمية، فضلاً عن العمل المشترك داخل الاتحاد الأفريقي. كما استبق بوقادوم، انعقاد القمة الأفريقية، بزيارة إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، يومي 25 و26 يناير/كانون الثاني الماضي، كان من أبرز أهدافها الدفع في اتجاه إدراج نزاع الصحراء دائماً على جدول أعمال الآلية الأفريقية لمتابعة قضية الصحراء "الترويكا"، التي تم إحداثها في قمة نواكشوط في 1 و2 يوليو/تموز 2018.

وتحاول الجزائر وجنوب أفريقيا التخلص من قرار قمة نواكشوط أو تعديله، في اتجاه ألا تبقى معالجة ملف الصحراء حصراً بيد الأمم المتحدة، مع ما يعنيه ذلك من عودة إلى خيار "استفتاء تقرير المصير" والمفاوضات بين المغرب و"البوليساريو"، وإعطاء دور لمفوضية السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي. وكذلك وضع حد لمسلسل الحل السياسي، الذي تتبناه الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، التي تعتبر مبادرة المغرب للحكم الذاتي "جدية وذات مصداقية".

تحاول الجزائر وجنوب أفريقيا التخلص من قرار قمة نواكشوط أو تعديله

وفي وقت يبدو فيه أن التحركات الدبلوماسية الجزائرية الأخيرة تهدف إلى محاصرة التقدم المغربي، من خلال تشكيل حلف سياسي واقتصادي مهم في القارة الأفريقية، أضلاعه الثلاثة الجزائر كقوة في منطقة الساحل، ونيجيريا في غرب أفريقيا، وجنوب أفريقيا كقوة في منطقة جنوب القارة، رأى الباحث المغربي محمد شقير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الرباط نجحت، إلى حد الساعة، في محاصرة تحركات الجزائر، التي تحاول التصدي للحركية الدبلوماسية المغربية التي تتعلق بالتموضع داخل الرقعة الأفريقية التي تركتها فارغة لأكثر من ثلاثة عقود.
وقال شقير إن التحضير للدورة المقبلة للقمة الأفريقية جعل الدبلوماسية المغربية تُسرّع من وتيرة تحركاتها، لتشمل، فضلاً عن مباحثات هاتفية ستعطي زخماً سياسياً جديداً وقوياً للعلاقات بين المغرب ونيجيريا، استضافة المستشار الخاص لرئيس الكونغو، الذي سيترأس الدورة المقبلة للقمة، وذلك لوضعه في سياق المستجدات التي طرأت على ملف الصحراء، وبالأخص الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء. واعتبر أن ذلك الاعتراف سيرخي بظلاله على مجريات قمة الاتحاد الأفريقي، وسيقوي، بلا شك، من الموقف المغربي، الذي يحظى حالياً بأكبر الضمانات السياسية من أهم دولة تتحكم في الملف داخل المجتمع الأممي.

من جهته، اعتبر الباحث المغربي المختص في العلاقات الدولية، عثمان أمكور، أن تحركات الرباط في اتجاه نيجيريا والكونغو الديمقراطية، تندرج في سياق سياسة المغرب الاستباقية، التي تهدف إلى تحقيق المزيد من تحجيم خصومه، إلى جانب تثمين المكتسبات التي تحققت في الأشهر الماضية، بعد اعتراف واشنطن بسيادته على الصحراء، والتأييد الدولي للتحرك المغربي خلال أزمة معبر الكركرات، وقبلها النجاح الدبلوماسي الذي تحقق بافتتاح عشرات الدول الأفريقية والعربية قنصلياتها في الأقاليم الجنوبية. وشدد أمكور، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، على أن تلك التحركات، خصوصاً في اتجاه شريك استراتيجي بالنسبة للجزائر في القارة الأفريقية، من قبيل نيجيريا، تضيّق من نفوذ الجزائر في الاتحاد الأفريقي، بعد أن بات المغرب، اليوم، هو الأقرب إلى ذلك الشريك. ولفت إلى أن "انعقاد الدورة الـ34 لمنظمة الاتحاد الأفريقي، يأتي في ظل تحركات مجموعة من الدول التي بدأت تتغير مواقفها من قضية الصحراء لصالح المغرب، بعد ما عرفته من مستجدات مهمة، في جوهرها الاعتراف الأميركي بسيادة الرباط على أقاليمه الجنوبية".

المساهمون