قطاع غزة بين ضرورات التصعيد والحاجة إلى التهدئة

قطاع غزة بين ضرورات التصعيد والحاجة إلى التهدئة

30 ابريل 2023
مظاهرة عند حدود غزة مع إسرائيل تلبية لدعوة حركة حماس (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

يتناول المقال جدلية سياسية تدور رحاها داخل المطابخ السياسية للأطراف كافة. السؤال المطروح في جوهر جدلية قطاع غزة بين ضرورة التصعيد والحاجة إلى التهدئة ينطلق من ثلاث ركائز:
الأول: منطلقات التصعيد في ظل المراكمة على وحدة الساحات وسيف القدس.
الثاني: الانقسام الفلسطيني وأزمة الثقة بين حركتي فتح وحماس.
الثالث: تحليل بيئة قطاع غزة السياسية.

 

أولاً: ضرورات التصعيد انطلاقاً من قطاع غزة

نستطيع أن نحصر أهم ثلاث ضرورات تدفع قطاع غزة إلى أن يكون ضمن دائرة الفعل المباشر، أي الدخول في المعركة العسكرية عند كل جريمة يرتكبها الاحتلال في الأراضي الفلسطينية بـ:
1.    العدوان الصهيوني المتكرر على البشر والحجر والشجر في المحافظات الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص الاعتداءات على المرابطين في المسجد الأقصى والتدنيس الصهيوني له، في ظل تأكيد قادة المقاومة لمبدأ وحدة الساحات، ونظراً لتمثيل قطاع غزة رأس حربة المقاومة الفلسطينية، ولا سيما العسكرية، فإن الرد على أي حماقة إسرائيلية بات ضرورة وطنية.

2.    انفراد الجيش الإسرائيلي في منطقة دون تدخل باقي المناطق يعزز من الفصل السياسي بين المحافظات، ويدعم استراتيجية دولة الاحتلال الصهيوني بضرورة بناء جدار بين كل من الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني المحتلين وقطاع غزة والشتات (الفصل بين الساحات). لذا، فإن مشاركة الكل الفلسطيني للرد على أي عدوان إسرائيلي يمثل حالة استنزاف كبيرة لقوات الاحتلال، ويؤسس لمرحلة جديدة قائمة على وحدة الميدان.

3.    توظيف قوة المقاومة في غزة وقدرتها على التأثير بالاحتلال الإسرائيلي، في ظل زيادة وتيرة الاستيطان، وانسداد الأفق السياسي، مسألة مهمة في الانطلاق نحو مقاومة فاعلة موحدة تتداعى عندما يشتكي أي عضو منها.

 

الغزيون لا يميزون بين الحرب العسكرية والحصار. فمن وجهة نظرهم، لا يقل الحصار خطورة عن الحرب، إذ يعاني القطاع منذ 17 عاماً حصاراً مشدداً أثر بجميع مناحي الحياة

كل ما سبق وغيره يؤسس لصوابية فكرة الرد السريع من قطاع غزة على كل حماقة ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني (وحدة الساحات)، للوصول إلى أعلى درجات استنزاف الجيش الإسرائيلي.


ثانياً: الانقسام الفلسطيني وأزمة الثقة بين فتح وحماس

ترك الانقسام آثاراً سلبيةً على مسيرة الفلسطينيين ومشروعهم الوطني، وشكل كابحاً أمام وحدة الساحات، وذلك لسببين رئيسيين: الأول، مع تزايد أزمة الثقة بين الطرفين فتح وحماس، بات كل طرف يعتقد أن مقاومة خصمه السياسي موجهة للقضاء على وجوده. والثاني الانقسام البرامجي بين فتح وحماس، والانقسام على الأداة المستخدمة لتحقيق هدف التحرر، في ظل غياب استراتيجية وطنية توافقية، جعل قبول السلطة لمقاومة متعددة الأشكال في الضفة الغربية المحتلة أمراً غير محتمل، وعليه تعمل بالوسائل كافة لفرملته، وتسعى لإفشال حالة الهدوء في قطاع غزة.

 

ثالثاً: تحليل البيئة السياسية لقطاع غزة

يعاني قطاع غزة من اختلال في العلاقة بين الجغرافيا والديمغرافيا، حيث يعيش أكثر من 2 مليون نسمة على 365 كيلومتراً مربعاً من الأرض، وهو ما ألقى بتداعياته على الخدمات والقطاعات كافة، حيث يشهد القطاع أزمات في المياه والصرف الصحي والطاقة والصحة والبطالة وفي معدلات الفقر وغيرها.


1.     أزمة المياه في قطاع غزة
وصلت نسبة التلوّث في مياه قطاع غزة إلى حوالى 98%. ووفق آخر الإحصاءات الصادرة عن سلطة المياه الفلسطينية، فإن نسبة العجز بالمياه في القطاع وصلت إلى 110 ملايين متر مكعب سنوياً، من أصل 200 مليون متر مكعب من المياه التي يحتاجها سنوياً.

 

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

2.     الصرف الصحي في قطاع غزة:
بسبب الحصار الإسرائيلي على غزة، والعدوان المتكرر الذي يستهدف البنية التحتية، ومع الزيادة في معدلات النمو السكاني في القطاع، وانقطاع التيار الكهربائي معظم الوقت منذ سنوات، نتيجة ذلك تأثرت البلديات كثيراً، واتبعت في فترات سابقة سياسةً خطيرةً جداً على الصحة والبيئة، عبر ضخ مياه الصرف الصحي في مياه البحر المتوسط.

 

3.     الطاقة في قطاع غزة:
يحتاج قطاع غزة إلى 550-650 ميغا واط من الكهرباء، يتوافر منها حسب شركة توزيع الكهرباء 115 ميغا واط في أحسن الأحوال، إذ يصل عجز الطاقة إلى قرابة 450 ميغا واط.

بينما تعمل الخطوط الإسرائيلية المغذية للقطاع بقدرة 110 ميجا واط، تقدم الخطوط المصرية المغذية للقطاع بـ 23 ميغا واط، وفي أغلب الأوقات تكون معطلة، كذلك تعطي المحطة التي تعمل بمولدين ما يقارب من 45 إلى 50 ميغا واط. باختصار شديد، تصل الكهرباء إلى المنازل والمصانع في قطاع غزة ساعات قليلة؛ في أحسنها ثماني ساعات يومياً.

 

4.     قطاع الصحة في غزة
واقع الصحة في قطاع غزة بالغ الصعوبة والتعقيد، إذ لا وقود لتشغيل مولدات الطاقة، ولا أدوية داخل المستشفيات، حيث يأتي المريض أو الجريح إلى المستشفى، تتدخل الطواقم الطبية لإنقاذ حياته، لكنك تتفاجأ بقائمة طلبات طويلة مطلوب إحضارها من الصيدليات خارج أسوار المستشفى على نفقة المريض، لعدم توافرها في مستودعات وزارة الصحة، التي تعاني واقعاً صعباً بسبب الاحتلال والحصار.

 

 انفراد الجيش الإسرائيلي في منطقة دون تدخل باقي المناطق يعزز من الفصل السياسي بين المحافظات

5.     واقع البطالة والفقر في قطاع غزة:
يواجه قطاع غزة ارتفاعاً غير مسبوقٍ في معدلات البطالة، إذ تجاوزت 49%، وأكثر من ربع مليون عاطل من العمل بين فئة الشباب (بطالة الخريجين). معدل دخل الفرد اليومي في قطاع غزة 2 دولار، وهو الأسوأ عالمياً. وقد ارتفعت نسبة الفقر في قطاع غزة لتصل إلى 85%، تزداد تدريجياً نتيجة الحصار المشدد والعقوبات التي فرضها الرئيس عباس على غزة منذ عام 2017م.

 

الخلاصة: عانى قطاع غزة خلال الخمسة عشر عاماً السابقة من خمس حروب (2008 – 2012 – 2014 – 2021 – 2022)، وشهد بين عدوان وآخر جولات تصعيد، استهدفت البنى التحتية والأراضي الزراعية. والغزيون لا يميزون بين الحرب العسكرية والحصار. فمن وجهة نظرهم، لا يقل الحصار خطورة عن الحرب، إذ يعاني القطاع منذ 17 عاماً حصاراً مشدداً أثر بجميع مناحي الحياة. كل ما سبق وغيره يحسم جدلية قطاع غزة بين ضرورات التصعيد والحاجة إلى التهدئة، إلى ترجيح كفة التهدئة، مع العمل على مراكمة القوة للتدخل عندما تستدعي الضرورة ذلك، ولكن ليست المقاومة المقرر الوحيد هنا، فالاحتلال الصهيوني قد يدفع المشهد إلى الانفجار في أي لحظة عبر عدوان مباشر على القطاع، أو من خلال تجاوز الخطوط الحمراء في المسجد الأقصى.

المساهمون