قضية ريجيني: تطمينات رسمية إيطالية لمصر

قضية ريجيني: تطمينات رسمية إيطالية لمصر

21 فبراير 2023
ميلوني في شرم الشيخ، نوفمبر الماضي (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

استدعت محكمة إيطالية رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني، ووزير الخارجية أنطونيو تاجاني، أخيراً، للإدلاء بشهادتيهما، خلال جلسة مقررة في 3 إبريل/نيسان المقبل، وذلك عقب إعلانهما عن ثقتهما بأن القاهرة "ستتعاون" في قضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عثر على جثته في مصر عام 2016 وعليها آثار تعذيب.

وكانت النيابة العامة الإيطالية قد وجهت الاتهام في ديسمبر/كانون الأول 2020، إلى أربعة ضباط أمن مصريين، هم: اللواء صابر طارق، العقيدان آسر كامل محمد إبراهيم وهشام حلمي، والرائد مجدي إبراهيم عبد العال شريف، بتعذيب وقتل ريجيني، وتتواصل التحركات الحقوقية والقضائية في إيطاليا من أجل ملاحقة الجناة، في الوقت الذي تبذل فيه السلطات المصرية جهوداً حثيثة لغلق القضية بشكل نهائي، وعدم المساس بالضباط الأربعة.

وفي السياق، علمت "العربي الجديد" أن القاهرة حصلت على تطمينات رسمية إيطالية أخيراً، بشأن عدم تأثر مسارات التعاون بين القاهرة وروما بتداعيات قضية ريجيني "على المدى القريب".

قضية ريجيني رهينة المصالح المتبادلة

وتمتلك الحكومة الإيطالية مصالح واسعة مع مصر، سواء على صعيد صفقات السلاح الموقعة بين البلدين والتي تجاوزت 3 مليارات دولار في الفترة القصيرة الماضية، بالإضافة إلى توقيع شركة "إيني" الإيطالية اتفاقيات جديدة للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط قبالة السواحل المصرية.

استدعت محكمة إيطالية ميلوني ووزير خارجيتها أنطونيو تاجاني أخيراً، للإدلاء بشهادتيهما عن القضية

وفي يونيو/حزيران 2020، كشفت وسائل إعلام إيطالية عن مفاوضات في المراحل النهائية بين القاهرة وروما، لإبرام صفقة أسلحة بقيمة 3 مليارات دولار لشراء مقاتلات حربية، وذلك كجزء من صفقة ضخمة تتراوح قيمتها بين 9 و10 مليارات دولار، وهي من أكبر الصفقات في تاريخ مصر ومن الأكبر في إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية.

كما أن الحكومة الإيطالية تعتبر مصر رقماً مهماً في معادلة الأزمة الليبية، باعتبارها دولة جوار وتمتلك نفوذاً لا يستهان به في شرق ليبيا، في مواجهة تركيا التي تستأثر بغرب ليبيا لصالحها. وتسعى روما إلى امتلاك أكبر قدر ممكن من أوراق اللعب في ليبيا، بشكل يجعلها تستعيد نفوذها هناك في مواجهة أنقرة.

تعاون يطغى على الملف الحقوقي

وتعليقاً على سير العلاقات بين القاهرة وروما وتأثرها بقضية ريجيني، رأى المدير التنفيذي لمنظمة "إيجيبت وايد" لحقوق الإنسان، سيد نصر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قضية ريجيني "لم تنجح في التأثير بشكل واضح على طبيعة العلاقات بين البلدين طوال السنوات الماضية، ما يشير إلى أن المستجدات الأخيرة قد لا تؤثر سلباً على شكل العلاقات، خصوصاً أن هناك تعاوناً بين الحكومة الإيطالية والمصرية في عدد كبير من الملفات".

كما شدّد نصر على تأثير "التوجهات اليمينية للحكومة الإيطالية الحالية التي لديها أولويات أخرى ليس من بينها قضايا حقوق الإنسان، فقد تولي أهمية أكبر للتعاون (مع مصر) في ملف الغاز الطبيعي، أو الحد من الهجرة غير القانونية عبر البحر المتوسط".

ولفت نصر إلى أن "العلاقات المصرية الإيطالية توطدت بشكل ملحوظ أيضاً بعد الانتخابات الإيطالية الأخيرة (في سبتمبر/أيلول الماضي)، بداية من الاجتماع الخاص الذي عقدته ميلوني مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش قمة المناخ في شرم الشيخ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي". وأضاف: "رصدنا مثلًا، في إيجيبت وايد، أن معدلات تصدير الأسلحة إلى مصر في زيادة من بعد واقعة ريجيني، إلى جانب تنفيذ الشرطة الإيطالية 26 تدريباً لأكثر من 360 ضابطاً مصرياً خلال السنوات السبع الماضية، من بينهم ضباط من جهاز الأمن الوطني الذي تورط في مقتل ريجيني".

العلاقات المصرية الإيطالية توطدت بشكل ملحوظ بعد الانتخابات الإيطالية الأخيرة

وتابع الحقوقي المصري: "لا نرى خطوات حقيقية أو ضغوطاً من قبل الحكومة الإيطالية لغلق هذا الملف بشكل حاسم، ففي كل مرة يعقد اجتماع بين وزارتي الخارجية الإيطالية والمصرية، تتم الإشارة في بيان مشترك إلى التطرق إلى قضية ريجيني، ووعود مصرية بالتعاون مع الحكومة الإيطالية، ولكن تلك الإشارات المتكررة أصبح واضحاً للعيان أنها من أجل غسل وجه المسؤولين، لا أكثر".

في موازاة ذلك، أعربت 15 منظمة حقوقية مصرية وإقليمية في بيان الأسبوع الماضي، عن "قلقها إزاء التطورات الأخيرة التي صاحبت إجراءات المحاكمة في قضية ريجيني"، مطالبةً السلطات التنفيذية الإيطالية بـ"اتخاذ موقف أكثر حزماً بشأن القضية، من خلال تعليق جميع برامج التعاون الشرطية التي تفيد قوات الأمن والشرطة المصريين، وذلك بسبب مسؤوليتها عن تعطيل القضية".

وتنادي المنظمات الحقوقية الموقعة على البيان بضغوط أكبر على مصر لتحقيق العدالة في قضية الباحث الإيطالي، وتقول إن الشرطة الإيطالية نفذت منذ 2016 أكثر من 26 دورة تدريبية مخصصة لأكثر من 360 ضابطاً مصرياً من مختلف التصنيفات، بما في ذلك قطاع الأمن الوطني، الغالب تورطه في مقتل ريجيني.

وتتصدر قضية مقتل ريجيني المحادثات بين المسؤولين في البلدين، خلال اللقاءات الرسمية التي تجمعهم، والتي كان آخرها اللقاء الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، خلال زيارة الأخير للقاهرة في شهر يناير/كانون الثاني الماضي. وأوضح البيان الرسمي الصادر عن مؤسسة الرئاسة المصرية أن "اللقاء تطرق إلى قضية الطالب الإيطالي ريجيني والتعاون من أجل الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة".

من جهته، أكد دبلوماسي غربي في القاهرة، أن "العلاقات التي أقامتها الإدارة المصرية مع الحكومات الإيطالية وآخرها حكومة ميلوني، باتت أكبر من أن تهددها قضية ريجيني"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الإدارة المصرية دفعت أثماناً باهظة من أجل وضع العلاقات بين القاهرة وروما في إطار يصعب على أي حكومة إيطالية مقبلة المغامرة بإنهائها". وأشار الدبلوماسي إلى "الدور الذي تلعبه مصر في مكافحة الهجرة غير النظامية، واستخدام هذا الملف على وجه الخصوص لمواجهة الدعوات الحقوقية والشعبية في إيطاليا لوقف أوجه الدعم لأجهزة الأمن المصرية".

وعدّد الدبلوماسي الغربي أوجه التعاون الإيطالي المصري، مشيراً كذلك إلى "أهمية الدور الذي تؤديه مصر في إطار الوضع الحالي في حوض البحر المتوسط، والتعاون بين البلدين من خلال منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم في عضويته مصر وإيطاليا".